أوراسيا ريفيو | هل سيدفع «أوميكرون» الدول إلى حظر السفر؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

يقتصر سجل التاريخ لاستجابة البشرية للأوبئة والجائحات والأمراض على العزلة والتهميش والإقصاء، وضرورة إبعاد المصاب وعزله عن الأصحاء والأثرياء. وهو ما يؤدي حتمًا إلى التحيز والتمييز. وقد أعطى متغير أوميكرون– التي جرى تقديمه على أنه متغير كورونا كبير محتمل– عشرات الدول أسبابًا لوقف السفر والحركة والرحلات الجوية. وكالعادة، تم تطبيق هذه الإجراءات بشكل غير عادل وينطوي على محسوبية ونفاق.

وقد جاءت جنوب إفريقيا كأول دولة يظهر بها هذا المتحور الجديد، إلى جانب عدد من دول الجنوب الأفريقي الأخرى. ولا عجب أن يشعر أفراد مثل رئيسة الجمعية الطبية لجنوب إفريقيا، الدكتورة “أنجليك كويتزي”، بالقلق إزاء ما كان في الأساس إعادة عرض للاستجابة العالمية الأولية لجائحة كورونا.

في حكم كويتزي، على الرغم من صعوبة اكتشاف أوميكرون، إلا أنه لا يستحق أي ذرة من الخوف، حيث قالت: “بالنظر إلى اعتدال الأعراض التي نراها، لا يوجد حاليًا سبب للذعر؛ لأننا لا نرى مرضى مصابين بأمراض خطيرة.. الشكوى السريرية السائدة هي التعب الشديد لمدة يوم أو يومين، مع صداع وآلام في الجسم”. كما لاحظت حالات من ألم الحلق والسعال الجاف.

وبالمثل، أفاد وزير الصحة في جنوب إفريقيا “جو بهلا” أن: “الأطباء في بلاده لم يشهدوا مرضًا شديدًا، وربما يرجع جزء من ذلك إلى أن غالبية الأشخاص المصابين هم من الشباب”.

لقد سارعت شركات تصنيع اللقاحات مثل (مودرنا) في زرع بذور الذعر المعتدل، مدعية أن لقاحات كورونا الحالية ستكون أقل فاعلية ضد أوميكرون، ووفقًا للرئيس التنفيذي للشركة، “ستيفان بانسل”، فإن عدد طفرات أوميكرون على بروتين السنبلة – جزء الفيروس المشهور بإصابة الخلايا البشرية – وسرعة الانتقال، يشير إلى “انخفاض ملموس” وشيك في الفاعلية.

كان هذا التنبؤ غير المسؤول، في ظل عدم وجود تجارب فعلية ونتائج معملية، مفيدًا للمضاربين، ومن الواضح أن شخصًا ما كان يضارب على انخفاض مؤشر داو جونز الصناعي، الذي انخفض بمقدار 652 نقطة (1.9٪) في 30 نوفمبر. كما انخفض مؤشرا ستاندارد آند بورز 500 وناسداك بنسبة 1.9٪ و1.6٪ على التوالي.

لم تكن منظمة الصحة العالمية أبدًا متحيزة لفكرة حظر السفر في مواجهة المرض. ولكنها تجد نفسها في موقف صعب؛ فإغلاق الحدود يمكن أن يلحق الضرر؛ ولكن عدم التشجيع على الإغلاق قد يؤدي إلى إدانة بأثر رجعي من الحكومات التي تخاف على شعوبها وعدم رغبتها في الإصابة بالمرض؛ للاستفادة من الشعوب في صناديق الاقتراع. الموقف المتخذ تجاه متحور أوميكرون هو أن التسرع من جانب العديد من الدول في عزل دول جنوب إفريقيا كان غير منطقي وغير متناسب.

ففي بيان صادر عن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم غيبريسوس”، أعرب عن القلق المتزايد من أن دولًا مثل بوتسوانا وجنوب إفريقيا “يعاقبها آخرون لقيامها بالشيء الصحيح”. مضيفًا أنه يجب على الدول القومية “اتخاذ تدابير عقلانية ومتناسبة للحد من المخاطر، بما يتماشى مع اللوائح الصحية الدولية”.

وتضمنت الاقتراحات فحوصات المسافرين قبل السفر وبعده، أو استخدام الحجر الصحي للمسافرين الدوليين، لافتًا إلى أنه “لن يمنع حظر السفر الشامل انتشار متحور أوميكرون عالميًّا، كما أنه يضع عبئًا ثقيلًا على الأرواح وسبل العيش”.

كما أوضح المدير العام النقطة المهمة التي مفادها أن متغير دلتا لا يزال شديد الخطورة. ومن خلال الأدوات المتاحة بالفعل لمكافحة هذه الطفرة، فإن استخدامها بفاعلية من شأنه أيضًا “منع انتقال العدوى وإنقاذ الأرواح من متحور أوميكرون.”

هذه هي أيضًا آراء الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، الذي اقترح أيضًا نظام اختبار للمسافرين بدلاً من إغلاق الحدود. قائلًا: “مع وجود فيروس بلا حدود حقًّا، فإن قيود السفر التي تعزل أي دولة أو منطقة ليست غير عادلة وعقابية فقط، بل هي غير فعالة”.

على المستوى التعاوني والتشاركي، كان لحظر السفر على جنوب إفريقيا تأثير ملحوظ، وكما لاحظت “ماريا فان كيرخوف”، رئيسة القسم التقني للاستجابة لفيروس كورونا في منظمة الصحة العالمية، فإن باحثي جنوب إفريقيا، على الرغم من حرصهم على مشاركة البيانات والعينات والمعلومات، يجدون أنفسهم يواجهون عقبات في الحصول على عينات “يتم إرسالها خارج البلاد”.

وكما هو الحال مع الأوبئة الأخرى، فإن التفاوت الجسيم يظلّل ويفرض نفسه ويتجلى في كل مرحلة من مراحل الاستجابة. “إننا نعيش في دوامة من الذعر والإهمال”، كما يعلق “تيدروس” آسفًا! وسواء كان الأمر يتعلق بفرض الحجر الصحي الوطني والإغلاق الدولي والقيود المفروضة على الوصول إلى معدات التشخيص ومعدات الحماية واللقاحات، فإن المال سيجد طريقه إلى القمة، فقط لأنهم كانوا هناك في البداية. أما من لا يملكون ربحًا وافرًا، وليس لديهم من الموارد إلا القليل مع الكثير من الطموح والأمل، سيتم سحقهم، أو على الأقل سيجدون أنفسهم معزولين ومتأخرين.

الحديث عن التعزيزات يعني أن أولئك الذين لم يستوفوا الجرعة التالية من الأمان التنظيمي سيتم منعهم من الدخول للحدود. إنه أيضًا تذكير بأن الدول الأكثر ثراءً وذات الدخل المرتفع ستعطي الأولوية لسكانها، تاركةً وراءها مثل هذه الجهود الجماعية لتحصين العالم، إن القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى تأخير تطعيم الدول الفقيرة وتشجيع الطفرة الهائلة التالية على الصعود إلى المسرح العالمي، وهناك العديد من متغيرات أوميكرون المحتملة الأخرى قادمة في الطريق.

في غضون ذلك، قد تندم دول مثل جنوب إفريقيا على صراحتها في الكشف عن متغير كان من السهل تحديده وتسلسله، فهناك قليل من الأدلة توحي بأن متغير أوميكرون نشأ بالفعل هناك، ولكن مثل هذه التفاصيل لن تقف في طريق الاندفاع غير العقلاني والأحكام المسبقة الرديئة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا