ناشيونال إنترست | قمة الديمقراطية لن تجعل أمريكا أكثر أمانًا

آية سيد

ترجمة – آية سيد

من المقرر أن تنعقد “قمة الديمقراطية” التي دعا إليها الرئيس جو بايدن افتراضيًّا يوم 9 ديسمبر، والتي ستجمع أكثر من 100 دولة في جهد لوقف التراجع الديمقراطي وتعزيز الديمقراطية حول العالم. يصف بايدن رؤيته لسياسة أمريكا الخارجية بأنها منافسة بين الأنظمة الديمقراطية، بقيادة الولايات المتحدة، والأنظمة الاستبدادية، بقيادة الصين وروسيا.

وفي حين أن هذا ربما يجعل النخب في واشنطن تشعر بأنها تمتلك التفوق الأخلاقي، فإن صياغة العلاقات الدولية بهذه الطريقة ساذجة وخطيرة. ينبغي أن تخدم السياسة الخارجية الأمريكية دائمًا مصالح الشعب الأمريكي على أحسن وجه – وفي بعض الأحيان يتطلب هذا العمل مع أنظمة بغيضة. إن القضايا العالمية، مثل منع انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة الإرهاب العابر للحدود الوطنية، ومواجهة الجوائح، وتخفيف آثار تغير المناخ، وتعزيز التجارة النزيهة تتطلب من الدول أن تتعاون بغض النظر عن هياكلها السياسية الداخلية، كما أن قرار إدارة بايدن بصياغة سياستها الخارجية على الأساس الأيديولوجي “نحن ضد الآخرين”، بدلًا من السعي وراء المصالح الأمريكية الجوهرية، من المقدر أن يؤدي إلى طريق يجعل الشعب الأمريكي أقل أمانًا وازدهارًا.

مع الأسف، بايدن هو أحدث رئيس أمريكي يرتقي بالأيديولوجية على حساب المصالح. بعد أن خرجت الولايات المتحدة منتصرة من الحرب الباردة وأصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم، فقدت رؤيتها لما ساعدها في الفوز بالمعركة – السياسة الخارجية القائمة على المصالح. بدلًا من هذا، وفي ظل عدم وجود خصم في الأفق قادر على تحدي الموقف الأمريكي المهيمن، مضت الولايات المتحدة في حملة لإعادة تشكيل العالم حسب صورتها. اعتقد صُناع السياسة الأمريكيون، من كلا الجانبين، بحماقة أن تطبيق القوة العسكرية هو كل ما يتطلبه الأمر لتحويل دول مثل أفغانستان، والعراق وليبيا إلى ديمقراطيات ليبرالية. وعلى نحو غير مفاجئ، فشلت هذه الجهود لهندسة الدول الأخرى اجتماعيًّا، ما أدى إلى الفوضى، والمعاناة الإنسانية، وإنقاص أمن أمريكا، وازدهارها وموقفها في العالم.

إن التدخلات العسكرية الفاشلة في دول ذات قيمة استراتيجية منخفضة تسببت في تشتيت الولايات المتحدة عن القضايا الأكثر إلحاحًا – لا سيما الصعود الاستثنائي للصين. لقد أدت عقود من السياسة الخارجية الأمريكية سيئة الإدارة، التي هدفت إلى نشر الديمقراطية والقيم الليبرالية لشعوب ليس لها تاريخ أو اهتمام بطريقة الحياة تلك إلى إضعاف قوة أمريكا النسبية أمام الصين. وفي الوقت الذي أهدرت الولايات المتحدة الدماء والثروات في الشرق الأوسط، كانت الصين تزداد ثراءً. ضغطت نخبة واشنطن من أجل تطبيع العلاقات التجارية مع الصين ودمجتها في المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، معتقدين أنها ستصبح ديمقراطية وتتحول إلى صاحب مصلحة عالمي مسئول. لكن بدلًا من ذلك، ساعدت الولايات المتحدة في تمكين وحش يحوّل نموه الاقتصادي الهائل إلى قوة عسكرية حيث يسعى لتحدي الموقف الأمريكي في منطقة الهندي-الهادئ. وفي ظل امتلاك عدد سكان يفوق 4.1 مليار نسمة واقتصاد يوشك على تجاوز الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم، تمتلك الصين الإمكانية لأن تصبح أكبر خصم تواجهه الولايات المتحدة على الإطلاق. ولكي تظل أقوى دولة، وبالتالي الأكثر أمنًا، في العالم، تحتاج الولايات المتحدة لتبني سياسة خارجية قائمة على المصالح والتي تعكس الواقع الجيوسياسي لـ2021، وليس 2001.

سوف يُحسِن بايدن صُنعًا إذا تعلم من التاريخ. في الأربعينيات تحالفت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي – الذي لم يكن معقلًا للديمقراطية الليبرالية – للتغلب على التهديد الأكبر المتمثل في ألمانيا النازية. عقب الحرب العالمية الثانية، ظل الاتحاد السوفيتي الدولة الوحيدة القوية بما يكفي لتهديد الولايات المتحدة. وفي إدارة هذه المنافسة، عملت الولايات المتحدة مع الكثير من الانظمة غير الليبرالية، مثل الصين الشيوعية عندما استغلت بحكمة الانقسام الصيني-السوفيتي لعام 1972. اليوم، الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك الإمكانية لتحدي الهيمنة الأمريكية. ومثلما فعلت في الماضي، ينبغي أن تتبنى الولايات المتحدة نهجًا براجماتيًّا – هذا يعني أنه يتعين على الولايات المتحدة وضع انحيازاتها الأيديولوجية جانبًا والتعاون مع الدول غير الديمقراطية في آسيا التي لديها مصلحة في تحقيق التوازن مع الصين، مثل فيتنام، وتايلاند، وسنغافورة، والفلبين، وحتى روسيا.

سيكون من غير الحكمة أن تقيّد الولايات المتحدة نفسها بالتعاون فقط مع الدول التي تشاركنا القيم ونظام الحكم. ولكي نكون واضحين، تظل الديمقراطية الليبرالية أعظم أشكال الحكم التي ابتكرتها البشرية. غير أن العقود الثلاثة الأخيرة أثبتت أن محاولة نشر هذا المثال في الخارج بالقوة تأتي بنتائج عكسية ومُقدّر لها الفشل. بدلًا من هذا، ينبغي أن تكون الولايات المتحدة قدوة في الداخل مع الحفاظ على سلامة الأمريكيين عن طريق السعي بحذر وراء مصالحها الاستراتيجية بالخارج، بصورة مستقلة عن الأيديولوجية.

لخّص رجل الدولة البريطاني اللورد بالمرستون بإيجاز لماذا كانت السياسة الخارجية للإمبراطورية البريطانية فعّالة جدًا في القرن التاسع عشر: “ليس لدينا حلفاء أبديون، ولا لدينا أعداء دائمون. إن مصالحنا أبدية ودائمة، ومن واجبنا السعي وراء تلك المصالح”. تجاهل صنّاع السياسة الأمريكيون هذه الحكمة تمامًا على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، ولا يبدو أن بايدن لديه أي خطط لتبني وجهة النظر هذه. سيُخدم الشعب الأمريكي بطريقة أفضل بواسطة سياسة خارجية تركز على المصالح الأمريكية الجوهرية، و”قمة الديمقراطية” عبر منصة (زووم) لن تفعل الكثير لتغيير ذلك!

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا