أوراسيا ريفيو | كيف يمكن للهند أن تتولى قيادة معركة تغير المناخ في منطقة الهندي – الهادئ؟

هدى اسماعيل

رؤية

ترجمة – بسام عباس

يجب أن يدرك القادة العسكريون الذين يستعدون لخوض صراع بحري في منطقة المحيطين الهند والهادئ أنهم يخوضون أكثر من نوع من الحروب؛ بصرف النظر عن الحرب التقليدية، فإنهم أيضًا يواجهون تغير المناخ في الوقت نفسه. ويتطلب الانتصار في كلتا الحربين التعاون مع رفقاء غير معتادين يتمتعون بخبرات مختلفة كثيرًا عن خبراتهم. ولن يكون هذا النوع من التنسيق والتعاون متعدد التخصصات تلقائيًّا؛ بل ينبغي أن يُنفّذ بعناية، من بداية التخطيط إلى مرحلة التنفيذ. وهو ما يتطلب نوعًا خاصًا من الدبلوماسية الخارجية وحنكة الدولة المحلية. وسيبحث هذا الموجز في أسباب كون الهند مرشحًا جيدًا بين دول المحيطين الهندي والهادئ للعب مثل هذا الدور القيادي التنسيقي والدبلوماسي.

* تغير المناخ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ

تدور رُحَى المعركة ضد ظاهرة الاحتباس الحراري بالفعل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ فالمنطقة تتعرض بشكل متكرر لتقلبات جوية عنيفة، تسفر عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فبحسب الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر في عام 2021 وحده، تضرر أكثر من 57 مليون شخص من الكوارث المناخية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبالنسبة لأعداد هائلة من الناجين، فقد دُمِّرت سبل معايشهم ومآويهم ومدّخراتهم وإمداداتهم الغذائية وممتلكاتهم الضئيلة في غمضة عين، تمامًا مثل قنبلة أسقطت من السماء في صراع تقليدي؛ لذلك لا نتردّد في وصفها بـ “الحروب”.

ولذلك فأي استعدادات رسمية لمعركة عسكرية بحرية “عبر الأفق” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا يمكن أن تستمر أو تنجح بشكل أصيل دون الانتباه إلى المعركة الدائرة ضد تغير المناخ.. لماذا هذا؟ لأن ثلاث مجموعات من الالتزامات العالمية الدولية سارية المفعول حاليًا، ينبغي احترامها، داخل وخارج منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

فقبل ست سنوات، وفي أواخر سبتمبر 2015، تعهد العالم بتنفيذ 17 هدفًا من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، كان الهدف الـ 14 منها هو “الحياة تحت الماء”، لحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة. لذلك، تعهّدنا بوقف حموضة المحيطات والكف عن خنق البيئة البحرية بالبلاستيك غير القابل للتحلل والتلوث الناجم عن النفط والمواد الكيميائية والضوضاء.

وبعد ستة أسابيع فقط، في 15 ديسمبر 2015، وفي مؤتمر الأطراف COP21 (مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي) المنعقد في باريس، أعلن المجتمع الدولي عن نيته السعي إلى هدنة عالمية في حرب المناخ المستمرة. في محاولة لضمان بقاء الأجيال المقبلة، واتفقنا على حد أدنى لدرجة الحرارة. لقد وعدنا بوقف هجومنا الشديد على الكوكب بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ونبهنا لرأس المال الطبيعي في التزاماتنا بالمساهمات المحددة وطنيًّا.

وفي مؤتمر الأطراف COP26 المنعقد في جلاسكو، نوفمبر 2021، جددنا عهودنا وعمقناها. لقد التزمنا، من بين أمور أخرى، بحماية المناطق البحرية الشاسعة، واتخاذ إجراءات محددة لمنع حموضة المحيطات وارتفاع مستوى سطح البحر، والتخلص التدريجي من التلوث البلاستيكي، وإنقاذ الشعاب المرجانية، ومتابعة تخزين الكربون في الاقتصاد الأزرق من خلال الإدارة الحذرة للنظم البيئية لأشجار المانغروف. كما التزمت الهند أيضًا بهدف صافي انبعاثات صفرية لعام 2070، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون حماية رأس المال الطبيعي بجميع أشكاله.

والمعضلة هي أن التحضير لعمل عسكري محتمل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يشكّل مخاطرة كبيرة للتراجع عن التزاماتنا المناخية الجديدة. فالبارجات الحربية البحرية صاخبة وتعمل بزيت الوقود الثقيل شديد التلويث، فهي شديدة الإضرار بالمحيطات. أما التدريبات العسكرية والذخيرة الحية والتحليق الجوي عند الإقلاع والهبوط على حاملات الطائرات وتدريبات الغواصات وحتى سفن الدوريات غير المسلحة جميعها سيزيد من البصمة الكربونية التي نحاول تخفيف حدتها في المنطقة. ومن ثَمَّ ستكون عواقبها كارثية على الدول الجزرية الصغيرة النامية وجميع أشكال الحياة البحرية. ولذلك تدعونا الإدارة الرشيدة للمحيطات إلى الاعتراف صراحة بهذا التناقض، كما يجب أن نتعهد بمعالجتها بشكل استباقي بالاستعانة بجميع موارد الخبراء والتمويل المطلوبين، بدلاً من كنسها تحت البساط.

وربما تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يجب أن يتم فيها الاستعداد للنزاع بطريقة ذكية مناخيًّا. كما أنه من مصلحة جميع دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ أن تتحمل وطأة الكوارث المناخية العنيفة أو تهديدات الغمر مرارًا وتكرارًا. كما يجب أن تصر على التأكيد بأن الاستعدادات العسكرية لن تسفر عن المزيد من الكوارث. مهما حدث في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لتعزيز مصالح الأمن القومي لكتلة من الدول، لا يمكن السماح لذلك بتعريض أهداف التنمية المستدامة أو التزامات مؤتمر الأطراف للخطر في المعركة ضد الاحتباس الحراري. ومن المرجح جدًّا أن يتجاهل الضباط العسكريون ووزارة الخارجية في جميع الدول الكبرى هذه المسؤوليات الإضافية على الفور وبقوة؛ بل سيزعمون أن كونهم حساسين للمناخ في تخطيطهم القتالي هو أبعد ما يكون عن ضماناتهم، وعلى أي حال غير مسبوق.

وتتطلب هذه اللحظة قيادة قوية واستعدادًا لدى أكثر من دولة لتولي المهمة الشائكة. ويجب أن تقنع هذه الدول غيرها بأنه لا مجال للعمل كالمعتاد، حتى في مسائل الدفاع؛ إذ ينبغي على أي استعدادات عسكرية أن تأخذ في عين الاعتبار كيفية إدارة الضرر البيئي وتقليله، كما ينبغي عليها قياس تأثيرها بشفافية ومشاركة البيانات الناتجة. وإن كان الوضع خلاف ذلك، وهو ما ذكرته كتب التاريخ المستقبلية، تشير منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى تفكك الهدنة مع الطبيعة التي زعمنا أننا نتابعها في معركتنا ضد الاحتباس الحراري، ولذلك يجب منع هذا بأي ثمن.

وعلى عكس جميع الممارسات التاريخية، ففي هذه المرة، يجب توصيف قدسية البيئة البحرية على أنها ذات عواقب عالمية أثناء الاستعدادات لأي حرب بحرية، وأن هناك حاجة إلى استراتيجية مسبقة للتخفيف من حدة المخاطر، ويجب أن يشمل ذلك الاتصال المناسب والتعاون والتنسيق المؤسسي وتعيين وظائف مساءلة محددة. وفي النهاية، هناك حاجة أيضًا إلى جمع الأدلة لتقييم النتائج، والتي يتم مشاركتها مع مجموعة تتمتع بالشفافية والمصداقية، وهو عمل شاق، حيث يمكن أن تكون الهند مرشحًا جيدًا لاغتنام هذه الفرصة لإنشاء حوار هادف وموجه نحو العمل إزاء إدارة المحيطات، ويمكنها أيضًا أن تكون قدوة يحتذى بها. وسوف تحتاج إلى تجميع فريق عمل محلي من “رفقاء غير معتادين” من جميع المجتمعات العلمية والإيكولوجية، وكذلك المخططين العسكريين، إذ يمكنهم المساعدة في تثقيف بعضهم البعض حول التحديات التي يواجهونها، للوصول بشكل مشترك إلى نتيجة أفضل. وبمجرد إنشاء فريق عمل عبر القطاعات المحلية وتشغيلها، يمكن للهند دعوة دول المحيطين الهندي والهادئ الأخرى للانضمام والمشاركة.

* لماذا الهند شريك موثوق لإظهار مثل هذه القيادة؟

أوضح رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” السبب بالضبط قرب بداية خطابه في قمة شرق آسيا في 4 نوفمبر 2020 أن: “الإرهاب والتطرف العنيف والصراع الحاد على الموارد والأراضي، بما في ذلك المجال البحري هي القضايا الرئيسية في عصرنا. وتتعرض القوانين والقواعد الدولية، بما في ذلك تلك التي تحكم المجال البحري مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لضغوط متزايدة. كما أن التحديات العابرة للحدود مثل تغير المناخ والتلوث البحري والاستغلال المفرط وغير المنظم للموارد تجعل كوكبنا غير آمن… وإننا جميعًا نتفق على هذا، ومن المفيد لنا جميعًا أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ مكانًا ينعم بحرية الملاحة والتحليق والتنمية المستدامة وحماية البيئة والبيئة البحرية، وأن تكون بيئة منفتحة وحرة وعادلة ونظام تجارة واستثمار تبادلي مكفول للجميع”.

وبعيدًا عن إشارة رئيس الوزراء المبكرة هذه، تعد الهند أيضًا من بين الجهات الفاعلة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي تلتزم بصافي انبعاثات صفرية؛ لذلك فإن لدى الهند فرصة قيادية لحل هذه المشكلة الصعبة التي ألمح إليها رئيس الوزراء مودي بالفعل.

* هل يمكن للهند أن تفعل ذلك؟

لم يكن للتخلص من الصوامع محليًّا والتنسيق عبر القطاعات تاريخ طويل الأمد في الحكومة الهندية. ومع ذلك، ففي الرحلة إلى صافي الانبعاثات الصفرية، يجب أن تتغير العادات السابقة. وستكون الجهود غير المحدودة في التواصل، وزيادة الوعي، وبناء القدرات، والتعاون، والرصد، وجمع البيانات هي كلمات السر في كل قطاع. لماذا لا تبدأ هنا؟ يجب أن يكون تفويض ودعم مثل هذه الحوارات غير المتوقعة بعض وسائل التخفيف القوية للمخاطر الموضوعة لتجنب أي “نيران صديقة” غير مرغوبة يمكن أن تحبط طموح الهند للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا