أوراسيا ريفيو | اتجاهات الإرهاب حول العالم.. كيف سيبدو العام 2022؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

مع تواصل معاناة العالم من جائحة كوفيد19 التي تفشت منذ نحو عامين تقريبًا، قليلون هم الذين يعرفون ما يمكن توقعه فيما يخص الشكل الذي ستبدو عليه اتجاهات الإرهاب مع دخولنا العام 2022. مع هذا، هناك اتجاهات من السنوات الماضية من المرجح أن تتواصل فيما يبدو، وربما تشتد حدّة العديد منها. إن التهديد الإرهابي ربما يكون أكثر تنوعًا مقارنةً مع أي فترة ماضية في التاريخ الحديث، إذ بتنا نواجه تهديدًا من متطرفين يمينيين وجهاديين، انضمت إليهم قائمة متزايدة من الدوافع السياسية والاجتماعية-الثقافية، من بينها “رهاب التكنولوجيا” وما يرتبط به من أعمال إرهابية، والفوضويون العنيفون، وكارهو النساء المتطرفون، لا سيما هؤلاء الذين يعتنقون عقيدة “العزوبة غير الطوعية” (Incel).

هناك أيضا عقائد “طاولة السلاطة” (Salad bar)؛ إذ يجمع معتنقوها مزيجًا من العقائد المختلفة، تكون أحيانًا متعارضة تمامًا مع بعضها البعض، وتشهد هذه العقائد صعودًا، وأبرز مثال عليها هو هوس النازيين الجدد المتزايد بالعقيدة الجهادية. وبالرغم من أن التهديدات الإرهابية الأشد خطورة ربما ستظل تأتي من التطرف الجهادي واليميني المتطرف، إلا أنه من المهم التفكير في كيف يمكن للتطورات الأخيرة تشكيل أنماط الأرهاب في العام المقبل.

لقد أجبر متحور فيروس كورونا المكتشف مؤخرًا “أوميكرون” دول العالم على إجراء تطعيمات إجبارية وموجات جديدة من الإغلاق حول العالم، ما أجّج احتجاجات من جانب معارضي اللقاحات ومتطرفين مناهضين للحكومة. في إيطاليا، اتحد معارضو اللقاحات مع يمينيين متطرفين، مُشكّلين مزيجًا متفجرًا يمكن أن تتجلى فصوله في دول عديدة أخرى، ليس فقط في أوروبا ولكن أيضًا في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. حتى الأخبار الجيدة بشأن الجائحة ربما تكون سلاحًا ذا حدين. لو كان بالمقدور إحراز تقدم مهم ضد الفيروس في عام 2022، فإن رفع القيود ربما يوفر للمتطرفين طيفًا من الأهداف الجديدة المحتملة، لا سيما الأهداف الرخوة التي ربما تتجمع فيها الحشود، بما فيها مناسبات رياضية، وحفلات موسيقية، وأسواق المزارعين.

هناك العديد من المناطق الجيوسياسية الملتهبة التي تغذي التوقعات المتعلقة باتجاهات الإرهاب في عام 2022. أصبح الاتفاق النووي مع إيران على حافة الانهيار، ولو واصلت إيران المضي قدمًا في تخصيب اليورانيوم، للحصول على وقود نووي صالح لتصنيع قنبلة نووية في غضون أسابيع، فإن هذا التطور وحده يمكن أن يؤدي لنزاع أوسع نطاقًا، إذْ من غير المرجح أن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي مع اقتراب إيران من تطوير مكوّنات لتصنيع سلاح نووي. إن أي ضربات عسكرية إسرائيلية ضد إيران ربما تثير ردًّا إيرانيًّا عبر شبكتها العالمية من الوكلاء الإرهابيين، مثل حزب الله اللبناني، وهو جماعة هاجمت أهدافًا إسرائيلية في العديد من القارات على مدار السنوات الماضية.

تستمر التوترات بين أوكرانيا وروسيا في التصاعد، إذ نشرت موسكو نحو 175 ألف جندي على الحدود. إن تجدد الصراع بين أوكرانيا وروسيا يمكن أن يؤدي لتدفق كبير لمتطرفين يمينيين نحو المنطقة. في الماضي، تدفق مقاتلون أجانب مدفوعون بعقيدة “تفوّق الجنس الأبيض” وعقيدة النازية الجديدة إلى أوكرانيا، وقاتلوا إلى جانب طرفي الصراع. يمكن للمتطرفين الحصول على خبرات قتالية ثمينة قبل عودتهم لبلدانهم الأصلية أو لبلدان ثالثة، مُزعزعين استقرار الدول عبر تجنيد أعضاء جدد، ومُنشئين شبكات إرهابية، بالإضافة إلى اكتسابهم معرفة حساسة لأساليب حرب العصابات.

يمكن أن تشهد أجزاء من الشرق الأوسط وإفريقيا جولة جديدة من الهجمات الإرهابية من جماعات متمردة تستخدم الإرهاب كأسلوب أساسي لها. في إثيوبيا، نفذت جبهة تحرير شعب تيغراي هجمات إرهابية، أما في تركيا وسوريا، فلا يزال حزب العالم الكردستاني وقوات حماية الشعب الكردية نشطين، تحركهما عقيدة يسارية ودوافع عرقية – قومية. سافر المئات من المقاتلين الأجانب إلى الشرق الأوسط للقتال إلى جانب الكُرد، ومع هذا، يحظى هؤلاء باهتمام إعلامي أقل مقارنة مع نظرائهم الجهاديين.

وبالرغم من أن الحركة الجهادية العالمية باتت تحظى باهتمام أقل وسط المجتمع الدولي مقارنة مع كانت عليه أثناء ذروة نفوذ تنظيم داعش قبل عدة سنوات، إلا أن هذه الحركة الجهادية ستستمر في كونها تمثل تهديدًا خطيرًا. مع هذا، ستزيد المنظمات الجهادية من تحولها إلى اللامركزية على مدار العام المقبل، وهذه نتيجة ثانوية لحملة مكافحة إرهاب ناجحة شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا. لا يزال مقاتلو تنظيم داعش وعائلاتهم محتجزين في معسكرات وسجون في عموم سوريا، ويمثل هؤلاء تحديًا أمنيًّا قائمًا. في مطلع نوفمبر، أحبطت قوات كردية محاولة هروب من السجن قام بها تنظيم داعش في دير الزور.  ساعد هذا الأسلوب داعش في تعزيز صفوفها في فترات مختلفة، وسيصبح ركيزة أساسية في تركيزها العملياتي في العام المقبل. علاوة على هذا، تلقى دعاية تنظيم داعش والجهاديين صدى واسعًا وسط الغربيين؛ ما يجعل خطر الهجمات المستوحاة من الجهاديين في الغرب، والتي ينفذها متطرفون محليون، تحديًا دائمًا للشرطة وأجهزة الاستخبارات.

حوّل تنظيم داعش موارده واهتمامه إلى أتباعه وفروعه في أماكن أخرى، حتى يحافظ على أهميته على الساحة الدولية. في العام المقبل، ستكون “ولاية أفريقيا الوسطى” و”ولاية خراسان” من بين أخطر الجماعات التابعة لتنظيم داعش، وهو ما يشير إلى استمرار الاتجاه الذي ساد عام 2021. في جميع أنحاء منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، اكتسبت جماعات جهادية مرتبطة بتنظيم داعش بشكل متواصل حالة من الزخم. تبنّى فرع “ولاية إفريقيا الوسطى” في الكونغو الديمقراطية مسؤولية هجمات وقعت في أوغندا. في الوقت ذاته، نفّذ فرع تنظيم داعش في موزمبيق هجمات عابرة للحدود في تنزانيا، وعجزت قوات الأمن الإفريقية عن منع تمدّد العنف، وما من مؤشر على قدوم دعم دولي لمقاتلة هذه الجماعات.

في الساحل الإفريقي، كافحت قوات فرنسية لمساعدة جيوش إفريقية على احتواء نمو جماعات تابعة للقاعدة وتنظيم داعش. وقعت هجمات إرهابية في مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا والنيجر وبلدان أخرى في المنطقة. وفي القرن الإفريقي، تزداد حركة الشباب قوة وتحولت إلى تهديد إقليمي، مع احتمال تزايد طموحاتها العالمية، ويشمل هذا تفكيرها في مهاجمة الغرب. إن قدرات الإرهابيين ونواياهم ليست ثابتة، لهذا لا ينبغي للمجتمع الدولي الافتراض بسذاجة أن الجماعات الجهادية الإفريقية ستظل تركز اهتمامها على قضايا ضيقة الأفق.

سهّل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من سيطرة طالبان على البلاد، ما أدّى لتصاعد هجمات “ولاية خراسان” التابعة لتنظيم داعش. إن نهج طالبان القاسي في مكافحة التمرد فاقم من الأزمة الأمنية وربما يقود أفغانستان إلى حرب أهلية. لو حدث هذا، سيتدفق مقاتلون أجانب من المنطقة المحيطة للانضمام لجماعات إرهابية مثل “ولاية خراسان” و”القاعدة”؛ ما سيعزز من صفوف الأخيرة التي تعيد كوادرها بناء نفسها تحت المظلة الحامية لحكومة طالبان القائمة بحكم الأمر الواقع وقيادة “شبكة حقاني” الموالية لها. ثمة سؤال مركزي حول ما إذا كانت طالبان ستقنع القاعدة بالتخلي عن طموحاتها العابرة للحدود الوطنية وتجنب شنّ هجمات ضد الغرب، وهو احتمال يستبعده كثيرون. وحتى مع ذلك، يمكن أن تتحول أفغانستان تحت حكم طالبان إلى عش دبابير لإرهابيين ومتمردين من جميع الانتماءات، ما يؤدي لتصاعد في الهجمات الإرهابية في عموم منطقة جنوب آسيا، ويشمل هذا إمكانية وقوع هجمات مزلزلة تجرّ باكستان والهند أكثر إلى الهاوية، ولا تزال كشمير برميل بارود جيوسياسيًّا، كما أن انتصار طالبان في أفغانستان زاد من جرأة طيف من المجموعات الجهادية.

واعتمادًا على تطورات الأحداث في أفغانستان، يبدو من المرجح أن تتبنى بلدان أجنبية نهجًا عمليًّا عبر إنشاء وكلاء والعمل مع أطراف غير تابعة للدولة لتأمين مصالحها. ومن أجل حماية أقلية الهزارة الشيعية من حملة عنف طائفية تشنها “ولاية خراسان”، يمكن أن تختار إيران نشر “لواء فاطميون”، وهو شبكة من مقاتلين تابعين للهزارة الشيعة الأفغان الذين درّبتهم وسلّحتهم طهران للقتال في سوريا. إن الإرهاب برعاية الدولة بصورة أكثر عمومًا يمكن أن يكون اتجاهًا سائدًا يجب مراقبته في العام المقبل، لا سيما المرتزقة والمقاتلون الأجانب. وفي ليبيا وإقليم ناغورنو كارباخ على وجه الخصوص، ربما يشجّع هؤلاء الرعاة دولًا أخرى لتقليد النموذج التركي عبر تدريب ونشر كتائب مقاتلين أجانب لقلب ميزان القوى في حروب أهلية وحركات تمرد.

من ناحية التكتيكات، ينبغي لنا توقع مواصلة الإرهابيين محاولات استخدام تكنولوجيات ناشئة لتعزيز قوة فتك هجماتهم. كادت طائرات مسيّرة محمّلة بمتفجرات أن تغتال رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” في مطلع نوفمبر. يشبه هذا الهجوم محاولة مماثلة وقعت في إبريل 2018 لقتل الزعيم الفنزويلي “نيكولاس مادورو”، باستخدام مسيّرات أيضًا. يمكن أن يشهد العالم في العام 2022 أول عملية اغتيال لرئيس دولة على أيدي إرهابيين يستخدمون طائرات مسيّرة، وذلك بتشجيع من هجمات سابقة، وعبر تمكنهم من الحصول على وإتقان استخدام تقنيات جاهزة خدمة لغايات دنيئة.

وبعد مرور ما يزيد على عقدين من خوضها حربًا عالمية على الإرهاب، تحوِّل الولايات المتحدة وحلفاؤها اهتمامهما ومواردهما لخوض منافسة القوى العظمى، مُخفضين عديد قواتهم من مناطق ساخنة خطيرة، وتاركين لقوى محلية وللدولة المستضيفة مهمة مكافحة الإرهابيين والجماعات المسلحة غير التابعة للدولة.

تدرس واشنطن المضي قدمًا بعيدًا عن الحرب العالمية على الإرهاب، ووضع نهاية لـ “عهد الحادي عشر من سبتمبر”، وذلك مع تحول الاهتمام من أطراف غير تابعة للدولة نحو بلدان وطنية. لكن العدو دائمًا يكون له رأي، وسيظل التأثير النفسي للإرهاب مسألة ذات أولوية في المستقبل القريب، بغض النظر عن نوع العقائد التي ستتصاعد أو تنحسر في العام المقبل.      

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا