ذا هيل | الأزمة الأوكرانية ستنتهي حتمًا بإعادة تقسيم أوروبا

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

منذ ثلاثين عامًا استيقظنا على عالم جديد، حيث أصبحت الحرب الباردة والاتحاد السوفيتي تاريخًا. كان الصراع الأيديولوجي الضخم للقرن العشرين انتهى بانتصار الديمقراطية الليبرالية على الشيوعية الاستبدادية بعد أقل من 50 عامًا على الهزيمة الساحقة للفاشية البغيضة بنفس القدر. وفي حين أن الحروب العرقية المحلية تشكلت في البلقان والقوقاز، جرى إبعاد صراع القوى العظمى عن القارة الأوروبية. وبصفتها القوة العظمى الوحيدة المتبقية، امتلكت الولايات المتحدة الفرصة لإعادة تشكيل النظام الأمني الأوروبي لتعزيز السلام الدائم والازدهار المتزايد.

اليوم، نحن نستقبل العام الجديد على خلفية توتر متصاعد وحرب محتملة في أوروبا. أثار تعزيز روسيا العسكري على طول حدود أوكرانيا والخطاب الخبيث المناهض لأوكرانيا والمناهض للغرب القلق حول غزو روسي وشيك. وفي جهد لردع موسكو، عملت واشنطن على حشد حلفائها وشركائها الأوروبيين وراء مجموعة من العقوبات الجزائية إذا هجمت روسيا. وفي الوقت الذي هددت باستخدام القوة، ضغطت روسيا من أجل إجراء مفاوضات، أولًا مع الولايات المتحدة، والتي ستقنن تقسيمًا جديدًا لأوروبا، وتدفع دائرة نفوذ روسيا باتجاه الغرب في أوروبا، لإلغاء ما تعتبره هجومًا استمر لثلاثين عامًا والذي جلب المؤسسات الأوروبية – الأطلسية المُعادية إلى عتبة بابها.

وافقت الولايات المتحدة على إجراء محادثات هذا الشهر، لكن لا يوجد مسار واضح للتغلب على ما يبدو وأنه اختلافات غير قابلة للتسوية بين واشنطن وموسكو حول أسس الأمن الأوروبي.

هل كان هناك مسار آخر طوال الـ30 عامًا الماضية من شأنه أن يؤدي إلى حاضر أكثر تفاؤلًا؟ هل كان القرار بتطوير الشراكة من أجل السلام – التي أدخلت كل دول المنطقة، ومن ضمنها روسيا، في هيكل بُني حول دول الناتو الأساسية – سيمنح روسيا حصة أكبر في النظام؟ هل كان من الممكن أن توفر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الأساس لهيكل أمني أوروبي حيث تُستثمر فيه روسيا استثمارًا كاملًا؟ هل كانت الوتيرة الأبطأ، وليس تحاشي توسع الناتو، ستوفر فرصة أكبر لتعديل تقييم روسيا للتحالف وتقدم مسارًا موثوقًا بإتجاه العضوية الروسية؟ لن نعلم أبدًا.. فالتاريخ لا يتقبل الحالة الشرطية.   

لكننا على الأرجح نتحدث عن درجة العداوة بين روسيا والولايات المتحدة، وليس عن فرصة ضائعة للشراكة. لقد كانت فقط مسألة وقت أمام الجهد الأمريكي طويل الأمد لتوسيع نطاق الدول الديمقراطية في أوروبا، كركيزة لأمنها، قبل أن يصطدم بجهد روسيا التاريخي لتوسيع محيطها الأمني عميقًا قدر الإمكان في أوروبا من أجل حماية نظامها السياسي البعيد بشكل أساسي عن المعايير الأوروبية الغربية السائدة وينأى بنفسه عن المسار التاريخي للتنمية الأوروبية باتجاه قدر أكبر من الديمقراطية.

بمجرد أن بدأت روسيا التعافي من الأزمة السياسية والاجتماعية الاقتصادية العميقة للعقد الأول ما بعد الاتحاد السوفيتي تحت حكم الرئيس بوتين، كان السؤال الوحيد هو متى وأين ستتخذ موسكو موقفًا ضد ما اعتبرته تعديًا من واشنطن على أمنها. والجدير بالملاحظة أن روسيا أعلنت التحدي الآن فقط، في الوقت الذي يبلغ فيه هامش أمانها في أوروبا أدنى مستوياته منذ تأسيس الإمبراطورية الروسية منذ 300 عامًا ودخولها في نظام ميزان القوى الأوروبي.

في ضوء هذا، أحداث اليوم هي النسخة الأخيرة من المنافسة بين روسيا وأوروبا التي امتدت على مدار القرون الثلاثة الماضية. لقد انجذب الخط الفاصل بين أوروبا ودائرة النفوذ الروسي نحو الغرب والشرق مع مرور الوقت نتيجة للتجارب الدورية للسلاح. تقننت النتائج عبر معاهدات عند نهاية المنافسات العسكرية والتي صيغت في مؤتمر فيينا في 1814-1815، ومؤتمر برلين في 1878، ومعاهدة فرساي في 1919، ومؤتمر يالطا في 1945، واتفاقية هلسينكي في 1975.

إن الشيء المميز في الموقف الحالي هو أن موسكو تُصرُّ على إعادة رسم خريطة أوروبا قبل الاختبار الكبير للسلاح وليس كنتيجة له. إذا شاركت الولايات المتحدة (والغرب ككل)، من المرجح ألا تصبح النتيجة هيكلًا أمنيًّا مستقرًا بخط فاصل واضح، وإنما نتيجة حيث تتحرك المنافسة على أوكرانيا – التي سيُرسم الخط خلالها – إلى مرحلة مختلفة، ترتكز أكثر على التنمية الداخلية للدولة من خلال المشاركة النشطة داخل أوكرانيا، بدلًا من قوة السلاح من الخارج.

سوف تسعى الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون إلى تعزيز دولة أوكرانية موالية للغرب والتي يمكن دمجها بالكامل في المؤسسات الأوروبية -الأطلسية، بينما ستعمل روسيا على منع ذلك التعزيز وجذب أجزاء فردية من أوكرانيا إلى مدارها. التحدي هو تقليل خطر أن تنتهي هذه المنافسة بتجربة السلاح وإنشاء واحدة حيث يأتي الانتصار من التراكم الثابت للتفوق التدريجي على مدار الوقت.

لا ينبغي أن تتجاوز هذه النتيجة قدرات دبلوماسيي اليوم. لكنها ستتطلب أن يجعلوا محط تركيز المفاوضات هو الخطوات البراجماتية لنزع فتيل التوترات وليس المسائل المتعلقة بالمبادئ غير القابلة للتسوية، ولا يوشك أي من الطرفين على الاستسلام، لكنهما مرجحان للاتفاق على إجراءات تلبّي الحد الأدنى من احتياجاتهما الأمنية، مع ترك إمكانية تحقيق أهدافهما النهائية في المستقبل مفتوحة.. لذا فلتبدأ الدبلوماسية.  

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا