بوليتيكو| لمواجهة النفوذ الصيني المتعاظم في إفريقيا.. هل تستعين واشنطن بـ «أرض الصومال»؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

بينما تُغدِق الصين على إفريقيا بمليارات الدولارات في صورة مساعدات تنموية واستثمارات بنية تحتية ضخمة، بالإضافة إلى حديث عن إقامة قاعدة عسكرية جديدة، هناك “دولة” صغيرة في شرق إفريقيا تعرض صفقة على الولايات المتحدة تقول إنها قد تتصدى لتوغل الصين في إفريقيا. والكونغرس يُبدي اهتمامًا بهذا الأمر.

في الشهر الماضي، جال وفد دبلوماسي من جمهورية أرض الصومال المستقلة المعلنة من طرف واحد – والتي انفصلت عن الصومال عام 1991لكن ليس لديها علاقات دبلوماسية رسمية مع دول متقدمة رئيسية – في قاعات الكونغرس الأمريكي سعيًا للجلوس مع أي طرف يودّ لقاءهم. قدّم الوفد نفسه إلى وكالات حكومية ومشرّعين أمريكيين باعتباره حليفًا إفريقيًّا محصّنًا من عدم الاستقرار وعلاقات الصين التي تهيمن على العديد من جيران أرض الصومال.

جلب وفد أرض الصومال معه مؤهلات قوية مناهضة للصين إلى تلك الاجتماعات: أغلق هذا “البلد” الباب أمام المساعدات والتعاون مع الصين في يوليو 2020 عندما وقع اتفاق لإقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان. أغضبت تلك الخطوة الحكومة الصينية لأنها تمثّل نصرًا نادرًا في معركة تايوان ضد الخنق الدبلوماسي الذي تمارسه بكين على هذه الجزيرة ذاتية الحكم.

تمتلك أرض الصومال أيضًا إمكانيات جيوستراتيجية: موقعها على خليج عدن وميناؤها عميق المياه “بربرة”، والذي ضخت فيه شركة “موانئ دبي العالمية” 442 مليون دولار لبناء مرفق جديد لاستقبال بضائع وحاويات، سيسمح لأي بلد باستعراض قوته في منطقة الشرق الأوسط وشرق إفريقيا. هذا عنصر جذب مهم بالنظر إلى الشواغل الأمنية للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا بشأن قاعدتها في دولة جيبوتي المجاورة، إذ أنشأت الصين في عام 2017 قاعدة بحرية تبعد بضعة أميال فقط عن هذه القاعدة الأمريكية.

يقول “بشير غوث”، رئيس بعثة في مكتب غير رسمي لأرض الصومال في مدينة الإسكندرية في ولاية فرجينيا: “أتينا للولايات المتحدة لكني نقول لهم إننا لدينا العدو ذاته، واستراتيجيتنا طويلة الأمد هي أننا نرغب في علاقات أوثق مع الديمقراطيات واقتصاديات السوق مثل الولايات المتحدة”، وتابع قائلًا: “نحن نتصدى للصين والنفوذ الصيني في القرن الإفريقي ونستحق مساعدة الحكومة الأمريكية”.

كان لهذه الحملة الترويجية تأثير؛ ففي الأسبوع الماضي زار وفد من موظفي الكونغرس أرض الصومال، وصفه موقع “صومالي لاند كورنيكل” الإخباري بأنه “أرفع وفد أمريكي” منذ أكثر من عقد. ضمّت بعثة تقصّي الحقائق موظفي مكتب السيناتور “جيم ريش” (جمهوري عن ولاية إيداهو) والسيناتور “ليندزي غراهام” (جمهوري عن كارولينا الجنوبية) وعضو مجلس النواب “كريس سميث” (جمهوري عن ولاية نيوجيرسي) وعضو مجلس النواب “كاي غرانغر” (جمهوري عن ولاية تيكساس) وعضو مجلس النواب “مايكل ماكول” (جمهوري عن ولاية تكساس) وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب.

يقول “بييرو توزي” كبير مستشاري عضو مجلس النواب “كريس سميث” للعلاقات الخارجية: إن الموظفين عادوا إلى أمريكا وهم مقتنعون بأهمية أرض الصومال للولايات المتحدة في التصدي لنفوذ الصين الإقليمي.  ويضيف “توزي” أنه “مع تزايد جرأة الصين في الدفع بنموذجها القائم على نصب فخ الديون في إفريقيا، تزداد أهمية أرض الصومال. إذ عملت الصين على إثقال كاهل جيبوتي بالديون ونقلت السيطرة على مطار “عنتيبي” في أوغندا، وهو ما يوفر لها أداة تأثير سياسية في هذه البلدان”. ويتابع “توزي” قائلًا: “آمل أن تبدأ الولايات المتحدة في التعامل مباشرة مع الحكومة في (هرجيسا) بدلًا من المرور عبر مقديشيو، والانضمام لدول مثل المملكة المتحدة وإثيوبيا والإمارات في فتح مكتب تمثيل”.

في واشنطن، روّج وفد أرض الصومال، الذي ضمّ وزير الخارجية “عيسى كايد محمد” والمبعوثة الخاصة “إيدنا أدان إسماعيل” للفكرة ذاتها الداعية لتعاون وعلاقات دبلوماسية أكبر، وذلك أثناء زيارة الوفد مكاتب الكونغرس في نوفمبر. كما أراد الوفد أيضًا أن تزيل الولايات المتحدة أرض الصومال من تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية “المستوى الرابع: لا تسافر” الخاص بالصومال، ذلك البلد الذي يعاني من اضطرابات سياسية وعنف بسبب حركة الشباب المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة. يحذر هذا التصنيف من مخاطر، تشمل “سيارات مفخخة وانتحاريين ومهاجمين منفردين وإطلاق قذائف الهاون” وهي أمور غير شائعة في أرض الصومال.  يقول “كايد”: “نحن بلد آمن وخالٍ من حركة الشباب وإرهابيي القاعدة”.

يقول السيناتور “كريس فان هولين” (ديمقراطي عن ولاية ماريلاند) والعضو أيضًا في اللجنة الفرعية لإفريقيا في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنه يدعم هذا الرأي تمامًا، ليس أقله بفضل إمكانية وصول الولايات المتحدة إلى ميناء “بربرة”. ويضيف السيناتور “هولين” قائلا إن هذا البلد المعزول يوفر للولايات المتحدة حصنًا منيعًا في مواجهة “جهود الصين لاستخدام نهج متسلط للسيطرة على اقتصاديات مختلفة في المنطقة”.

الصين قوة عظمى في إفريقيا

ربما تكون هذه مجرد أحلام، بالنظر إلى مستوى النفوذ الصيني في إفريقيا. منذ عام 2000، عمّقت الصين كثيرًا من انخراطها في القارة عبر “منتدى التعاون بين الصين وإفريقيا”. تسلط بيانات الحكومة الصينية الضوء على “بناء طرق وسكك حديدية بطول ستة آلاف كيلومتر… ونحو عشرين ميناء وثمانين محطة طاقة كبيرة” في عموم القارة. وهذا لا يشمل حتى إجمالي استثمارات الشركات الحكومية والخاصة الصينية في البلدان الإفريقية، والذي بلغ 4.2 مليار دولار في عام 2020 وحده. تعهّد الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” في ديسمبر 2021 بزيادة قيمة الصادرات الإفريقية للصين إلى 300 مليار دولار سنويًّا في غضون ثلاث سنوات، وذلك من مستواها الحالي البالغ نحو 200 مليار دولار.

كما أغدقت مبادرة الرئيس “تشي” المعروفة باسم “الحزام والطريق” مئات مليارات الدولارات في هيئة قروض لمشاريع تنمية بنية تحتية في أربعين بلدًا إفريقيًّا منذ عام 2013. دفعت هذه القروض “مارك غرين” مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID في عام 2019 لاتهام الحكومة الصينية بالقيام بممارسات إقراض مجحفة مدعومة من الدولة، وهو أمر تنكره بكين. كما وسّعت الصين أيضًا علاقاتها العسكرية مع إفريقيا عبر مينائها البحري في جيبوتي، وقاعدة جديدة مخطط لها في غينيا الاستوائية، فضلًا عن زيادة حادة في برامجها التدريبية المقدمة لأفراد تابعين لجيوش إفريقية منذ عام 2006.             

يقول السيناتور “هولين”: “أرى أن الولايات المتحدة ينبغي لها الانخراط أكثر مع أرض الصومال، ونحن ندرس فتح مكتب في أرض الصومال يشمل بعض التمثيل الدبلوماسي… وربما مكتب ارتباط عسكري”. ويضيف: “نهج الصين التجاري البحت مع القارة، واستخدامها لأدوات تأثير اقتصادية مركزية لانتزاع تنازلات من هذه الدول، يوفر فرصة لتوسيع الحضور الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة”.

التقي “غوث” ووفد أرض الصومال أيضًا بممثلين عن وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. في تلك اللقاءات، طرح وفد أرض الصومال فكرة أن هذه الجمهورية المعلنة من طرف واحد، والتي كانت محمية بريطانية ولديها ساحل بطول 530 ميلًا على خليج عدن، والمحشورة بين جيبوتي والصومال وإثيوبيا، ينغي أن تكون أحدث صديق للولايات المتحدة في القارة.

وأضاف “كايد” أن الوفد توصل لاتفاق مع مسؤولي الولايات المتحدة “لتأسيس إطار عمل للتعاون بين الولايات المتحدة وأرض الصومال”. ربما يشمل هذا السماح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بممارسة عمليات إغاثة خارجية إقليمية انطلاقًا من أرض الصومال، بالإضافة إلى “حضور” حكومي أمريكي غير محدد حاليًا في أرض الصومال.

أصدرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع رواية أكثر غموضًا حول هذه اللقاءات. لم يفصح بيان مكتوب صادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن أي خطط محتملة لاستخدام أرض الصومال كحلقة وصل مع إثيوبيا وبلدان إفريقية أخرى مجاورة. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها في لقائها مع “عيسى” “عبّرت عن رغبتها في استكشاف فرص للتعاون مع أرض الصومال في قضايا اهتمام مشترك”، وهو رأي كررته وزارة الدفاع ومتحدث باسم وزارة الخارجية في حديث مع صحيفة “بوليتيكو”.

وقد أشارت جميع الوكالات الأمريكية إلى الإحراج الدبلوماسي الناجم عن توتر علاقات أرض الصومال مع دولة الصومال، والتي لا تزال تعلن سيادتها على هذه الدولة الانفصالية بعد انشقاقها عنها بشكل أحادي قبل ثلاثين عامًا. وعبّرت هذه الوكالات الأمريكية عن دعمها “للوحدة الترابية لجمهورية الصومال الفيدرالية، التي تضمّ أرض الصومال”. ويضيف المتحدث باسم وزارة الخارجية أن هذه الوكالات دعت لإيجاد “حل مقبول من الطرفين فيما يخص مسألة وضع أرض الصومال”. وصرّح مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية لصحيفة “بوليتيكو” أنه في تلك اللقاءات “لم تناقش وكالات الحكومة الأمريكية فكرة وجود على الأرض لقوات أو معدات عسكرية أمريكية” في أرض الصومال.

ويعكس هذا الغموض حساسية الموقف الأمريكي تجاه الشواغل التي تقول إن زيادة الانخراط الدولي مع أرض الصومال قد يلهم أقاليم مضطربة أخرى في عموم القارة -في دول من بينها الكاميرون وغانا وتنزانيا – لمضاعفة جهودها للحصول على الاستقلال. يقول “تيبور ناجي”، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون الإفريقية: “هناك حجة قوية للغاية تدفع باتجاه الاعتراف الدبلوماسي بأرض الصومال، لكن هناك جوانب عملية تمنع الاعتراف الدولي لأن الاتحاد الإفريقي مرعوب للغاية من الترويج لفكرة تمزق بعض من أعضائه الرئيسيين”.  

التقرّب من تايوان   

إن إجابة أرض الصومال لهذا المأزق الدبلوماسي تتمثل في حركة شطرنج جيوسياسية خطيرة: التقرّب من تايوان. في يوليو 2020، توصلت أرض الصومال وتايوان لاتفاق يفتح الباب أمام استثمارات ومساعدات تايوانية، كما سمح للبلدين بفتح مكاتب تمثيل في عاصمتي كل منهما. وتفيد تقارير بأن بكين الغاضبة بشدة، التي تزعم أن تايوان جزءٌ من أراضيها، سعت لحرف الاتفاق عن مسارة عبر تقديمها عروضًا مغرية لحكومة أرض الصومال، تشمل استثمارات في مشاريع لبناء طرق ومطار”. لكن أرض الصومال تمسكت بموقفها تجاه تايوان وعرضها الخاص بضخ استثمارات أقل اعتمادًا على كثافة رأس المال في مجالات “الصيد والزراعة والطاقة والتعدين والصحة العامة والتعليم”.

شكّل هذا انتصارًا لتايوان وجهود أرض الصومال للترويج لنفسها بشكل صريح بوصفها الجهة الوحيدة في إفريقيا المعارضة للاستبداد الصيني. وقال “كايد”: “لدينا قيم وديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان، ونرغب في إدارة حكومتنا بالطريق التي نريدها، لهذا نفضّل تايوان على الصين الديكتاتورية”. إن تحالف أرض الصومال مع تايوان له جانب استراتيجي أيضًا: الاستفادة من تجربة مدتها خمسين عاما لجزيرة تايوان المعزولة في التعامل مع العلاقات الدولية دون التمتع بمقعد في الأمم المتحدة مع وجود عدد قليل – وغالبا غير موثوق فيه – من الحلفاء الدبلوماسيين.

لقد ازدادت أهمية تايوان في الأشهر الأخيرة مع قيام الولايات المتحدة بالردّ على تصاعد الترهيب العسكري الصيني، وذلك عبر تعزيز علاقاتها الثنائية ودعوة ممثلي تايوان إلى “قمة الديمقراطية” التي نظمها الرئيس جوب بايدن في مطلع هذا الشهر. يقول “كايد”: إن “فلسفة العلاقة بين تايوان وأرض الصومال ترتكز على فكرة أننا في القارب ذاته”، وأضاف: “نحن نسعى معًا نحو هدف التحرر من النفوذ الصيني”.

تعتبر تايوان أن وجودها الدبلوماسي في أرض الصومال بمثابة محطة انطلاق لتطوير علاقات أوسع وأعمق مع دولة أخرى في شرق إفريقيا، وتأمل في أن مثل هذه العلاقات يمكن أن تخفف عنها بعض الضغوط الناتجة عن جهود الصين لعزل هذه الجزيرة ذاتية الحكم دبلوماسيًّا. تقلّص عدد حلفاء تايوان حول العالم إلى 14 دولة فقط بعد قطع نيكارغوا علاقاتها مع تايوان لصالح الصين في التاسع من ديسمبر. الحليف الوحيد الآخر لتايوان في إفريقيا هو مملكة “إسواتيني” في جنوب إفريقيا، والتي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون نسمة.

ومن غير المرجح أن تحتضن الولايات المتحدة أرض الصومال وتقدم لها اعترافًا دبلوماسيًّا كاملاً، لكن ونظرًا لاشتداد حدّة المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين في إفريقيا – لا سيما حول الموارد المعدنية التي تولّد طاقة نظيفة في المستقبل – فإن الوقت يقف إلى جانب أرض الصومال.  يقول “ناجي”، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون إفريقيا: “استغرق الأمر بعض الوقت حتى يدرك الناس التهديد الذي تمثله الصين في إفريقيا مع دخولنا في القرن الحادي والعشرين… إن الولايات المتحدة جاءت متأخرة إلى هذه اللعبة”.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا