ذا ناشيونال نيوز| الأحزاب العراقية تستعد لمفاوضات طويلة وصعبة لتشكيل الحكومة المقبلة

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات البرلمانية في العراق، باتت النتائج الأن مؤكدة. إذ صادقت أعلى محكمة في العراق، المحكمة الاتحادية العليا، على نتائج الانتخابات بعد نظرها في اعتراضات قدمها تحالف مدعوم إيرانيًا من أحزاب إسلامية ارتأت أن نفوذها يتراجع في العراق.  بعد وقت قصير من إعلان قرار المحكمة يوم الإثنين، أعلن المعترضون قبولهم على مضض بالنتائج. تدخل الأحزاب السياسية الآن مرحلة جديدة من المفاوضات حول تشكيلة الحكومة المقبلة في البلاد.

مع بلوغ مفاوضات تشكيل الحكومة أوجها، يُنهي العراق عامًا صعبًا آخر مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن الاتجاه الذي تسلكه البلاد. نظريًا، ينبغي أن يشكل رجل الدين الشيعي “مقتدى الصدر”، الذي تمتلك كتلته الصدرية 73 مقعدًا في البرلمان، الحكومة المقبلة نظرًا لكونه هو الفائز في الانتخابات. لكن من دون غالبية ونظرا للتحالفات المتغيرة، من غير الواضح ما إذا كان الصدر بإمكانه تشكيل غالبية في البرلمان لتسمية رئيس الوزراء المقبل، الذي سيتم تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة. تعود ثاني أكبر كتلة برلمانية إلى رئيس البرلمان “محمد الحلبوسي”، الذي فاز حزبه “تقدم” ب 37 مقعدًا من أصل 329 في البرلمان العراقي. سيأخذ السيد الحلبوسي وقته لإعلان تحالف مع أقوى كتلة للمشاركة في تشكيل الحكومة.

وبالرغم من أن عددًا من التكتلات الإسلامية المسلحة المدعومة من إيران، مثل تكتل “الفتح” التابع لهادي العامري، خسرت في الانتخابات، إلا أن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يسعى للعودة بشكل قوي إلى الساحة السياسية. بعد حصوله على 33 مقعدًا، يسعى المالكي للعب دور أقوى في الحكومة المقبلة في تحالفات ما بعد الانتخابات. يمثل تكتل المالكي 10 بالمائة من مقاعد البرلمان. رفض الناخبون العراقيون “المالكي” بسبب سياسات الفساد التي اتبعها والتدخل الإيراني. مع هذا، فإن تأجيل إعلان النتائج النهائية أفاد من دون شكّ الخاسرين. في الأسابيع التي تلت الإعلان عن النتائج، غازلت الأحزاب الخاسرة أطرافا أخرى مثل الكتلة الكردية سعيًا لعقد صفقات يمكن عبرها ضمان حصولها على قسم من كعكة الحكومة المقبلة.

أعلن “قيس الخزعلي”، مؤسس وقائد “عصائب أهل الحق”، وهي واحدة من أكثر المليشيات تطرفًا في العراق، أنه سيقبل حُكم المحكمة، لكن في البيان ذاته، قال الخزعلي إنه يعتقد أنه كان هناك تزوير واسع وأنه سيعمل عبر “وسائل سياسية ووسائل أخرى” لتغيير العملية السياسية. يفهم العراقيون معنى هذا التعبير الملطف- فعبارة “وسائل أخرى” تشير إلى خيار استخدام القوة المعروف به قيس الخزعلي. أوردت وكالة رويترز في الأسبوع الماضي أن إيران دفعت المليشيات للقبول بالنتائج. ويلمح تقريرها، بناء على مصادر لم تسمها، إلى أن إيران تلعب مجددًا اللعبة الطويلة في العراق وترغب في التأثير عليه من دون مواجهة مباشرة.

لكن لا ينبغي السماح لهؤلاء المتطرفين بفرض أجندتهم مجددًا على العراق. لقد صوّت الناخبون العراقيون لصالح الداعين لقيادة وطنية-وليست طائفية- ولصالح مكافحة الفساد وإنهاء التدخل الإيراني. هناك عدد من التطورات ناجمة عن الانتخابات: التشرذم السياسي الواضح للتحالفات الإسلامية الشيعية، وظهور كتلة مستقلة قوية، فضلا عن الخسائر التي مُنيت بها أحزاب سياسية متحالفة مع إيران.

إن التحالفات بين التكتلات المختلفة تتغير، ليس بناء على الإيديولوجية ولكن بناء على مصالح سياسية ضيقة. إن التركيز الآن ينصبّ على هوية الشخص الذي سيتولى منصب رئيس الوزراء، وما إذا كان رئيس الوزراء المنتهية ولايته “مصطفى الكاظمي” قادرًا على الاحتفاظ بمنصبه. ما يزال السيد الكاظمي يجسد أفضل فرصة لاستقرار العراق. منذ توليه منصب رئيس الوزراء في مايو 2020، بدأ في معالجة عدد من مشاكل العراق الأكثر توطنًا، من بينها الفساد والضعف الاقتصادي وتغلغل المليشيات في الدولة. مع هذا، لم يحقق الكاظمي بعد نجاحًا في معالجة أيّ من هذه المشاكل بشكل كامل. تكمن قوة السيد الكاظمي في حقيقة أنه غير مُرتهن لحزب سياسي ويُنظر إليه على نطاق واسع بانه شخص وطني، ولا يتأثر بمعتقدات طائفية أو عرقية.

لكن المسلحين يحاولون تصويره على أنه دُمية أمريكية. اتفقت الولايات المتحدة والعراق على ان تاريخ الحادي والثلاثين من ديسمبر 2021 سيشهد نهاية “الدور القتالي” للقوات الأمريكية في البلاد. إن هذا الإعلان سياسي أكثر منه عملي، لأن الولايات المتحدة أنهت دورها القتالي منذ سنوات مضت، وجرى الكشف عن إعلانات مماثلة في الماضي. لكن الكاظمي والرئيس الأمريكي جو بايدن كانا بحاجة للزعم بانهما حققا إنجازًا مهمًا.

في الأسبوع المقبل، في الثالث من يناير، يستعد العراق لإحياء ذكرى مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” وزعيم المليشيات العراقية “أبو مهدي المهندس”. تبعث القيادة الإيرانية وحلفاؤها العراقيون منذ أسابيع بإشارات تفيد أن المواجهة ستكون عنوانا لإحياء الذكرى الثانية لاغتيال الولايات المتحدة لهذين القائدين. بعد خسارتها مقاعد كثيرة في الانتخابات، تحرص المليشيات الموالية لإيران على إظهار أنها ماتزال قادرة على التأثير في الشارع العراقي.

في مطلع العام الجديد، سيدعو الرئيس برهم صالح لانعقاد البرلمان الجديد، والذي يجب أن يُسمّي رئيسه الجديد ويصادق على حكومة جديدة في غضون 90 يومًا. يسعى السيد “صالح” نفسه للحفاظ على منصبه كرئيس. لقد نجح صالح في جمع أطراف مختلفة معًا وكان فعّالاً في تسمية الكاظمي كرئيس وزراء في العام الماضي، وقد ملأ ذلك التعيين حالة فراغ ناتجة عن استقالة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، بعد احتجاجات وطنية اجتاحت البلاد قرب نهاية عام 2019. من غير الواضح ما إذا كان الرئيس “صالح” سيكون قادرًا على لعب الدور ذاته مجددًا.

منذ عام 2003، انتقل العراق من مرحلة انتقالية إلى أخرى، لكن الهدف النهائي لتحقيق الاستقرار والرخاء في البلاد ظل بعيد المنال. بينما يركز السياسيون والمعلقون والمحللون على نتائج الانتخابات وتداعياتها السياسية، إلا أنه هناك أمل ضعيف بأن يتمكن النظام السياسي الحالي في العراق من تحقيق هذا الهدف النهائي. 

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا