أوراسيا ريفيو| هل هناك معركة في أروقة حكومة كازاخستان؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

ما بدأ كاحتجاجات سلمية في كازاخستان تحولت سريعًا إلى اضطرابات كبيرة بعد العام الجديد مباشرة، ويبدو أن ذلك نتج عنه شيء مختلف تمامًا، فيما يبدو وكأنه معركة للسيطرة على المناصب العليا للسلطة في البلاد.

طغى الصراع على السلطة بين إدارة الرئيس “قاسم زومارت توكاييف” والموالين لأول رئيس للبلاد، “نور سلطان نزارباييف”، على احتجاجات حاشدة في الأيام الأخيرة في عشرات المدن بسبب سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في بلد غني بالنفط والموارد الأخرى.

كان إعلان 8 يناير عن اعتقال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي “كريم ماسيموف” بتهمة الخيانة، أوضح مؤشر على أنه بينما تواصل قوات الأمن عملياتها “لمكافحة الإرهاب” في جميع أنحاء البلاد، فإن هناك معركة تدور رحاها بين أقوى المسؤولين في كازاخستان.

* التحركات والتحركات المضادة

إن ماسيموف، الذي أُعفي من مهامه كرئيس للجنة الأمن القومي في 5 يناير، هو سمكة كبيرة في بحر كازاخستان السياسي، رغم أن وسائل الإعلام لم تذكره كثيرًا في الأشهر الأخيرة.

بيد أن اعتقال الموالي لنزرباييف هو مؤشر رئيسٍ على أن توكاييف يستخدم الإخفاق المزعوم للمخابرات الداخلية وقوات الأمن في ملاحظة “إرهابيين مدربين من الخارج” في البلاد، إذ يزعم توكاييف أنهم كانوا وراء الاضطرابات والاحتجاجات المطالبة بتطهير الحكومة من أنصار نزارباييف.

كان تحرك توكاييف بعد اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية لتنحية نزارباييف من منصبه كرئيس لمجلس الأمن الكازاخستاني في 5 يناير، وكان اعتقاله لماسيموف في وقت لاحق، أولى العلامات على أنه ينظف الحكومة.

كان ماسيموف رجلاً قويًّا للغاية في الحكومة لأكثر من 20 عامًا، حيث خدم فترتين كرئيس للوزراء في ظل حكم نزارباييف الاستبدادي. وقبل ذلك كان وزيرًا للمواصلات والاتصالات، ووزيرًا للاقتصاد وتخطيط الميزانية، ووزير دولة، ورئيس الإدارة الرئاسية في نزارباييف قبل أن يصبح رئيسًا للجنة الأمن القومي في عام 2016.

إن مسيرته المهنية قبل خدمته الحكومية مهمة بنفس القدر لأنه، وبصفته متخصصًا في الشؤون الصينية، مثَّل ماسيموف المصالح التجارية لكازاخستان في بكين وهونج كونج في أوائل التسعينيات، وزُعم أنه لعب دورًا في تحويل الأموال إلى بنوك هونج كونج لصالح نزارباييف، الذي يعدّ من أغنى رجل في كازاخستان.

حقيقة أن ماسيموف رهن الاعتقال وتوجيه الاتهام إليه بارتكاب جرائم خطيرة يبدو أنها تنذر بالسوء لنزارباييف والأثرياء وذوي النفوذ من أفراد الأسرة الأولى، الذين لم يُشاهد أي منهم منذ بدء الاحتجاجات.

وفي الوقت نفسه، غرَّد السكرتير الصحفي للرئيس السابق نزارباييف، “أيدوس أوكباي” في 8 يناير أن “نزارباييف، زعيم الأمة (إلباسي)، في عاصمة كازاخستان، مدينة نور سلطان”.

هذه الصياغة مهمة حيث كانت هناك تقارير غير مؤكدة في 7 يناير بأن نور سلطان لم يعد الاسم الذي كان يستخدمه المسؤولون الكازاخستانيون للعاصمة، مما زاد من الشائعات بأن توكاييف قد أطاح بنزارباييف وإرثه بالكامل.

كان توكاييف هو من غيَّر تسمية العاصمة من أستانا إلى نور سلطان فور تنحي نزارباييف في 19 مارس 2019، وسلم السلطة إلى توكاييف، الموالي له منذ فترة طويلة.

* لا شيء تراه هنا

في محاولة واضحة لتبديد فكرة وجود أي مشاكل بين الزعيمين، قال أوكباي إن “إلباسي يجري سلسلة من الاجتماعات التشاورية وهو على اتصال مباشر” مع توكاييف. وحث وسائل الإعلام على عدم نشر “معلومات كاذبة ومضللة”، والأهم من ذلك أصر على أن نزارباييف تخلى طواعية عن منصبه كرئيس لمجلس الأمن لتوكاييف.

وأضافت تغريدة من أوكباي أن “نزارباييف أجرى عدة محادثات عبر الهاتف مع قادة الحكومات الصديقة لكازاخستان”.

على الرغم من عدم وجود تقارير عن تحدث نزارباييف مع رؤساء الدول المجاورة الصديقة مثل روسيا أو الصين، الذين قالوا علنًا إنهم تحدثوا إلى توكاييف، قال تقرير صدر في 5 يناير إن الزعيم البيلاروسي “أليكساندر لوكاشينكا” تحدث بالفعل مع نزارباييف بشأن الاضطرابات.

وكتب أوكباي أيضًا على تويتر أن “إلباسي (زعيم الأمة) يدعو الجميع إلى الالتفاف حول رئيس كازاخستان للتغلب على التحديات الحالية وضمان سلامة بلدنا”.

التعليقات مثيرة للاهتمام؛ لأنها تشير إلى أن نزارباييف يجب أن يظل معروفًا باسم “زعيم الأمة”، وثانيًا: لأنه على اتصال بتوكيف ويدعم جهوده لقمع المتظاهرين في محاولة لاستعادة السيطرة على البلاد بعد الاضطرابات التي خلفت رسميًّا عشرات القتلى ومئات الجرحى واحتجاز ما يقرب من خمسة آلاف شخص، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات.

ولكن نظرًا لحظر الإنترنت الذي تفرضه الدولة، وتعطيل خدمات الهاتف المحمول داخل كازاخستان، فمن المستحيل التحقق من دقة هذه الأرقام على الرغم من أن التقارير القليلة التي ظهرت من انقطاع الاتصالات تتحدث عن أعداد أكبر من الضحايا.

وطوال الأزمة، لم يظهر نزارباييف أو يسمع عنه، رغم أن هذا ليس بالضرورة مؤشر على وجود شيء غير صحيح مع (زعيم الأمة) أو أن توكاييف قد أسكته.

لكن حقيقة أن يُعتقل مسؤول مخلص مثل ماسيموف، ليست بالتأكيد علامة جيدة لنزارباييف. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن ماسيموف ليس له علاقات بالعشائر القوية في كازاخستان، وبالتالي كان هدفًا سهلاً لتوكاييف.

* البداية

سرعان ما تحول الاحتجاج السلمي على الارتفاع الكبير في أسعار الوقود الذي بدأ في بلدة (جاناوزن) النفطية، مع بداية العام الجديد، إلى احتجاجات على المشاكل الاقتصادية، وعدم وجود فرصة للمشاركة في العملية السياسية، وفشل الحكومة في إيجاد حلول لأي من هذه المشاكل.

وسرعان ما أمر توكاييف بخفض أسعار الوقود، ثم قبل استقالة الحكومة في 4 يناير في محاولة لتهدئة الاحتجاجات التي كانت تتزايد بوتيرة أسرع مما كان يتوقعه أي شخص.

ولكنه في 5 يناير، غير لهجته وقال إن “إرهابيين مدربين في الخارج” كانوا وراء إشعال الاحتجاجات واستخدم توكاييف تلك الذريعة ليأمر بعملية أمنية غطت في النهاية الدولة بأكملها، وطلب المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي تقودها روسيا.

وحتى ذلك الحين، عندما كان ماسيموف لا يزال مسؤولًا عن لجنة الأمن القومي، كانت الشرطة وقوات الأمن سلبية بشكل غير معهود مع تزايد حجم الاحتجاجات وانتشارها في جميع أنحاء البلاد.

ومنذ تعيين توكاييف كرئيس بالوكالة في عام 2019، كانت هناك حقبة جديدة من الاحتجاجات في كازاخستان لم نشهدها منذ أواخر التسعينيات، وأصبحت قوات إنفاذ القانون والأمن بارعة بشكل متزايد في مواجهة احتجاجات الجماهير الساخطة، وسرعان ما اعتقل مئات الأشخاص في بعض الحالات، وعادة ما يتم اعتقال النشطاء والمنظمين قبل المظاهرات المخطط لها.

لم يكن لهذه الاحتجاجات الأخيرة قادة واضحون، إذ اندلعت بشكل عفوي، لكن يبدو من الغريب أنه بينما كان المتظاهرون يسيرون في شوارع المدينة ويتجمعون بأعداد كبيرة في الساحات الرئيسية، انتظرت السلطات نشر القوات لقمع الاضطرابات المتزايدة حتى تم استبعاد ماسيموف من منصبه كرئيس للجنة الأمن القومي.

* “20 ألف إرهابي”

كان هناك بعض المسلحين من بين عدة آلاف من المتظاهرين في مدينة (آلماتي) مساء يوم 5 يناير، واشتبكوا مع قوات الأمن في تبادل لإطلاق النار، حين تم احتلال المباني الحكومية أو حرقها بنما نُهبت العديد من المتاجر.

ليس من الواضح من يقف وراء أعمال العنف، على الرغم من أن المسؤولين الكازاخستانيين سيقدمون بالتأكيد مزاعم أخرى حول من هم وما الذي دفعهم، فقد زعم توكاييف أن هناك 20 ألف إرهابي في آلماتي وحدها، وبحلول 7 يناير، كانت الدولة بأكملها في حالة تأهب بسبب “تهديد إرهابي”.

ثم أعلن أنه سمح لقوات الأمن “بإطلاق النار للقتل دون إعطاء أي تحذير”. من الصعب جدًّا تخيل كيف يمكن لهذا العدد الكبير من “الإرهابيين” التواجد في كازاخستان، دون انتباه الأجهزة الأمنية التي أثبتت فاعليتها في إحباط جهود مجموعات المعارضة الصغيرة النشطة في كازاخستان.

وفي 7 يناير، نشر توكاييف، على حسابه على تويتر، أنه كانت هناك “ست موجات” من هجمات الإرهابيين على آلماتي، وقال مرة أخرى إن هناك 20 ألفًا، “بعضهم يتحدث لغات غير كازاخية”، وكانوا “يضربون ويقتلون رجال الشرطة والجنود الشباب… وينهبون المباني الخاصة والمتاجر، ويقتلون المواطنين العلمانيين، [و] يغتصبون الفتيات”.

تم حذف هذه التغريدات في وقت لاحق.

إحدى النظريات هي أن أولئك الذين كانوا مسلحين ومن المفترض أنهم ينهبون كانوا أعضاء في مجموعات إجرامية منظمة ازدهرت في ظل حكومة نزارباييف، وربما أطلق لها العنان لمواجهة أي محاولة للإطاحة بنزارباييف ودائرته الداخلية في السلطة، وربط هذا الطرح شقيق نزارباييف الشرير “بولات” وابن شقيق نزارباييف، “سامات أبيش”، وهو نائب رئيس لجنة الأمن القومي، بتنظيم الجماعات المسلحة.

* لماذا الان؟

ما كان يمكن أن يثير الخلاف الداخلي بين الحكومة هو أيضًا مسألة تخمين، حيث قال كثيرون إن الاحتجاجات استخدمت للاستيلاء على السلطة.

فمن جانبه، قال “أكيجان كازيج الدين”، الذي كان رئيسًا للوزراء في التسعينيات في عهد نزارباييف قبل أن يذهب إلى المنفى الذاتي، إنه يعتقد أن هناك “مؤامرة” ضد توكاييف تدبرها قوات الأمن، وهو ما قد يفسر سبب طلب توكاييف المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بعد أن فقد الثقة في قواته الأمنية.

وتساءل كازيج الدين عن سبب فشل مسؤولي إنفاذ القانون المحليين في تنفيذ حظر التجول الذي تم فرضه على مستوى البلاد، وتساءل “كيف نُهب [مبنى] لجنة الأمن القومي في آلماتي واستولى أشخاص مجهولون على الأسلحة؟”

سبب آخر للمناورة يمكن أن يأتي من مقطع فيديو لزيارة قام بها توكاييف ونزارباييف إلى موسكو في 27 ديسمبر، حيث يظهر فيه نزارباييف ضعيف للغاية، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن مؤيدي أول رئيس كازاخستاني يعتقدون أنه على وشك الموت، وكان يستخدم الفرصة التي أتاحتها الاضطرابات لمحاولة الإطاحة بتوكاييف.

فيما يفسر البعض قرار روسيا السريع بنشر قوة صغيرة من قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان – وهي المرة الأولى منذ 30 عامًا من وجود منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تنشر فيها مثل هذه القوة – على أنه دليل على دعم الكرملين لتوكاييف.

وحتى أن هناك نظريات تشير إلى أن نزارباييف وتوكاييف يعملان معًا كجزء من خطة لتخليص نفسيهما من مسؤولين آخرين غير محددين.

المعلومات الجديدة التي ستظهر في الأيام المقبلة مع استمرار تطور الأحداث ستعزز أو تدحض بلا شك بعض التحليلات، وقد تظهر المزيد من السيناريوهات للمكائد وراء الكواليس.

لكن في النهاية، من الإنصاف القول إنه حتى مع استمرار بعض الاحتجاجات السلمية، وبينما تبحث قوات الأمن عن “الإرهابيين الأجانب المدربين الذين زعم توكاييف أنهم موجودون في البلاد”، فإن هناك معركة أخرى تدور رحاها داخل أروقة السلطة في نور سلطان من شأنها أن تشكّل مستقبل البلاد في الأشهر وربما السنوات المقبلة.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا