هآرتس | هذا كذب وتدليس عزيزي ليفي!

مترجمو رؤية

رؤية

ترجمة – محمد فوزي

أنا أعترف أنني لم أندهش من الروح التي ظهرت في أقوال جدعون ليفي خلال مقاله الذي وصف شعوره تجاه بنيامين نتنياهو عقب مشاركة الأول في حفل ميلاد زوجة الثاني سارة نتنياهو، فكل إنسان وما يروق له، لا تستطيع شخصية عامة وإعلامية كبيرة لها قدرها مثل ليفي (الحائز على جائزة سوكولوف للصحافة الإسرائيلية) أن تستهين بقدرات نتنياهو وقوة إقناعه.

لكن يجب أن أعلق على مقولة واحدة لجدعون التي تعتبر سياسية من الأساس ولا يمكن أن تمر مرور الكرام، لقد كتب أنه فيما يتعلق بالاحتلال؛ ليس هناك فارق بين نتنياهو وجميع رؤساء الحكومة الذين تولوا المنصب قبله وبعده، وأكد ليفي نفس الرأي خلال مقابلته مع نيرجونتاز.

يقول ليفي إن احتلال الأراضي الفلسطينية (في الضفة الغربية والقدس الشرقية) هي القضية الرئيسية التي ستحدد مصير إسرائيل، وصرح بأن تعامل نتنياهو مع الاحتلال لا يختلف إطلاقا عن تعامل شيمون بيريز وإسحاق رابين أبطال السلام، وطبقًا لرأيه، ليس هناك أي فارق بينهم لأن جميعهم يؤمنون باستمرار الاستيطان، ولم يرغب أي منهم في إنهاء جذري للاحتلال.

من الناحية الواقعية، هذا ليس صحيحًا! الأمر لم يعد يتعلق بتقدير شخصي من ليفي لنتنياهو، وإنما تلفيق وتشويه تاريخي، الكثيرون ومنهم أنا وجهنا نقدًا لسياسة بيريز ورابين، لكن مساواة طريقة نتنياهو فيما يتعلق بالفلسطينيين وأراضيهم مع مواقف بيريز ورابين، هذا ببساطة كذب، لا يوجد كلمة أكثر تأدبًا من تلك.

قبل أن يتم تثبيت رأي ليفي في وعي القراء، يجب تذكير من نسي، بيريز ورابين قادا مفاوضات مع الفلسطينيين من أجل إنهاء سيطرة إسرائيل على أراضي الضفة، ولو نجحت تلك المفاوضات لأدى ذلك لقيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، كلاهما حاول بطريقته تحقيق هذه الأهداف عن طريق المفاوضات، إلا أن نتنياهو لم يهتم مطلقًا بإجراء أي مفاوضات، بل فعل كل ما في وسعه لإفشاله لأن هدفه هو استكمال السيطرة على أرض إسرائيل التاريخية، لذا يمكن انتقاد بيريز ورابين على بعض الأمور؛ مثل طريقة إدارة المفاوضات وبعض المشاكل المعقدة التي أفشلتها، لكن الادعاء بأن من حاول إنهاء الاحتلال وفشل بمن فعل ولا زال يفعل كل شيء لعدم إجراء مباحثات، فهذا عرض واهٍ وكاذب.

رئيس حكومة تم اغتياله بسبب إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين من أجل إنهاء الاحتلال، فرابين لم يتم اغتياله لعدم وجود فارق في مواقفه مقارنةً بمواقف نتنياهو، بيريز ورابين وقّعا أوسلو، نتنياهو ساوى بين أوسلو وبين اتفاق ميونيخ، جدعون ليفي يخفي بأقواله الخلاف الأيديولوجي التقليدي والعميق الذي يهز المجتمع الإسرائيلي لأكثر من خمسين عامًا، والتي تدور حولها جميع المعارك الانتخابية في الكنيست والحكومة منذ عام ١٩٦.

حديثنا هنا ليس عن صفات نتنياهو الشخصية بل سياسته. ولو أن هنا مجالًا لإعطاء مثال، لا شك في اتساع آفاق نتنياهو في جاذبيته وشخصيته الآسرة، كان ديفيد بن غوريون في مرتبة مختلفة عن خليفته ليفي إشكول، وكذلك جميع المسئولين كل منهم له مميزاته وسماته الشخصية المختلفة، إلا أنه ورغم ذلك كان إشكول من اتخذ قرارًا مصيريًّا بإنهاء الحكم العسكري الواقع على المواطنين العرب، ولم يفعلها بنجوريون صاحب السمات الشخصية الأقوى، وكرئيس حكومة ووزير دفاع استطاع إعداد الجيش الإسرائيلي للانتصار في حرب ١٩٦٧.

من يريد أن ينحي شهادته جانبًا فليستدل على القصص في العهد القديم الذي أكد أن موسى كان القائد، لِمَ كان موسى وليس هارون أخيه الذي كان متحدثًا وخطيبًا مفوهًا؟ لكن هارون هو الذي انجر وراء رغبات الشعب بينما كان موسى على ما يبدو مشغولًا بحديثه مع الرب في جبل سيناء من أجل الصياغة النهائية للوصايا العشر!

وكما هو معروف، فإن التعامل مع الصفات الشخصية للزعيم السياسي هي مسألة ذوق وميل نفسي وتفضيل شخصي: ما يجب أن يحدد قيمة السياسي هي السياسات والإجراءات التي يقوم بها على أرض الواقع، حرام أن يحجب عمى الألوان الاختلافات الجوهرية في السياسة والأيديولوجية، وهذا هو ما يدور حوله الجدل السياسي، وليس مجرد التفضيل الشخصي الذي يساهم فقط في تسطيح الخطاب العام، والسؤال هنا ليس مع مَن تفضّل التسكع في جزيرة منعزلة (أو إجراء محادثة على فنجان قهوة).. إنه أمر تافه، السؤال هو من تفضل أن تترك مصيرك – ومصير الشعب والدولة في يده، إنه أمر بدائي يا عزيزي جدعون!

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا