توماس فريدمان يكتب | سياسة ترامب في إيران أصبحت كارثة للولايات المتحدة وإسرائيل

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

كان قرار الرئيس دونالد ترامب بتمزيق اتفاق إيران النووي في 2018 – وهو قرار حث عليه وزير الخارجية مايك بومبيو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينجامين نتنياهو – واحدًا من أغبى قرارات الأمن القومي الأمريكي وأقلها دراسة وأكثرها تأثيرًا عكسيًّا في عصر ما بعد الحرب الباردة.

لكن لا تصدقوا كلماتي!

كان موشيه يعلون وزيرًا للدفاع الإسرائيلي عند توقيع الاتفاقية النووية، وعارضها بقوة. لكن في مؤتمر الأسبوع الماضي، قال، وفقًا لملخص نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، “بقدر ما كان هذا الاتفاق سيئًا، فإن قرار ترامب بالانسحاب منه – بتشجيع من نتنياهو – كان أسوأ بكثير”. لقد وصفه يعلون بأنه “الخطأ الرئيسي في العقد الأخير” في سياسة إيران.

بعدها بيومين، أعرب الجنرال جادي آيزنكوت، الذي كان قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل عندما انسحب ترامب من الاتفاق، عن شعور مماثل، والذي ذكرت هآرتس أنه “قيمة سلبية صافية لإسرائيل: لقد حرر إيران من كل القيود، وأوصل برنامجها النووي إلى موقف أكثر تقدمًا”,

لقد فعل بالتأكيد. أفادت المنظمة الدولية للطاقة الذرية مؤخرًا بأن إيران جمّعت مخزونًا من سداسي فلورايد اليورانيوم المخصب والذي يحسب الخبراء النوويون المستقلون أنه كافٍ لإنتاج يورانيوم من المستخدم في صنع الأسلحة لإنتاج قنبلة نووية في غضون ثلاثة أسابيع.

حتى وقت انسحاب ترامب من اتفاق إيران الذي تفاوض عليه الرئيس باراك أوباما – على الرغم من أن المفتشين الدوليين قالوا إن إيران كانت لا تزال ملتزمة به – كان زمن الاختراق الذي تحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج سلاح نووي عامًا واحدًا، وكانت إيران قد وافقت على الإبقاء على ذلك الحاجز لـ15 عامًا. الآن أصبحت مسألة أسابيع. يعتقد المسئولون الأمريكيون أن الأمر سيستغرق عامًا ونصف أو عامين من إيران لكي تصنع رأسًا حربية. لكن هذا لا يبعث على الطمأنينة.

بعد خمسة أشهر من الانقطاع، جرى استئناف المفاوضات لاستعادة الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا يوم الإثنين الماضي بين إيران والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا وبريطانيا – مع مشاركة الولايات المتحدة من غرفة أخرى لأنها لم تعد طرفًا في الاتفاق.

يسود التشاؤم الموقف. تريد حكومة إيران المتشددة الجديدة رؤية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يرفعون كل العقوبات المالية عن إيران – ليس فقط تلك المتعلقة بأنشطتها النووية بل أيضًا تلك المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والمغامرات الإقليمية الخبيثة. إنها تريد أيضًا ضمانات بأنها إذا استأنفت الامتثال للاتفاق – وتخلت عن المواد الانشطارية التي جمّعتها منذ إلغاء ترامب للاتفاقية – فلن يمزقه الرئيس الجمهوري الأمريكي القادم. تلك المطالب لا يمكن تلبيتها.

إذن ماذا يحدث بعد ذلك؟ لا أحد يعلم. لقد أصبحت هذه المفاوضات مثل لعبة بوكر ضخمة، واللاعبون المختلفون – ومن ضمنهم إسرائيل ضمنيًّا – يتطلعون إلى أوراق أحدهم الآخر ويحاولون معرفة من يخدع ومن مستعد للمجازفة وكشف خداع الآخر. كل ما أستطيع فعله اليوم هو التجول حول الطاولة ومحاولة قراءة عين كل شخص.

يريد المفاوضون الإيرانيون إثبات أنهم يستطيعون الحصول على اتفاق أفضل مما حصل عليه أسلافهم الجبناء. وهم يمتلكون بالتأكيد أوراقًا أكثر، في صورة مواد انشطارية، ليلعبوا بها الآن بما أن إيران على بُعد أسابيع فقط من أن تصبح دولة على عتبة إنتاج أسلحة نووية – على بُعد خطوات قليلة من امتلاك القنبلة متى أرادت، لكن ليست قوة نووية من الناحية التقنية.

لكنني استشعر أيضًا بعض قطرات العرق على جبهة اللاعب الإيراني. ففي النهاية، ماذا سيقول الشعب الإيراني إذا أخبرهم النظام أنه بعد ثلاث سنوات من العيش تحت ضغط العقوبات الصارمة والجائحة، يمكنهم التطلع إلى عقوبات لا نهائية ومتحور “أوميكرون”. طبعًا، سوف تشتري الصين بعض النفط الإيراني بحيث تستطيع الحكومة الاستمرار. لكن في ظل مواجهة إيران لنقص ضخم في المياه بسبب تغير المناخ، إذا لم يتفاوض النظام على إنهاء العقوبات، قد ينفجر الشارع الإيراني في أي وقت. إن الأوراق الإيرانية أضعف مما تبدو عليه.

في الوقت نفسه، اللاعب الإسرائيلي متجهم ويمسك أوراقه بإحكام وفي الوقت نفسه يعبث بأوراق إف-35 وغواصات دولفين في الخليج العربي المجهزة بصواريخ كروز النووية. تستمر عيناه في التحرك ذهابًا وإيابًا بين اللاعب الإيراني وجو بايدن – غير واثق بشأن من ينبغي القلق منه أكثر.

لسنوات، كان الإسرائيليون يسمعون الرؤساء الأمريكيين يقولون إنهم لن يسمحوا لإيران بالحصول على قنبلة. في البداية، احتفلوا بانسحاب ترامب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات. ولم لا؟ لقد ظنوا أن هذا سيُضعف جهد إيران للحصول على قنبلة ومحاولاتها لتزويد حلفائها في حزب الله في لبنان وسوريا بصواريخ موجهة بدقة تستهدف إسرائيل. لكن ليس هذا ما حدث.

لقد اتضح أن ترامب وبومبيو تصرفا بثقة مفرطة. لو كانا يتمتعان بالدهاء، كانا سيخبران الإيرانيين أن الولايات المتحدة ستستعيد الاتفاق وترفع العقوبات إذا وافقت إيران على الامتناع عن التخصيب للمستويات اللازمة لإنتاج سلاح نووي لـ25 عامًا، مثلًا – بدلًا من الـ15 عامًا. لكن، بدلًا من ذلك، طلبا تغييرات جذرية بشدة في سلوك إيران لدرجة أن النظام فهم أن العقوبات لن تنتهي أبدًا.

اتجه القادة الإيرانيون إلى الصين لكي تشتري نفطهم وبدأوا تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لكي يجعلوا أنفسهم دولة على عتبة امتلاك سلاح نووي. مع الأسف، لم يمتلك ترامب وبومبيو خطة بديلة إذا كشفت إيران خداعهم. وعلى الرغم من تهديدات ترامب، فإنه لم يكن ليقصف إيران، ولم يرد حتى عندما هجم الإيرانيون بصواريخ كروز وفجروا واحدة من أكبر منشآت النفط السعودية. لاحظ جميع من في الجوار ذلك.

إذن ماذا فعل ترامب في النهاية؟ لقد سلّم هذه الأوراق المريعة إلى بايدن.

لكن بايدن أيضًا لم يلعب بطريقة جيدة. فبدلًا من إلغاء عقوبات ترامب على الفور واستعادة الامتثال، مقابل تخلي إيران عن مخزونها من اليورانيوم، تورط في معركة دبلوماسية مع الإيرانيين حول من سيبدأ. وفي ظل توجيه تركيزه على الخروج من الشرق الأوسط – بداية بأفغانستان – لم يزرع بايدن الخوف في قلوب الإيرانيين؛ لذلك لم يبدأ أحد، واستمرت إيران في التخصيب.

ولهذا السبب ترى الآن اللاعب الإسرائيلي يرفع عنقه ليرى إذا كان يستطيع معرفة الأوراق التي سيلعب بها بايدن بعد ذلك. يخشى اللاعب الإسرائيلي أن يختار بايدن الاتفاق المصغر – والذي بموجبه توافق إيران على تجميد مخزونها من المواد الانشطارية حيث هو، في مقابل تخفيف بعض العقوبات الأمريكية. هذا من شأنه أن يُبقي إيران على عتبة القوة النووية ويجعل من الصعب على إسرائيل قصف منشآتها، لأنها بذلك ستعطل اتفاق مصغر بوساطة الولايات المتحدة.

لهذا السبب يركل اللاعب الإسرائيلي، تحت الطاولة، بايدن لكي يُخرج أكبر ورقة لديه والتي ستثير قلق الإيرانيين – مخترق الذخائر الهائلة GBU-57A/B، وهو قنبلة “مخترقة للتحصينات” وموجهة بدقة بوزن 30 ألف رطل والتي تستطيع عبور اثني عشر قدمًا من الخرسانة وتفجير أي منشآت نووية إيرانية مخبأة في الجبال. يحاول اللاعب الإسرائيلي الإشارة إلى بايدن أنه يحتاج إلى “التفوق في الجنون” على الإيرانيين. فقط إذا أقنعهم أنه مجنون بما يكفي ليقصفهم فلن يضطر إلى قصفهم.

لكن بايدن ليس بارعًا في الخداع باستخدام القوة. إنه يخشى أن أي تلميح بالعمل العسكري ضد إيران قد يرفع أسعار البنزين إلى 10 دولار للجالون بحلول الكريسماس. يراقب اللاعب الإيراني كل هذا ويضحك خلف أوراقه.

في الوقت الحالي، يفضّل بايدن محاولة إشراك اللاعبين الروس والصينيين للضغط على إيران. لكن اللاعب الصيني همس: “إنه صحيح أنني لا أريد أن يحصل اللاعب الإيراني على قنبلة. لكن هل تعلم ما الذي لا أريده أكثر؟ استمرار رسومك الجمركية على اقتصادي ومحاضراتك عن تايوان، وهونج كونج والأويغور. لذلك ربما يجدر بك إغلاق فمك عننا، ثم سنتحدث عن عدم شراء الصين للنفط الإيراني”.

وبالنسبة إلى اللاعب الروسي، فقد ضحك ضحكة خافتة، وتناول جرعة أخرى من الفودكا ثم غمز لبايدن قائلًا: “أنت تريدني أن أضغط على إيران لأجلك بينما أنت تضغط عليّ في أوكرانيا؟ أنتم الأمريكيون – دائمًا تحبون المزاح”.

ترقبوا جولة بوكر أخرى الأسبوع القادم في فيينا لنرى من سينسحب ومن سيدخل في الرهان. وأنا سأراقب اللاعب الإسرائيلي. لديه نظرة متجهمة على وجهه ويستمر في عد أوراق إف-35 وكأنه يفكر في المجازفة بكل ما يملك – بمفرده. وهو مجنون بما يكفي لفعل ذلك.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا