المجلس الأطلسي | الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدي إلى سقوط بوتين

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جذب انتباه العالم عبر مركزة قوة غازية ضخمة على طول حدود بلاده مع أوكرانيا وإصدار سلسلة من الإنذارات النهائية للقادة الغربيين. في الوقت الحالي، تركز المباحثات على خطط بوتين المحتملة وقدرة المجتمع الدولي على ردعه. هل الحاكم الروسي مستعد فعلًا لإطلاق العنان لحرب كبرى في قلب أوروبا؟

في ظل مناقشة معظم المحللين لخطط الغزو المحتمل والأهداف العسكرية المحتملة، جرى تجاهل رد الفعل المرجح داخل روسيا نفسها إلى حد كبير. كيف سيرد الشعب الروسي على تصعيد كبير في الحرب غير المعلنة الدائرة منذ ثماني سنوات مع أوكرانيا؟ من المرجح أن يلعب هذا دورًا مهمًا في تحديد خطوات بوتين التالية، وهناك سبب جيد للاعتقاد بأن الغزو الشامل لأوكرانيا لن يحظى بشعبية لدى الجماهير الروسية.

أشار بعض المحللين الغربيين إلى الطفرة غير المسبوقة في الشعبية التي حظي بها بوتين عقب الاستيلاء على القرم في 2014 واقترحوا أن الهجوم الجديد قد يكون له نفس التأثير التنشيطي على معدلاته المتراجعة. مع هذا، عندما يتعلق الأمر بتوجهات الروس تجاه المغامرات العسكرية الخارجية، ربما تكون القرم الاستثناء وليس القاعدة.

لطالما كان احتلال بوتين للقرم يحظى بشعبية لدى الروس، الذين يرونها عملية مُنفذة ببراعة وإحقاقًا للعدالة التاريخية. على مدار الثمانية أعوام الماضية، تراوح الدعم الشعبي للاستيلاء على القرم بين 84% و86% وشمل أعضاء كُثُر من المعارضة الليبرالية الروسية. حتى زعيم المعارضة الصوري المسجون أليكسي نافالني اعترف بأنه لن يعيد القرم إلى أوكرانيا إذا جرى انتخابه.

لكن الشيء نفسه ليس صحيحًا بالنسبة إلى توجهات الروس تجاه إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، الذي يخضع معظمه حاليًا لاحتلال الكرملين. وفقًا لاستطلاع في أبريل 2021 أجراه آخر منظم استطلاعات مستقل متبقي في روسيا، مركز ليفادا، 25% من الروس يدعمون دمج “الجمهوريات الشعبية” الخاضعة لسيطرة الكرملين في شرق أوكرانيا في الاتحاد الروسي. في الوقت نفسه، يعتقد 26% أن ما تُسمى بالجمهوريات ينبغي أن تبقى داخل أوكرانيا بحكم ذاتي معزز أو نفس الوضع الذي كانت عليه قبل 2014.

ينبغي أن تدق هذه الأرقام جرس إنذار في الكرملين. من المستبعد أن تشعل محاولات ضم دونباس رسميًّا نوع الحماس القومي المرتبط بالقرم. على العكس، سيتساءل الكثيرون لماذا يدفع الروس ثمنًا باهظًا من ناحية الدماء والأموال مقابل منطقة تحتل مكانة أكثر تواضعًا في الروح الوطنية الروسية من شبه جزيرة القرم التي تحظى بمكانة راسخة.

وبالمثل، الجهود الرامية إلى توسيع احتلال أوكرانيا والاستيلاء على مزيد من الأراضي ستصارع أيضًا من أجل التأثير على الشعب الروسي، لا سيما إذا كان التقدم مصحوبًا بتدفق ثابت من الخسائر الروسية.

إن الغزو الشامل سيكشف الحقيقة المؤلمة وراء الكثير من الروايات الدعائية الروسية الأكثر رواجًا حول أوكرانيا ويشعل قدر كبير من الغضب الشعبي تجاه نظام بوتين. منذ اندلاع الأعمال العدائية في 2014، وصفت موسكو أوكرانيا باستمرار بأنها دولة شقيقة خضعت لسيطرة عناصر متطرفة وقوى أجنبية. جرى ترويج هذه الرواية في الشهور الأخيرة من طرف بوتين نفسه ومساعده السياسي السابق ديمتري ميدفيديف، اللذين كتبا مقالات طويلة توضح لماذا ضلّت أوكرانيا وتحتاج لإنقاذها من نفسها.

بحسب الخرافات المطمئنة التي يروجها الكرملين، يتوق معظم الأوكرانيين إلى الانضمام إلى “العالم الروسي” ويمنعهم من فعل ذلك المتعصبون القوميون والعملاء الغربيون الذين استولوا على السلطة.

في الواقع، طبعًا، هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. تؤيد أغلبية واضحة من الأوكرانيين الاختيار الأوروبي للبلاد وتدعم المزيد من الاندماج الأوربي – الأطلسي. ظهر هذا في صندوق الاقتراع في عدة انتخابات منذ 2014 ويتأكد باستمرار في استطلاعات الرأي التي تشير إلى مستويات ساحقة من الدعم لعضوية الاتحاد الأوروبي والناتو. في الوقت نفسه، شهد السياسيون الأوكرانيون الأقوياء الذين كانوا موالين لروسيا في السابق انخفاض الدعم في السنوات الأخيرة ولم يعد بوسعهم ربح الانتخابات الوطنية.

تبدو المؤسسة الروسية وكأنها لم تتعلم دروس 2014، عندما تعرّضت محاولات موسكو لإشعال ثورات موالية لروسيا في جنوب وشرق أوكرانيا للإحباط على يد مستويات المعارضة المرتفعة بشكل غير متوقع من السكان المحليين للوطنيين الأوكرانيين الناطقين بالروسية. نتيجة لهذا، يبدو الكثير من الأشخاص المقربين للكرملين وأنهم يعتقدون بصدق أن القوات الروسية قد تتوقع ترحيبًا حارًا في مناطق من أوكرانيا.

 أوضح كونستانتين مالوفيڤ، الموالي لبوتين مؤخرًا، الثقة الموضوعة في غير محلها التي يبدو أن الكثيرين في موسكو يشاركونها. لقد علّق قائلًا: “الحرب لن تستمر أسبوعًا واحدًا. سوف تنتهي في غضون أيام. سوف ينتهي المطاف بالنظام الأوكراني في لندن وهم يخبرون الجميع أنهم كانوا سيقودون دباباتهم إلى موسكو إذا لم يتخل عنهم الغرب”.

هذا التفكير واهم! وفي حين أن الخبراء يدركون أن الجيش الروسي سيتفوق بشدة على القوات المسلحة الأوكرانية، يتفق معظمهم أيضًا أن أوكرانيا ستكون قادرة على فرض تكاليف باهظة على أي قوة غازية روسية.

وبعيدًا عن الترحيب بالقوات الروسية، يشير استطلاع حديث إلى أن ملايين الأوكرانيين مستعدون لتقديم المقاومة المسلحة. هذا يتماشى إلى حد كبير مع تجربة 2014، عندما انضم الآلاف إلى كتائب المتطوعين الارتجالية لكي يدعموا جيش البلاد البالي ويكبحوا جماح التقدم الروسي.

إن التقارير الواردة عن الأوكرانيين الذين يشنون حربًا حزبية على المحتلين الروس سيكون لها تأثير عميق على الجماهير المحلية في روسيا الذين نشأوا على تقديس الصراع الحزبي السوفيتي ضد القوات النازية خلال الحرب العالمية الثانية. سيكون من الصعب على الروس التوفيق بين حرب مفتوحة ودموية والخرافة التي لا تزال منتشرة على نطاق واسع بأنهم هم والأوكرانيون “دول شقيقة” أو بكلمات بوتين، “شعب واحد”. ومع ارتفاع حصيلة الوفيات الروسية، قد يتحول الاستياء الشعبي سريعًا إلى معارضة صريحة لنظام بوتين.

بالنسبة إلى الكثير من الروس، صدمة الغزو الشامل ستكون الأكبر لأنهم صدقوا إلى حد كبير نفي الكرملين بخصوص الحرب غير المعلنة التي تشنها موسكو على أوكرانيا منذ 2014.

على مدار الثماني سنوات الماضية، نفت روسيا باستمرار أي تورط في القتال في شرق أوكرانيا، وسعت بدلًا من ذلك إلى تصوير الصراع على أنه شأن داخلي. هذا فشل في إقناع الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وغيرهم، الذين فرضوا عقوبات على روسيا. كان الأوكرانيون غير مقتنعين بالمثل بادعاء روسيا للبراءة، حيث يعتبر أكثر من 70% من الأوكرانيين الصراع المتأجج عملًا عدوانيًّا روسيًّا.

كانت الجماهير الروسية أكثر استعدادًا لقبول نسخة الكرملين الرسمية من الأحداث. برغم سنوات من الدعاية المتواصلة المناهضة لأوكرانيا على تليفزيون الدولة الروسي والأدلة الكثيرة التي تشير إلى تورط موسكو، لا يزال الكثير من الروس يصارعون لقبول أن الدولتين مشتبكتان في أعمال عدائية.

سجلت عالمة الاجتماع الروسية البارزة “أولجا كريشتانوفسكايا” حالة الإنكار السائدة في مقال لها في نوفمبر 2021 يبحث فرص الهجوم الجديد. ذكرت، “لقد سئمنا وتعبنا من كل هذه التوترات السياسية. نحن لا نثق في ساستنا، ونحن بالتأكيد لا نريد حربًا تنشأ من كل الأكاذيب التي يخبرنا بها الجانبان. أنا لا أريد الإيمان بالحرب.. إنها لن تحظى بشعبية لدى الشعب الروسي”.

في ظل العلامات القليلة على الدعم الشعبي للحرب وتشويه معلومات الكرملين المضللة للحالة الحقيقية للعلاقات الروسية – الأوكرانية، ليس من الصعب تخيل كيف سيرسل الغزو الجديد لأوكرانيا موجات صادمة في المجتمع الروسي. هذا سيقوض الاستقرار الداخلي لروسيا وربما يشكّل تهديدًا على مستقبل بوتين السياسي. يعتقد البريطاني مارك جاليوتي، الخبير في الأمن الروسي، أن الكرملين مدرك تمامًا لهذه المخاطر، وحذّر مؤخرًا من أن “الحرب الشرسة في أوكرانيا قد تحطم وحدة وشرعية النظام الروسي”.

من المعروف على نطاق واسع أن بوتين منشغل عاطفيًّا بالقضية الأوكرانية. إنه مهووس بإعادة الدولة إلى دائرة نفوذ الكرملين، ويعتقد أن الفشل في فعل هذا سيحطّم مزاعمه بالعظمة التاريخية. مع هذا، إذا حاول بوتين سحق أوكرانيا بالقوة العسكرية القاهرة، قد ينتهي به الحال بخسارة الدولة للأبد بينما يثير هذا اضطرابًا مناهضًا للحكومة داخل روسيا لديه إمكانية لتهديد بقاء نظامه بالكامل. وبالنسبة إلى رجل عاصر انهيار إمبراطورية، ربما تكون هذه مخاطرة ليس مستعدًا لها.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا