فرانس 24 | لماذا تستعد فرنسا لتشغيل كافة محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم؟

مترجمو رؤية

رؤية

أعدّت الحكومة الفرنسية مرسومًا سيسمح لها، بنهاية شهر يناير، تشغيل محطتي طاقة كهربائية تعملان بالفحم بطاقة تجاوز العتبة القصوى التي جرى تحديدها للحد من الانبعاثات الملوثة. وانتهزت وسائل الإعلام الألمانية هذه الفرصة، حيث عنونت صحيفة فرانكفورت العامة منذ يومين بـ: “فرنسا تعيد إطلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم”.

وفي سياق الخلافات بين برلين وباريس حول سياسات الطاقة الخاصة بكل منهما، تحدثت بعض الأصوات الألمانية سلبًا عن الأمر ووصفته بأنه يدل على حالة من التناقض. ففرنسا، التي تروج للفوائد “البيئية” لطاقتها النووية التي تقدسها – والمكروهة في ألمانيا – ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة ضم الفحم الملوث للغاية إلى مصادر طاقتها. وخلال اتصال هاتفي لموقع فرانس 24، بنيكولاس جولدبيرج، كبير مديري الطاقة في شركة الاستشارات كولومبوس كونسلتينج، أكد قائلاً: “هذه ذروة حرب مثالية”.

هوامش مناورة محدودة للغاية

في الواقع، لم تفتح باريس بعد الباب على مصراعيه لقنبلة الفحم. لكن الحكومة تستعد للأمر بمرسوم صاغته وزارة الطاقة الانتقالية. ومن المتوقع أن يرفع هذا النص، المقرر التصويت عليه في نهاية يناير، “الحد الأقصى لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري لمنشآت إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري”.

وبعبارة أخرى، ستشهد محطات الطاقة الفرنسية التي تعمل بالفحم، والمقيدة منذ شهر يناير 2022 بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون تعادل 700 ساعة من التشغيل على مدار العام، تعديل هذه العتبة ورفعها لتصل إلى 1000 ساعة على مدار العام. لكن هذا التعديل سيستمر فقط حتى 28 فبراير 2022.

ويستهدف هذا الإجراء الموقعَين اللذين لا يزالان يعملان بطاقة الفحم التشغيل، وهما: محطة توليد الكهرباء في “بايي دو لا لوار” ومحطة موزيل للطاقة بمنطقة “سان أفولد”. وسيكون هذا الإجراء التشغيلي بمثابة مراسم توديع لهذه المحطة الأخيرة حيث سيتم إغلاقها بشكل دائم في مارس المقبل.

ويؤكد نيكولاس جولدبيرج، خبير الطاقة لدى مجموعة “كولومبس الاستشارية” أن هذا اللجوء إلى محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم شديدة الضرر بالبيئة – والتي تنبعث منها ثاني أكسيد الكربون أكثر من محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء بمقدار 68 ضعفًا، سيحقق “أمانًا في مواجهة مخاطر نقص الكهرباء لأن فرنسا لم تشهد مطلقًا في أي شتاء مضى مثل هذا القدر من هوامش المناورة المحدودة للغاية”. لكن لا شيء يؤشر على أن الطاقة ستنفذ في فرنسا، حيث تشير درجات الحرارة المعتدلة في مطلع العام إلى احتمالية عدم وجود ذروة في الاستهلاك.

أما هذا المرسوم، فقد جرى بحثه في نهاية العام الماضي عندما كان وضع الطاقة أقل تفاؤلًا من الوقت الحالي. ويوضح الخبير في المجموعة الاستشارية قائلا: “لم تكن السلطات مطمئنة حيث كان الجو باردًا للغاية، وكانت واردات الطاقة في أعلى مستوياتها بالرغم من أننا كنا في فترة انخفاض هيكلي لاستهلاك الطاقة في نهاية العام”. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن الطقس سيكون جيدًا في فبراير.

نقص المفاعلات النووية

ومع ذلك، توجد حلول أخرى بخلاف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم حيث تستطيع الحكومة أن تلجأ إلى آلية التخلص من الأحمال التعاقدية والتي تتمثل في مطالبة بعض كبار مستهلكي الكهرباء، مثل مصانع الورق أو محطات معالجة مياه الصرف الصحي، بتأجيل جزء من أعمالهم مقابل تعويضهم. ويمكن للمشغلين أيضًا خفض جهد الشبكة أو بجدولة انقطاع التيار الكهربائي المحلي، غير أن هذا هو بالضبط ما تسعى الحكومة إلى تجنبه.

يقول نيكولاس جولدبيرج: “في العام الماضي، أستطيع القول إن اتخاذ مثل هذه الإجراءات لمرة واحدة كان كافيًا لقضاء الشتاء بسلام دون الحاجة إلى اللجوء إلى طاقة الفحم، لكن هذه المرة لست متأكدًا”. في الواقع، هناك عوامل أخرى تفسّر سبب القلق من الوضع الحالي، أول هذه العوامل هو: نقص الرياح، مما يعني أن توربينات الرياح تولّد كهرباء أقل مما كان متوقعًا.

كما أن زيادة واردات الطاقة ليست حلًا جذابًا أيضًا، ليس فقط لأن فرنسا لم تشتر أكثر من المعتاد في الأسواق الدولية فحسب، بل أيضًا بسبب استمرار الأسعار المرتفعة للغاية. وفوق كل شيء، لا تنتج الطاقة النووية نفس القدر من الكهرباء التي تنتجها عادة، فوفقا لشبكة “بي إف إم” الإخبارية، أُغلق 12 مفاعلًا من أصل 56 مفاعلًا في فرنسا للصيانة حاليًا، مما يعني أن الأسطول النووي لا يتجاوز 78٪ من طاقته الإنتاجية.

وكان لا بد من إغلاق أربعة مفاعلات، على الأقل – اثنان في مجمع شوز واثنان في مجمع سيفوكس – بسبب اكتشاف أعطال في الأنابيب. ووفقًا لجريدة “ليزايكو” الفرنسية، هذا الإغلاق غير المتوقع لهذه المفاعلات حرم فرنسا من أقوى مفاعلاتها، المسؤولة عما يقرب من 10٪ من الطاقة النووية بالبلاد.

وتنضم هذه الحوادث إلى جدول الصيانة لمحطات الطاقة النووية الذي انقلب رأسًا على عقب بسبب الأزمة الصحية. فبعض أعمال الصيانة لم يعد بالإمكان تأجيلها، على الرغم من أنه إذا بدأت درجات الحرارة في الانخفاض مرة أخرى ولم تنجح طاقة الرياح في إنتاج المزيد من الكهرباء، فستحتاج فرنسا إلى بلوغ أقصى قدرات الإنتاج النووي. لن يحدث هذا الأمر فقط إلا لتجنب الاضطرار إلى فتح صنبور الفحم على مصراعيه في وقت تؤكد فيه فرنسا أنها بفضل طاقتها النووية، أصبحت واحدة من أفضل الطلاب الأوروبيين محافظة على البيئة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا