المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية | بايدن يواجه بوتين.. ماذا يقع وراء التعزيز العسكري الروسي؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

إن القوات التي تحشدها روسيا على طول حدودها مع أوكرانيا ستكون أكثر من قادرة على الشروع في غزو شامل. لكن هل هذه هي نية موسكو فعلًا؟ هناك عدة أسباب تشير إلى أن هذه ليست الخطة المباشرة – لكن هذا لا يعني أننا ينبغي أن نتناول المسألة باستخفاف، حيث إن روسيا تظل جادة للغاية بشأن غاياتها السياسية.

هناك استعدادات عسكرية تجري والتي قد تُنذر بغزو بري شامل لأوكرانيا، والذي سيأتي من عدة اتجاهات. هذا سيعني حربًا ضخمة في قلب أوروبا، ما يؤدي إلى أعداد كبيرة من الخسائر وتغييرات كبرى في النظام الدولي. لكن من الصعب رؤية كيف ستستفيد روسيا من هذا سواء في السياق المحلي أو الدولي.

في الداخل، سوف تفرض ضغطًا شديدًا على نظام سياسي منهك تتبدد حياته وشرعيته، وحيث تأخر التغيير كثيرًا. وفي حين أنه صحيح أنه في 2014 منح ضم القرم دفعة للنظام السياسي عندما كان يصارع مع مشاكل مشابهة، من المستبعد أن يتكرر هذا. حظي الاستيلاء على القرم بشعبية لأنه نجح دون إطلاق رصاصة واحدة، ولأنها كانت القرم – لا تحمل أي قطعة أخرى من الأراضي الأجنبية أهمية معنوية مماثلة للشعب الروسي. وعلاوة على هذا، مطلب الروس الرئيسي في هذه اللحظة هو دعم أكبر للرفاه الاجتماعي، وليس فتوحات قوى عظمى. لن تحظى الحرب مع أوكرانيا بشعبية، والكرملين – الذي يُبقي عينيه على الرأي العام عبر إجراء الاستطلاعات وتشكيل مجموعات دراسة – يعلم ذلك.

على الساحة الدولية، الغزو سيخرّب حوار موسكو مع جو بايدن، الذي تثمنه. ستتفاقم تكاليف الحرب بالعقوبات الاقتصادية القاسية التي ستتبعها بصورة حتمية. ومع قلب كل علاقاتها الغربية رأسًا على عقب، سيضع غزو أوكرانيا روسيا تحت رحمة الصين اقتصاديًّا وسياسيًّا، وبشكل عام يقلل مساحتها للمناورة.

هذه الاعتبارات تشير إلى أن الخوف الحالي من الحرب هو في الحقيقة ما أشار إليه الزميل السابق في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مارك جاليوتي بـ”الدبلوماسية الصاخبة”: استخدام الحشد العسكري للضغط على الغرب لكي يناقش شيئًا لا يرغب في تناوله – تحديدًا، النظام الجيوسياسي لأوروبا ومكان أوكرانيا فيه. 

هناك عدة أسباب ربما تكون وراء اختيار موسكو لهذا التوقيت لتقديم طلبها. أولًا، قد يكون الكرملين استنتج أن نفوذه على أوكرانيا يضعف ببطء. بدأ رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، هذا العام التشكك علنًا في قابلية تنفيذ اتفاقيات مينسك، التي سعت إلى حل الصراع في دونباس. لقد بدأ أيضًا إثارة قضية القرم باستمرار. في الوقت نفسه، كانت الدول الغربية تدرب القوات المسلحة الأوكرانية وتمدها بمعدات عسكرية (مختارة). ربما زاد هذا مخاوف موسكو – غير المنطقية – من أن كييف ربما تحاول استعادة دونباس بطرق عسكرية. وحتى لو لم يحدث هذا، فإن قبضة موسكو على شرق أوكرانيا لم تكن تؤدي دورها المطلوب – وهو أن تكون أداة دبلوماسية تؤمن نفوذ روسيا على صنع السياسة الداخلية والخارجية لأوكرانيا.

ثانيًا، ربما يشعر بوتين أن حل قضية أوكرانيا من اختصاصه، ومن الأفضل أن يفعل ذلك عاجلًا وليس آجلًا. قد يخشى أيضًا من تغير الرأي داخل بلاده، نظرًا لغياب اهتمام المواطنين الروس العاديين بالقضية. يُعدّ توسع الناتو بضم أوكرانيا بمثابة لعنة للمخططين العسكريين الروس. لكن، بعيدًا عنهم، لا يشارك كل أعضاء المؤسسة السياسية الروسية هوس بوتين بتلك الدولة، أو رأيه الشغوف بأن الأوكرانيين والروس شعب واحد. أخبر أحد المطلعين على السياسة الروسية المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في شهر أكتوبر، “يرى بوتين أن الجيل القادم ربما يهتم بقدر أقل، لذلك قرر أن يخلق لهم حقائق”.

ثالثًا، وربما من المفارقات، ترى روسيا أنها تمتلك في بايدن شخصًا يمكنها مناقشة هذه المسائل معه. ورفضت موسكو محاولات إيمانويل ماكرون لمناقشة النظام الجيوسياسي لأوروبا، لأنها لم تعتقد أبدًا أن ماكرون أو فرنسا أو الاتحاد الأوروبي قادرون على امتلاك رأي حاسم في هذه المسائل. كان دونالد ترامب أيضًا عاجزًا عن إبرام أية اتفاقيات أو الوفاء بها. بايدن، على النقيض، يمتلك القدرة على التحدث نيابة عن الغرب، وربما تفترض موسكو أنه ربما يسعى لاستيعاب روسيا، في ظل وضع الصين أولوية له.

يواجه الرئيس الأمريكي الآن مهمة لا يُحسد عليها. إنه لا يريد رفع المخاطر حول أوكرانيا، أو جعل القضية تستحوذ على أجندته السياسية. إنه لا يريد منح روسيا ما تريده – لأن أوكرانيا ليست ملك أمريكا لكي تتخلى عنها؛ وهذا هو الحال ليس من الناحية الأخلاقية فقط، بل أيضًا من الناحية العملية. وفي حين أن موسكو ربما لا ترى هذا، تمتلك أوكرانيا القدرة على التصرف بشكل مستقل: ربما لديها نخب سياسية ضعيفة، لكن الدولة تمتلك مجتمعًا قويًّا بارع في الحشد للاعتراض على الاتفاقيات التي لا تعجبه. عندما يتعلق الأمر بالناتو، لا يملك بايدن بالتأكيد أي نية لتوسيع التحالف، لكنه كذلك لا يستطيع وضع حد قانوني لتوسعه، لأن هذا سيحتاج لموافقة كل الحلفاء وإعادة تعريف الوثائق الداخلية للناتو، لكن من غير المرجح أيضًا أن رفض مناقشة المسألة سيجعلها تختفي.

ذكرت قناة روسية مؤثرة على تطبيق تليجرام نهاية الأسبوع الماضي، “الحرب الحقيقية ستبدأ فجأة”. إن الحشد الحالي للقوات ربما يكون “دبلوماسية صاخبة”، لكن المطالب السياسية وراءه جادة، وإذا ظلت دون معالجة، ربما تأتي الحقائق على الأرض قبل الدبلوماسية في المرة القادمة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا