الجارديان| لماذا تلتزم فيينا الصمت تجاه اعتقال طهران لمواطن نمساوي من أصول إيرانية؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

قبل ستة أعوام تقريبًا وفي ليلة رأس السنة، ودّع رجل أعمال إيراني في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهو نمساوي من أصول إيرانية، زوجته وأطفاله الثلاثة، وركب على متن رحلة من فيينا إلى طهران عبر إسطنبول. كان من المقرر أن يعود “كامران قادري” بعد خمسة أو ستة أيام لاحقًا، لكن عوضا عن هذا، وفي الثاني من يناير 2016، اعتُقل “كامران” ويقضى الآن ستة أعوام في سجن “إيفين” بطهران.

في أكتوبر 2016، حُكم عليه بالسجن 10 أعوام بتهمة التجسس لحساب بلد أجنبي في محاكمة لم يتمكن فيها هو أو محاميه أن يقولا فيها أكثر من كلمتين. ارتكز الحُكم عليه على اعتراف أدلى به تحت التعذيب، بحسب كلام زوجته “هاريكا”، ولم يم إعطاء عائلته أي حُكم مكتوب.

تقول “هاريكا”: إن “التأثير على أطفالنا هو الشيء الأكثر إيلامًا”، وتضيف: “لا أستطيع تهدئتهم.. كانت بنتاي تبلغان تسعة واثني عشر عامًا. والآن تبلغان خمسة عشر عامًا وثمانية عشر عامًا. وكان ابننا يبلغ عامين والآن يبلغ ثمانية أعوام. هو لا يتذكر والده ويسأل كل يوم “أين والدي؟”. أريته صورًا تجمعه بوالده عندما كان طفلًا، لكنه ظن أن والده ميت. عندما بلغ أربعة أعوام، سألني عما إذا كان والده في السجن”. وتابعت هاريكا بالقول: “الأبناء الأكبر سنًّا كانوا يخشون من أن يجري اعتقالهم أيضًا، ولا يزالون حذرين خشية أن يكون أحد يتعقبهم”.

خسرت “هاريكا” وزنًا حتى أصبحت “هيكلا عظميًّا”، وبالرغم من تناولها حبوبًا إلا أنها تجد صعوبة في النوم أكثر من ساعتين على الأكثر.  في هذه الذكرى المرعبة، تتذكر هاريكا كل جوانب الاختفاء. قبل وقت من زيارته لإيران، لم يكن هناك سبب يدعو للحذر. فالسيد “قادري”، الذي ترك إيران عام 1983 لدراسة الهندسة الكهربائية في فيينا – لم يكن ناشطًا سياسيًّا. لقد أجرى العديد من رحلات العمل في عموم الشرق الأوسط بوصفه مستشارًا لتكنولوجيا المعلومات، وفي عام 2015، بعد التوصل للاتفاق النووي مع إيران، ذهب ضمن وفد أعمال نمساوي رسمي إلى طهران بقيادة الرئيس النمساوي “هانز فيشر”. لقد كانت العلاقات تشهد تحسّنًا آنذاك.

كان “قادري” عادةً يقيم مع والدته المسنة أثناء زياراته إلى إيران. تقول هاريكا: “أنا لا أتصل به عادة في اليوم الأول لأنه يكون لديه العديد من اللقاءات، لهذا أنتظر ليوم. وفي هذ المرة عندما تحدثت إلى والدته، قالت لي: “لا، هو ليس هنا”، وكانت تلك صدمة كبيرة لي”، وتابعت قائلة: “ظننت في البداية أنه ربما أُصيب بنوبة قلبية على متن الطائرة. لم تكن رحلة مباشرة لكن كانت ستمر عبر إسطنبول، لهذا اتصلت بالمطار في إسطنبول وسألت عما إذا كان قد دخل المستشفى؟ لكن المطار ذكر أنه ليس لديه مثل هذه المعلومة. كل ما كنت أعرفه أنه كان على متن الرحلة من فيينا. كان يوم أحد وكانت جميع وكالات السفر مغلقة، لهذا ذهبت إلى المطار وقلت إنه يجب أن أعلم ما إذا كان استقل الرحلة من إسطنبول إلى طهران أم لا. وقالوا لي إنهم لن يفصحوا عن معلومات لطرف ثالث، وكنت أصرخ وأصيح. حينها لم أكن على طبيعتي”.

وواصلت حديثها قائلة: “بعدها ظننت أن سائق سيارة أجرة هاجمه لأخذ أمواله – لقد وردت جميع تلك الأفكار في ذهني، لكني لم أظن مطلقًا أنه اعتُقل من جانب الحكومة. في اليوم التالي، ذهب شقيقه إلى مطار طهران، وأخبروه أنه تم اعتقاله واقتياده من هناك. لم نعلم من الجهة التي اعتقله أو سبب الاعتقال. بعد شهر ونصف من اعتقاله، سمح الحرس الثوري الإيراني له بالتحدث إليّ هاتفيًّا وسمحوا له أن يقول: “أنا على قيد الحياة، اعتني بنفسك وبالأطفال”، وقد سألته ماذا حدث، لكنه كان يبكي وأخبرني أنه غير مسموح له بإخباري”.

وواصلَت: “بعد ثلاثة أشهر، تلقّت والدته مكالمة هاتفية قيل لها فيها إنها تستطيع زيارته. أثّرت الزيارة عليها لدرجة أنها أُدْخِلت المستشفى بعد إصابتها بارتفاع في ضغط الدم. خسر زوجها 16 كيلوغرام وأخبرها أنه وقّع على اعترافين تحت الضغط”.

تتألم السيدة هاريكا كثيرًا لأن زوجها لا يزال في السجن، رغم براءته، ومعزولًا عن عائلته، باستثناء إجراء مكالمة هاتفية، في الوقت الذي استضافت فيه الحكومة النمساوية وفدًا حكوميًّا إيرانيًّا في فيينا لمناقشة مستقبل الاتفاق النووي مع إيران.

ربما ليست مصادفة أن مواطنين فرنسيين وألمان وبريطانيين وأمريكيين مزدوجي الجنسية معتقلون من جانب إيران، وبلدانهم ضمن الأطراف الموقّعة على الاتفاق النووي المتعثر مع إيران، لكن اعتقال “قادري” ومواطن آخر مزدوج الجنسية اسمه “مسعود مصاحب”، وهو أمين الجمعية النمساوية – الإيرانية، هو لغز محيّر.

تقول زوجه قادري: “لقد أدركت أن هذا عمل مربح لإيران، لهذا أنا أسأل السلطات النمساوية “لماذا هو تحديدًا، ماذا يريدون في مقابل كامران؟ ربما لا يتعلق الأمر مباشرة بالحكومة النمساوية، ولكن يتعلق بالاتحاد الأوربي”. على أي حال، اتبعت الحكومة النمساوية نهجًا ليّنًا للغاية تجاه محنته، مُشددة على أن الدبلوماسية الهادئة هي الحل الأفضل.

في خطاب مفتوح للحكومة النمساوية في إبريل، عبّرت العائلتان عن معارضتهما التامة لهذا النهج بالقول “أنتم لا تطلبون علانية الإفراج عنهما، ولا تقرّون علنا بوجود ظلم وتعذيب وعدم قانونية سجنهما. بعد سنوات من الاعتماد على الدبلوماسية الصامتة، نحن نفسّر هذا بأنه إشارة على الاستسلام أو غياب الالتزام أو الإرادة لدراسة استراتيجيات بديلة”.

عند النظر إلى التصريحات العامة لوزارة الخارجية النمساوية، من الصعب معرفة أن هناك اثنين من مواطنيها معتقلان بشكل تعسفي. التقى وزير الخارجية “أليكسندر شالينبيرغ” بالسيدة “هاريكا” مرة واحدة فقط، وقالت إنه كان لطيفًا للغاية، لكن اللقاءات بين عائلتي الرهينتين مع الوزارة هو أمر نادر.

المفارقة الكبرى هنا أن إيران تقود حملة تطلب فيها من الإيرانيين في الخارج بالعودة إلى بلدهم للعمل. لكن عند النظر إلى عائلة “قادري”، فإن عددًا قليلًا من الإيرانيين في المهجر سيسارعون بالعودة إلى طهران.  

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا