أوراسيا ريفيو | من أجل المياه والحرية.. الإيرانيون ينتفضون!

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

تقع إيران في المنطقة الجغرافية والتاريخية ذاتها منذ آلاف السنين. عاش شعبها البارع في هذه الأرض الجافة وشبه الجافة في أغلبها لأجيال طويلة، وقد أسس الإيرانيون حضارة مذهلة، مستخدمين إدارة مستدامة لأنظمتهم البيئية الطبيعية تعدّ مثالًا للعالم بأكمله، وقدّموا إسهامات هائلة في العلوم الإنسانية والفنون والهندسة والثقافة والعلوم.

والآن، تواجه البلاد نقصًا هائلاً في المياه نتيجة سوء الإدارة والفساد ونهب المياه من جانب النظام الديني الحاكم. يحاول مسؤولو النظام وبعض الخبراء الأجانب والمحليين جاهدين تصوير هذه الأزمة على أنها ناجمة عن الجفاف والتغير المناخي والاحتباس الحراري العالمي، عوضًا عن إلقاء اللوم على مافيا المياه سيئة الصيت في إيران والتي يطالب المزارعون المحتجون بالقضاء عليها.

لقد استُنزفت موارد إيران المائية نتيجة الإفراط في استخراج موارد المياه الجوفية وبناء شركات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني لسدود، بغض النظر عن عدم فائدتها للأمة، من دون مراعاة أي اعتبارات بيئية، وزراعة محاصيل شديدة الاستهلاك للمياه، وكلها مملوكة لأعضاء الحرس الثوري والنخبة الدينية أو المؤسسات الثرية الخاضعة لسيطرة المرشد الأعلى لإيران. يهرب المزارعون الذين تأثروا بنقص المياه من قراهم للعيش في أكواخ أو مستوطنات دون المستوى في أطراف المدن.

إن إيران ضحية تغيّر مناخي تسبب فيه البشر، لكنها أيضًا ضحية سوء إدارة للموارد المائية، لا سيما عقب الانتفاضة المناهضة للملكية في عام 1979. نتيجة لهذا المزيج الكارثي من تأثيرات المناخ والقرارات الإشكالية الخاصة بإدارة الموارد المائية، فإن التحديات المرتبطة بالمياه لا تهدد فقط الحياة والأرزاق، لكنها تؤدي أيضًا لاحتجاجات وعنف وتصاعد في خطر عدم الاستقرار. إن احتجاجات المزارعين الأخيرة في محافظة خوزستان الإيرانية في يوليو 2021، ومؤخرًا في مدينة أصفهان (عاصمة محافظة أصفهان) وفي شاهريكورد (عاصمة محافظة تشاهرمحال وبختياري) ومناطق أخرى، هي فقط آخر دليل على تحديات مرتبطة بالمياه تؤدي لمخاطر عدم الاستقرار وانعدام الأمن والصراع في إيران وخارجها. هنا، يجب على المرء أن يذكر أن مثل هذا الصراع لن يحدث بالتأكيد بين سكان هذه المحافظات المتأثرة بالأزمة، ولكن بين الإيرانيين جميعهم والنظام الديني الإيراني بأكمله.

مع هذا، يجب علينا أن نعلم أن هذه الأزمة البيئية هي من صُنع النظام الديني، وحتى خبراء النظام ذاته يقرّون بمشاركة كاملة للحكومة الدينية في خلق مثل هذه الأزمات وإزالة الغابات والرعي الجائر في المراعي والانخفاضات الأرضية ونهب موارد المياه وتزايد التصحر.

لقد أدّى استنزاف طبقات المياه الجوفية لجفاف عدد كبير من الينابيع الطبيعية وقنوات الريّ ومصادر مائية تقليدية أخرى. ليس لدى العديد من القرويين مياه يشربونها. هم يجمعون مياه الشرب من برك صغيرة على الأرض، لكنها غير صحية لهم ولماشيتهم. في المدن الكبرى، يستهلك الناس مياهًا معبأة في زجاجات منذ عدة سنوات لأن المياه الآتية من الأنابيب موحلة وملونة وذات رائحة كريهة، وهو ما يزيد من أرباح منتجي زجاجات المياه المرتبطين أصلًا برجال الدين المُمسكين بالسلطة.  

يبدو أن صنّاع القرار في إيران واعون تمامًا لهذه التحديات. في أواخر إبريل 2021، أعلن “قاسم تقي زاده خامسي”، نائب وزير الطاقة لشؤون المياه ومياه الصرف، أن نقص المياه في سدود البلاد انخفض بنسبة 20 بالمائة في العام الماضي. فضلًا عن هذا، أعلن “تقي زاده” أنه نتيجة لتراجع هطول الأمطار بنسبة 40 بالمائة مقارنة مع المتوسط طويل الأمد، فإننا “لن نكون قادرين على توفير المياه للمواسم الزراعية الثلاثة في الربيع والخريف والصيف”.

تواصلت أوضاع الجفاف في الصيف، إذ أعلن “صادق زيايان”، مدير “المركز الوطني للتحذير من الجفاف ومراقبته في إيران” أن البلاد تواجه واحدًا من أكثر المواسم نقصًا في هطول الأمطار منذ 50 عامًا، حيث انخفض هطول الأمطار بنحو 50 بالمائة في بعض المناطق في البلاد، وحتى بنسبة 80 بالمائة في محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة جنوب شرق البلاد. لكن صنّاع السياسيات في إيران يبدون عاجزين عن التعامل بشكل فعّال مع هذه التحديات. والسبب هو أن السياسة في إيران تتركز في أيدي رجل واحد “المرشد الأعلى” والذي لا يخضع للمساءلة أمام أي شخص.

كانت هناك احتجاجات في عموم إيران: في مناطق بينها طهران وأصفهان وتبريز وبوجنورد وساغيز ومدن كبيرة أخرى، عبّر فيها المحتجون عن تضامنهم مع سكان خوزستان، كما عبّروا عن غضبهم وسخطهم تجاه الطبقة الحاكمة، والتي ردّت بتنفيذ اعتقالات ومحاولات لإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي. في الوقت ذاته، عبّر المرشد الأعلى “علي خامنئي” عن تعاطفه مع مطالب المحتجين وتعهد بإعطاء أولوية قصوى للمياه، في وقت فشل فيه المرشد ومسؤولوه في تحسين إدارة موارد المياه أو معالجة مشاكل التغير المناخي. يبدو أن قيادة إيران واعية لهذه الأزمة وتأثيراتها على أرزاق الناس، وتداعياتها على الأمن والاستقرار الوطنيين، لكن نتيجة لطبيعة النظام الفاسدة، فهو عاجز عن تقديم أي حلول.

إن أحد أسباب هذا الوضع البائس يتمثل في تربّح شركات ومنظمات مرتبطة بالمرشد الأعلى والحرس الثوري والحكومة. شيّدت هذه المنظمات سدودًا، دون إجراء حساب دقيق، ما أدّى لجفاف الأنهار واستنزاف المياه الجوفية.

إن أكثر من أربعة عقود من سوء إدارة حكومة رجال الدين، وعمل هذه الحكومة لمصلحة أصحاب الحظوة، فضلا عن الفساد وأخيرا التغيّر المناخي، كل هذا أدّى لأزمة مياه شديدة في إيران كلها. ووفقًا للبيانات المنشورة، فقد انخفض سقوط الأمطار بنسبة 53 بالمائة هذا العام مقارنةً بالعام الماضي، كما انخفض سقوط الأمطار بنسبة 41 بالمائة مقارنة مع المتوسط طويل الأجل. تتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية انخفاضا في سقوط الأمطار بنسبة 75 بالمائة بحلول عام 2025 نتيجة لأزمة المياه، الناجمة عن الاستغلال اللامسؤول والتنمية غير المستدامة وتدمير الأنظمة البيئية الطبيعية.

بالرغم من هذه التقارير وتحذيرات المدافعين عن البيئة، إلا أن النظام الديني، وبدلًا من تخفيف هذه الأزمة، يواصل بناء سدود على الأنهار، ويفرط في استخراج المياه الجوفية، ويستمر في تجفيف البحيرات، ويدمر الأراضي الرطبة، متجاهلاً الأثر طويل الأمد لهذه الإجراءات. إن استغلال المياه الجوفية ساهم في تجفيف طبقات المياه الجوفية بمعدل لا يمكن تصديقه، ما زاد من العجز في هذه المياه من 200 مليون متر مكعب إلى 200 مليار متر مكعب في عموم إيران في الفترة بين 1981 و2020، ما أدّى للإفراط في استخراج موارد المياه وانتشار التصحّر.

هناك أسباب رئيسية أدّت لتجفيف العديد من الأنهار في إيران، أبرزها بناء السدود والصناعات شديدة الاستهلاك للمياه في مناطق غير مناسبة تمامًا، لا سيما في مناطق إيران الجافة، وتحويل موارد المياه العذبة لمثل هذه المناطق، وحفر العديد من الآبار العميقة غير المرخّصة بعد ثورة عام 1979. تخضع مثل هذه الصناعات والآبار غالبًا لسيطرة شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني أو المؤسسة الدينية العملاقة الخاضعة لإشراف المرشد الأعلى.

ثمة محاولات لتهدئة المزارعين عبر تقديم وعود فارغة لهم، وذلك طالما كانت المياه السطحية يتحكم بها الحرس الثوري، وطالما كان استغلال المياه الجوفية خاضعًا لسيطرة مافيا المياه في وزارة الطاقة، وهي المافيا الخاضعة أو التابعة بدورها للحرس الثوري. لكن هذا كله مجرد وعود فارغة تمامًا! بالنظر لفساد رجال الدين الحاكمين وفساد المستويات العليا في الحكومة الإيرانية، فإن هذه الوعود مجرد فقاعات. إن القطاع العام ليس أفضل حالًا، وهو أصلًا مرتبط بشكل كبير بدوائر السلطة، كما تعاني مشاريع الزراعة والريّ من المحسوبية والتربّح، وتنهب مؤسسات تابعة للحرس الثوري والحكومة المياه، لكن سكان المنطقة، لا سيما المزارعين الكادحين في الهضبة الوسطى، يدفعون الثمن!

ولا ريب أن فساد النظام يظهر جليًّا كذلك في تقنين المياه الشحيحة أثناء أوقات الصيف الحارقة، حيث يتم توزيع حصص أكبر من المياه على شركات خاصة وحكومية تابعة للنظام وداعميه. على سبيل المثال، يجري تحويل المياه في محافظة أصفهان إلى مصانع نووية ومصانع صلب تابعة للحرس الثوري الإيراني.

على مدار السنوات الأخيرة، واجهت إيران تزايدًا في حدة الفيضانات، والناتجة عن إزالة الغابات، والإفراط في الرعي في المراعي، والتصحر. في السنوات الثلاثة الماضية، شهدت 28 من أصل 31 محافظة فيضانات. كان يمكن جمع تلك المياه واستغلالها لبناء مخزونات مياه، لكن نظام إيران الديني عاجز عن إدارة المياه بشكل صحيح، أو التخطيط لمنع الآثار الضارة للفيضانات الشديدة. والآن ينتفض جميع أطياف الشعب الإيراني، من مزارعين وعمّال ومعلّمين وممرضات ومتقاعدين، وشرائح مجتمعية أخرى، لاستعادة حريتهم ومياههم التي سرقها رجال الدين. لقد انتظر الإيرانيون بصبر لأكثر من 43 عامًا وسمعوا جميع الوعود الحكومية، لكنهم لم يحصلوا على أي شيء سوى الفظائع والفقر والقمع والإرهاب. والسؤال الآن: ما الذي يجعل الناس يصدّقون أن الوضع مختلف هذه المرة؟  يظن الناس أن الكيل قد طفح وأن الوقت حان لتغيير النظام وتحرير إيران بقيادة امرأة شجاعة وهي السيّدة “مريم رجوي”.         

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا