فورين بوليسي| الحصاد المر… 2021 عام الأزمات في ميانمار

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في الأول من فبراير، دبّر جيش ميانمار انقلابًا واعتقل قادة الحكومة المدنيين في ساعات الصباح الباكر. وأدى الاستيلاء على السلطة إلى إيقاف الانتقال الديمقراطي للسلطة الذي طال انتظاره في البلاد، بقيادة “أونغ سان سو كي” الحائزة على جائزة نوبل للسلام. فبعد عشرة أشهر، حُكم على زعيمة الدولة السابقة بالسجن أربع سنوات بتهمة التحريض، وهي أول تهمة من عدة تهم تواجهها من وراء القضبان.

قبل عشر سنوات، كان من السهل رؤية مصير “أونغ سان سو كي” كرمزٍ لبلدها، وقد عانت ميانمار بلا شك عامًا من الخسارة. ولكن الشروخ العميقة في تجربتها مع الديمقراطية بدأت بالظهور قبل وقت طويل من الانقلاب. ففي عام 2017، واجه الجيش اتهامات بارتكاب إبادة جماعية بسبب هجماته على أقلية الروهينجا المسلمة، وبعد انتخابات نوفمبر 2020، زعم مسؤولون عسكريون أن هناك تزويرًا انتخابيًّا واسع النطاق، والذي أدى إلى فوز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة “أونغ سان سو كي” بأغلبية ساحقة.

واليوم، يبدو المستقبل السياسي لميانمار قاتمًا، وبالتأكيد ليس مثل ما تصوره العديد من المراقبين قبل عشر سنوات عندما التقت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك “هيلاري كلينتون” مع “أونغ سان سو كي” في العاصمة يانغون. فقد استعاد الجيش الآن، بقيادة الجنرال “مين أونج هلاينج”، موقع القوة الذي احتفظ به لعشرات السنين، فيما تراهن الجهات الخارجية، بما في ذلك الصين، على تعزيز سيطرته. وشنَّ حملة شديدة العنف على الحركة الاحتجاجية المناهضة للانقلاب. وهذا الشهر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات تتعلق بحقوق الإنسان على الأشخاص والكيانات المرتبطة بالنظام العسكري هناك..

وفيما يلي خمسة مقالات نشرتها مجلة “فورين بوليسي” سنة 2021 تلقي الضوء على عام الأزمة في ميانمار:

1- من فقد ميانمار؟

في مقال نُشر في اليوم التالي للانقلاب، 2 فبراير، ألقى الصحفي “مايكل هيرش” نظرة قاتمة على استراتيجية الولايات المتحدة في ميانمار على مدار العشر سنوات الماضية، وفيه يحدّد هيرش التحدي الصعب الذي يمثله الانقلاب على إدارة بايدن، والذي يشمل مسؤولين شاركوا بشكل مباشر في سياسة ميانمار خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”.

ففي ذلك الوقت، راهنت الولايات المتحدة على السلطة السياسية لأونغ سان سو كي، حيث كان حزبها يتجه للفوز في الانتخابات الديمقراطية لعام 2015. بعد ذلك بعام، تعهد أوباما بتخفيف العقوبات على ميانمار، وعلى الرغم من أن طريقها إلى الديمقراطية لا يزال يواجه عقبات كبيرة: فقد ظل ربع مقاعدها البرلمانية محجوزًا للجيش. وفي عام 2017، نفذ الجيش حملته العنيفة ضد أقلية الروهينجا، فيما وقفت “أونغ سان سو كي” مكتوفة الأيدي.

ويرى هيرش أنه من غير المرجح أن تنجح قواعد لعب أوباما اليوم، في ظل ظهور أونغ سان سو كي وهي في حالة يرثى لها، تشجّع المستبدين في جميع أنحاء العالم. حيث كتب: “الانقلاب الذي يبدو أنه أعاد ميانمار ثلاثة عقود إلى الوراء، هو درس قاتم آخر للقرن الحادي والعشرين في صعوبات الديمقراطية واستمرار قوة الاستبداد، وعدم قدرة الدبلوماسية على بناء جسر بين الاثنين”.

2 – متظاهرو ميانمار يتأقلمون تحت الحصار

وفي 10 مارس، وفي رسالة من يانغون بعد شهر من تولي الجيش السلطة، تحدث الصحفي “أندرو ناشمسون” عن تحول في الحركة المناهضة للانقلاب في ميانمار، حيث تجمع المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية في يانغون بشكل جماعي، حين أضرب العديد من موظفي الخدمة المدنية. ولكن بحلول شهر مارس، بدأ المجلس العسكري في قمع النشطاء بالقوة المميتة.

وكتب: “في الأسابيع الأولى، انضم المتظاهرون من جميع الأعمار بأزياء برّاقة ولافتات غير محترمة تنتقد الجنرال الكبير مين أونج هلاينج… والآن، يحمل المتظاهرون، ومعظمهم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، دروعًا معدنية وخوذات وأقنعة واقية من الغاز وسترة واقية من الرصاص في بعض الأحيان”.

ويصف ناشمسون كيف أن المتظاهرين، بدلًا من الانسحاب من الشوارع، ردُّوا على العنف من خلال تغيير تكتيكاتهم لإبطاء حركة قوات الأمن بشكل خلاق في جميع أنحاء المدينة، متجنبين بذلك الاعتقال، ولفت إلى أن نهج النشطاء اختلف بشكل كبير عن النهج المتّبع في الأيام التي أعقبت الانقلاب مباشرة، وكذلك مع نهج الأجيال السابقة من المحتجين.

وبعد أشهر، لم تتلاش حركة الاحتجاج، حتى مع استمرار العنف العسكري تجاه النشطاء. ويبدو أن توقعه لاستمرار “حرب الاستنزاف الممتدة” التي شنّها المجلس العسكري ضد مواطنيه قد تحقق.

3 – الاحتجاجات توحِّد الجماعات العرْقية في ميانمار ضد العدو المشترك

مع تطور الحركة المناهضة للانقلاب في ميانمار، أصبح من الواضح أن أهدافها السياسية ستختلف أيضًا عن أهداف الأجيال السابقة. ففي 29 مارس، أكد الصحفيان “إميلي فيشبين” و”كياو هسان هلينج” في مقال لهما، أن الصدمة المشتركة من حملة القمع التي شنها الجيش على المتظاهرين حولت آراء عرقية “بامار”، ذات الأغلبية، تجاه الأقليات التي اضطهدها الجيش منذ فترة طويلة، وحتى الحكومة التي يقودها المدنيون.

وبعد أشهر، استمرت المعركة في المناطق الحدودية، لكن بعض المنظمات العرقية المسلحة – الجماعات التي تقاتل الجيش منذ سنوات – دعمت أيضًا الحركة الأوسع المناهضة للانقلاب، بما في ذلك تقديم التدريب العسكري للمدنيين. وفي غضون ذلك، جمعت حكومة الوحدة الوطنية هيكلًا قياديًّا أكثر تنوعًا من حكومة “أونغ سان سو كي”، وشددت على حقوق الأقليات، واقترحت دستورًا فيدراليًّا.

ويوضح الكاتبان كيف شكلت الحركة المناهضة للانقلاب رؤية جديدة للديمقراطية في ميانمار. وكتبا: “إذا نجح شعب ميانمار في استعادة الديمقراطية، فسيكون ذلك بإحساس أكبر أن الجميع يستحق نصيبًا فيها”.

4 – لن تنقذ الآسيان ميانمار

وفي 23 أبريل، عشية اجتماع رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، أعرب بعض المراقبين عن أملهم في أن تلعب الرابطة دورًا أكثر أهمية في معالجة أزمة ميانمار، بيد أن باحث العلوم السياسية “أورين ساميت” أكد أن مثل هذا الأمل في غير محله، حيث كتب يقول: “ربما يكون لدى دول الآسيان مصلحة قوية في تجنب الفوضى الكاملة، ولكن هذا لا يعني أنها في وضع جيد لاتخاذ إجراءات حاسمة”.

وأضاف: “لم تصمم الآسيان لحل المشاكل، لا سيما تلك الأزمات الشائكة مثل الاضطرابات في ميانمار… ليس من الواضح حتى أن جميع قادة الآسيان يدركون مدى الانقسام السياسي العميق الذي أحدثه الانقلاب”.

وأوضح ساميت كيف أن هيكل صنع القرار القائم على الإجماع في الآسيان يمثل عقبة كبيرة أمام التأثير على التغيير الإيجابي. وإضافة إلى ذلك، بدا أن الكتلة تعترف بمسؤولي المجلس العسكري بدلاً من ممثلي حكومة الوحدة الوطنية في وقت مبكر، وهو في حد ذاته شكل من أشكال التدخل.

وبينما يستعد رئيس الوزراء الكمبودي “هون سين” – أطول ديكتاتور في آسيا – لتولي رئاسة رابطة الآسيان في عام 2022، فإنه يخطط بالفعل لزيارة ميانمار للقاء زعيم الدولة “مين أونج هلاينج” لمناقشة مستقبل علاقات المجلس العسكري مع الرابطة، فيما يؤكد ساميت أن المشاركة لن تكون “بنّاءة”.

وفي غضون ذلك، تجري الصين حساباتها الخاصة تجاه النظام العسكري في ميانمار، فقد كان لدى بكين تقارب اكتسبته بعناية مع حكومة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، ولكنها تعمل الآن على افتراض أن الجيش سيحكم سيطرته الكاملة في النهاية. وفي 17 نوفمبر، أوضح الصحفيان “جون ليو” و”طومسون تشاو” كيف تغير موقف الصين منذ الأول من فبراير، عندما كانت مترددة في الوقوف وراء “مين أونج هلاينج”. والآن، قامت بتطبيع العلاقات بشكل فعال مع المجلس العسكري، وهو تطور يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على اقتصاد ميانمار.

5 – الصين تستعد لجنرالات ميانمار

ويعكس هذا التحول في النهاية رغبة الصين في الاستقرار، لا سيما عندما يتعلق الأمر باستثماراتها. وقال الكاتبان: “مع الحفاظ على خط اتصال مع الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، تسعى بكين الآن إلى التخلص من الأزمة المتفاقمة والمضي قدمًا في مصالحها الخاصة في ميانمار مع المجموعة التي تمتلك السلطة”.

وعلى الرغم من أن الصين يمكن أن تدير ظهرها بسهولة للنظام العسكري، غير أن احتضانها البطيء للمجلس العسكري هو خير دليلٍ على مدى سرعة تغير الوضع في ميانمار هذا العام، بالإضافة إلى التحدي الملحوظ الذي ينتظر الحركة المؤيدة للديمقراطية.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا