فورين أفيرز | السلام لا يزال ممكنًا في إثيوبيا

آية سيد

ترجمة – آية سيد

بقلم: كريس كونز، سيناتور ديمقراطي، وعضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي

تركض إثيوبيا نحو الكارثة. في الأسبوع الماضي، بينما تقدمت قوات المتمردين المكونة من جبهة تحرير شعب تيجراي وحلفائها باتجاه العاصمة أديس أبابا، سافر رئيس الوزراء آبي أحمد إلى الجبهة وتعهد بقيادة القوات الإثيوبية في المعركة بنفسه. وقال: “لن نستسلم حتى ندفن العدو”. ووصف متحدث باسم جبهة تحرير شعب تيجراي قيادة آبي بأنها “خنق لشعبنا” وتعهّد بمواصلة “التقدم الدؤوب” للمتمردين.

إذا استمر آبي وخصومه في مسارهم الحالي، فإنهم يخاطرون بإثارة ليس فقط إراقة ضخمة للدماء وانهيار اقتصادي؛ بل أيضًا تمزق الدولة الإثيوبية كما نعرفها. إن إثيوبيا معرّضة لخطر أن تصبح يوغوسلافيا هذا العصر: أمة عظيمة وقائد إقليمي يتحطم بشكل عنيف على أسس عرقية، كما أن أصداء حروب يوغوسلافيا الدموية واضحة بالفعل في الاستقطاب، وخطاب الكراهية، والعنف الذي سيطر عليها على مدار العام الماضي. 

وفي الوقت الذي يصل فيه القتال إلى عتبة العاصمة الإثيوبية، لم يفت الأوان للتراجع عن العنف ولجلوس آبي وجبهة تحرير شعب تيجراي على طاولة الحوار لمنع المزيد من التصعيد لحرب حصدت بالفعل الكثير من الأرواح. يتعين على الطرفين اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء الأزمات الإنسانية الأكثر إلحاحًا، وهو ما قد يخلق في المقابل المساحة اللازمة للمفاوضات.

وعود منكوثة

منذ فترة ليست بالبعيدة، كانت إثيوبيا على مسار مختلف تمامًا. في 2019، فاز آبي بجائزة نوبل للسلام لإنهاء الحرب الحدودية الوحشية التي استمرت 20 عامًا مع إريتريا ودفع سلسلة من الإصلاحات الديمقراطية الواسعة. وفي خطاب استلامه للجائزة، وصف آبي فلسفة حكمه بأنها “إضافة” والتي قال إنها تدل على مزيج من الوفاق، والوحدة، والتسامح. وسويًّا مع جهود الإصلاح المبكرة، منحت هذه الرؤية الأمل لملايين الأشخاص في أن إثيوبيا كانت على المسار نحو مستقبل أكثر استقرارًا.

لكن على مدار العام الماضي، تبخر ذلك الأمل. لقد تحدثت مع آبي لأول مرة عن الصراع الآخذ في التطور في تيجراي في نوفمبر 2020. كانت التوترات بين حكومته وجبهة تحرير شعب تيجراي، التي هيمنت على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا حتى 2018، كانت تتصاعد منذ شهور، وبلغت ذروتها بهجوم لجبهة تحرير شعب تيجراي على قواعد عسكرية إثيوبية في شمال البلاد. وردًّا على هذا، كان آبي يحضّر لشن حملة عسكرية كبرى على ميكيلي عاصمة التيجراي. لقد حثته على إعادة التفكير في الأمر وسلوك مسار المفاوضات والتصالح. لكن آبي أكد لي أنه كان فقط ينفّذ عملية لتطبيق القانون للقبض على عصابة من المجرمين؛ قال إن المهمة ستُنجز في غضون أسابيع. لقد حذرته من أن نفس الشيء حدث في الحرب الأهلية الأمريكية التي تحولت إلى الحرب الأكثر فتكًا والأكثر تدميرًا في التاريخ الأمريكي. وعلى الرغم من تحذيراتي – وتحذيرات قادة كُثر من أفريقيا وجميع أنحاء العالم – مضى آبي قدمًا في الحملة العسكرية التي تسببت منذ حينها في نزوح جماعي وانتهاكات لحقوق الإنسان.

في بداية 2021، جعل الرئيس جو بايدن الصراع والحالة الإنسانية الطارئة في تيجراي واحدةً من أولويات السياسة الخارجية لإدارته، حيث استثمر قدرًا كبيرًا من الانتباه والموارد في محاولة تهدئة الأزمة. لقد عمل بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، والمبعوث الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، مع الشركاء الإقليميين والحلفاء الأوروبيين لدفع الأطراف المتناحرة تجاه المفاوضات. أنا أفتخر بكوني جزءًا من الجهود الدبلوماسية للإدارة، والتي تضمنت السفر إلى أديس أبابا لمقابلة آبي وتسليمه باليد خطابًا شخصيًّا من بايدن.

في شهر مارس، أمضيت خمس ساعات مع آبي على مدار يومين في أديس أبابا. لقد أعرب عن فخره الشديد بتاريخ إثيوبيا لكونها الأمة الأفريقية الوحيدة التي لم تستعمرها قوة أجنبية، وأظهر إحساسًا قويًّا بالاستقلال. كان واضحًا لي أنه رأى نفسه إصلاحيًّا عازمًا في الوقت الذي صارع من أجل الموازنة بين القوات السياسية الداخلية المتنافسة والضغوط الخارجية من المجتمع الدولي. لقد حثَثْتُه على اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة الصراع وحل القضايا الإنسانية، والأمنية والمتعلقة بحقوق الإنسان قبل أن تخرج عن السيطرة.

قطع لي آبي عددًا من الوعود، بعضها حافظ عليه في البداية. بعد الاعتراف للمرة الأولى أن القوات الإريترية دخلت الصراع للقتال إلى جانب القوات الإثيوبية، أوفى آبي بوعده بزيارة العاصمة الإريترية أسمرة لمناقشة انسحاب القوات الإريترية مع الرئيس أسياس أفورقي. اعترف آبي علنًا أيضًا بأن كل أطراف الصراع ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان وأعرب عن ضرورة المساءلة. لقد سمح بتحسينات في وصول المساعدات الإنسانية وسمح ببدء تحقيق لجنة حقوق الإنسان المشتركة بين الأمم المتحدة وإثيوبيا. غير أنه في غضون أسابيع قليلة، اختفى بصيص الأمل، حيث عكس آبي مساره ومضى قدمًا في جهد الحرب.

إن النتائج واضحة بقدر ما هي مدمرة. بعد مرور أكثر من عام على الصراع الوحشي والمأساوي، هرب ما يزيد عن 60 ألف شخص من إثيوبيا. لقد زرت بعضهم في شهر أبريل في مخيم أم راكوبة للاجئين في السودان المجاورة. كانت قصصهم عن الترحيل القسري، والاغتصاب، والأشكال الأخرى من العنف العرقي مفجعة. لقد قتلت الحرب الآلاف، ودفعت 400 ألف شخص على الأقل إلى ظروف شبيهة بالمجاعة، وتركت 7 ملايين شخص في حاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة. كل أطراف الصراع ارتكبت أعمالًا وحشية، بحسب المحققين الدوليين.

اختيار السلام

ردت الحكومة الأمريكية على الأزمة في تيجراي بتعليق المساعدات الأمنية إلى حكومة آبي، وفرض عقوبات محددة على أولئك الذين يشعلون الصراع وينتهكون حقوق الإنسان، وإلغاء إمكانية الوصول التجارية التفضيلية التي تمتعت بها إثيوبيا من خلال قانون النمو والفرص في أفريقيا. وبرأي موحد من الحزبين، أدان الكونجرس الأمريكي أفعال الحكومة الإثيوبية، وحلفاءها، وجبهة تحرير شعب تيجراي. لقد طرحت مؤخرًا، إلى جانب السيناتور بوب مينينديز، والسيناتور جيم ريتش، تشريعًا يقضي بعقوبات إلزامية على مرتكبي الصراع ومنتهكي حقوق الإنسان، وإنهاء مبيعات السلاح والمساعدات الأمنية لإثيوبيا، ووضع قيود على الدعم الأمريكي لتمويل إثيوبيا من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي.

لقد أشعل الصراع الغضب والانقسام داخل إثيوبيا وبين المغتربين الإثيوبيين، الذين تمزقهم الروايات المتضاربة عن العرقية والقومية والتاريخ. وما يزيد الأمر سوءًا هو البيئة الرقمية السامة المليئة بالمعلومات المضللة والدعاية وخطابات الكراهية، واللغة التي تدعو إلى الإبادة الجماعية، والتحريض على العنف. هذا الحوار الإلكتروني الخطير كانت له عواقب على الحياة الواقعية، وأدى في بعض الحالات إلى أعمال وحشية. في شهر أغسطس، على سبيل المثال، انتشرت شائعات على فيسبوك بأن شعب القيمانت، وهي أقلية عرقية في إقليم أمهرة، كان يدعم قوات المعارضة. بعدها بوقت قصير، يُزعم أن مؤيدي الحكومة الاتحادية الإثيوبية جرّوا أكثر من اثني عشر شخصًا من شعب القيمانت من منازلهم في بلدة آيكيل وذبحوهم في الشارع.

بعد ثمانية أشهر من لقائي أنا وآبي في أديس أبابا، أدعوه مرة أخرى لاختيار طريق التسوية وصنع السلام الذي سيمنع الصراع من التحول إلى إبادة جماعية. وأدعو أيضًا جبهة تحرير شعب تيجراي والمقاتلين الآخرين لفعل نفس الشيء. لقد تغيرت ديناميكيات ميدان المعركة بشكل كبير منذ أن كنت في إثيوبيا، حيث حققت جبهة تحرير شعب تيجراي وحلفاؤها على ما يبدو مكاسب كبيرة ضد حكومة آبي. بالنسبة إلى القادة في وسط حملة عسكرية، ربما تبدو التسوية ضعفًا، لكن القيادة تتطلب استعدادًا للتسوية، كما أن التعامل بوحشية مع المعارضة لم يكن أبدًا وصفة للنجاح.

مع تحرك المتمردين نحو أديس أبابا، فإن الصراع الطاحن والمجازر والانقسامات العِرقية الدائمة مرجحة الحدوث، غير أنها ليست حتمية. لا تزال هناك فرصة للجانبين لإظهار القيادة الحقيقية عن طريق وقف الأعمال العدائية والجلوس على طاولة المفاوضات سعيًا لإقامة حوار وطني حقيقي لرسم المسار المستقبلي.

يجب أن تقود حكومة آبي المسيرة عبر خلق ظروف يستطيع الجانبان التفاوض تحتها. ولتحقيق تلك الغاية، يتعين أن تتخذ خطوات فورية للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية في تيجراي، ويشمل ذلك رفع الحصار الفعلي والسماح بدخول ما يكفي من الإمدادات الغذائية والطبية إلى المنطقة. ينبغي أيضًا أن تُعيد الكهرباء والاتصالات والأعمال المصرفية والتجارية وغيرها من الخدمات الأساسية إلى المنطقة التي قطعتها أثناء الصراع. هذه الخطوات لن تُنهي انتهاك القانون الإنساني الدولي فحسب؛ بل أيضًا ستستبعد المبرر الأولي لجبهة تحرير شعب تيجراي لتوسيع حملتها خارج تيجراي. وأخيرًا، يجب على حكومة آبي وقف اعتقال واحتجاز مواطني التيجراي بناءً على هويتهم العرقية فقط، والتوقف عن الإشارة إلى جبهة تحرير شعب تيجراي كجماعة إرهابية يجب القضاء عليها. طالما تواصل أديس أبابا القول إنها تسعى للقضاء على جبهة تحرير شعب تيجراي، من الصعب تخيل سيناريو حيث يسحب قادة التيجراي قواتهم. ومن جانبها، يجب على جبهة تحرير شعب تيجراي وقف تقدمها نحو العاصمة، والتخفيف من حدة لغتها العدائية، والتعبير عن الاستعداد للتفاوض. وإذا استمرت الأطراف المتناحرة في إثيوبيا في اختيار العنف، ستصبح المساءلة أكيدة، وقوية، وعالمية، لكن حينها، ستكون إثيوبيا تضررت بصورة يتعذر إصلاحها.

للاطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا