تقرير خاص: ماذا تفعل أمريكا لتعويض تخلفها التكنولوجي عن الصين؟

علاء بريك

فشلت الولايات المتحدة في تنسيق جهودها لتحقيق الهيمنة التكنولوجية عالميًّا، فكيف حدث هذا؟ وكيف تتداركه؟


أصدر مشروع “الدراسات التنافسية الخاصة” تقريرًا يرصد التحديات التكنولوجية أمام الولايات المتحدة، في ظل التنافس الاستراتيجي مع الصين على ريادة هذا المجال.

جاء التقرير ثمرة لجهود جهات متعددة، بين مؤسسات قطاع عام وخاص وعمل مدني ومسؤولين حكوميين وباحثين أكاديميين ورجال أعمال في قطاع التكنولوجيا، ويمثل خطوة نحو طرح أجندة وخطة عمل، تساعد الإدارة الأمريكية على تركيز جهودها لمواجهة تحديات العصر.

مشروع الدراسات التنافسية الخاصة

بدأ هذا المشروع إريك شميت، ويترأسه حاليًّا يلي باجراكتاري، ويتألف من عدة أعضاء أكاديميين ومن قطاع التكنولوجيا ومسؤولين حكوميين وجهات خاصة، وقد أتى خلفًا للجنة الأمن الوطني المعنية بالذكاء الاصطناعي، وهو مشروع غير حزبي يرى أن التحديات أمام الولايات المتحدة ليست حزبية في جذورها ولا في حلولها، حسب ما ورد في التقرير.

ويستهدف المشروع تقديم خريطة طريق لتعزيز التنافسية الأمريكية عن طريق تحديد التحديات وتطوير الأجندة والتوصيات المقابلة، ويغطي التكنولوجيا والاقتصاد والمجتمع والسياسة الخارجية والدفاع والمخابرات. والتقرير الحالي ثمرة دراسة امتدت من أكتوبر 2021 إلى أغسطس 2022 ومشاورات مع جهات مجتمعية مختلفة.

أهميته المشروع

تبرز على الدوام وفي كل عصر تحديات جديدة تتطلب دراسة ونظرًا وخبرات مشتركة، لتقييمها وطرح الحلول المناسبة إزاءها ومواجهتها، ولا يشذ عن هذا عصرنا الحالي، بحسب ما يرى التقرير، فاليوم يحتدم التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين على الساحة العالمية، وقد تسبب هذا في اهتزاز الثقة بالنظام الأمريكي ومكانته في العالم.

وتزداد أهمية العمل المشترك من واقع التنافس على المستقبل التكنولوجي الواعد، بما يحمله من تقنيات وفتوحات جديدة قد تحكم على مَن يتخلف عنه بالأفول والتراجع. وإضافةً إلى ما سبق، تبرز التحديات أمام الأنظمة الديمقراطية في العصر الرقمي للوفاء بالحريات والقيم التحررية التي تهددها المراقبة والخصوصية والتجارة بالبيانات الرقمية، وإمكانية تحويل كل هذا إلى سلاح ضد الطرف الآخر.

مؤشرات مقلقة

يحيل التقرير على 3 مجالات تراجعت فيها قدرة أمريكا التنافسية لصالح الصين، في مقدمتها مجال الرقائق الإلكترونية، فقد انخفضت حصة الولايات المتحدة في هذا المجال إلى أدنى مستوياتها تاريخيًّا، وتأتي 98% من حاجة وزارة الدفاع الأمريكية من هذه الرقائق من الصين، وقد استجابت واشنطن متأخرةً بسن قانون الرقائق والعلوم، لكن لا تزال استعادة الريادة في هذا المجال بحاجة إلى مزيد من الخطوات.

أما المجال الثاني، فكان شبكات الجيل الخامس، وهذه سيطرت عليها الصين ولا تملك الولايات المتحدة بعد أي بديلٍ عنها، باستثناء شن حملة دبلوماسية ودعائية للتحذير من مخاطر الاعتماد على الصين، وفرض ضوابط على تصدير الرقائق، لإبطاء تقدم الصين. أما المجال الأخير، فكان الذكاء الاصطناعي، وفيه تفتقر أمريكا إلى استراتيجية محددة تربط الذكاء الاصطناعي بالأمن الوطني، على عكس الصين.

جذور المؤشرات

هذه المؤشرات ليست سوى ظاهر المشكلة، وخلفها يكمن تناقض أعمق. فبدايةً، تمتلك الولايات المتحدة بيئة عمل متقدمة وموارد بشرية مؤهلة، ومناخًا مواتيًا للابتكار، لكنها مع ذلك تفتقر إلى البنية التحتية الأفضل، وتجد صعوبة في تكييف التكنولوجيا الجديدة لأغراض عسكرية، وعجزًا حكوميًّا في دعم جهود القطاع الخاص، وافتراقًا بين التطوير التكنولوجي والأهداف الوطنية.

إلى جانب ذلك، أشار التقرير إلى أن بيئة العمل الأمريكية في التكنولوجيا تطورت أساسًا بمعزل عن محدِّد التنافس الاستراتيجي مع الصين، وكان يقودها الهدف الاقتصادي من دون وجود أولويات وطنية، وبهذا غاب عنها النظام الموحد الذي كان من شأنه أن يجعل الجهود مركزة ومنسقة باتجاه واحد، يحفظ ريادة الولايات المتحدة عالميًا، والأهم أن هذه البيئة لا تواكب متطلبات العصر وتحدياته وأهدافه.

كيف تحول الصين تقدمها التكنولوجي إلى مناطق نفوذ؟

تعمل الصين وفق خطة استراتيجية تحول مكاسبها في القطاع التكنولوجي إلى مناطق نفوذ للإبقاء على حالة التقدم، فتسيطر مثلًا على سلاسل توريد آمنة ومستقرة للمعادن النادرة، وتبني بنية تحتية متطورة للجيل الخامس، وتسعى للريادة في تقنيات المستقبل من قبيل التكنولوجيا الحيوية والـ”بلوك تشاين” والتكنولوجيا المالية.

كذلك تسيطر الصين على عملية وضع المعايير في مجالات تكنولوجية، كالمنصات الرقمية وشبكات الجيل الخامس، وتستغل المعلومات المتاحة من وسائل التواصل وأجهزة المراقبة، وتحول كل هذا إلى مكاسب في المجالات التقليدية الخارجية والعسكرية، فضلًا عن خلق نوع من الاعتماد المتبادل الاستراتيجي عبر مبادرة الحزام والطريق، وطريق الحرير الرقمي.

ماذا على الولايات المتحدة أن تفعل؟

حسب التقرير، لا تزال فرصة الريادة الأمريكية قائمة، خاصة في ظل وجود مزايا تعطيها الأفضلية، فأولًا، زاد الوعي داخل الولايات المتحدة إزاء التنافس على الريادة التكنولوجية عالميًّا، وثانيًا توجد لدى حلفاء واشنطن وشركائها بأنحاء العالم هواجس مشتركة بشأن السباق الأمريكي الصيني في قطاع التكنولوجيا، وأخيرًا تعد البيئة الأمريكية مواتية لانطلاقة تكنولوجية وابتكارية جديدة.

ورأى التقرير أن على واشنطن التركيز على 6 مجالات وتعزيزها، في خطوة أولية عامة تتبعها لاحقًا أجندة أكثر تفصيلًا، فيجب عليها بداية استغلال بيئة الابتكار الجديدة بشراكات بين القطاعين العام والخاص، وطرح أولويات وطنية، ومن ثم إعادة تفعيل مصادر الأفضلية التقنية الاقتصادية بتوفير بيئة لازدهار الشركات محليًّا، بدلًا من انتقالها إلى الخارج، وتأمين سلاسل توريد مستقرة، وسد فجوات السوق.

إضافة إلى ما سبق، على الولايات المتحدة تبني نهج هادف ومنسق لحوكمة الذكاء الاصطناعي، والحفاظ على الخصوصية ومجتمع تكنولوجي يحمي حرية التعبير والبيانات الشخصية، والعمل على تحقيق الريادة العالمية في قطاع التكنولوجيا بالتعاون مع حلفاء واشنطن وشركائها، وربط كل هذا بالأهداف العسكرية والدفاعية والأمنية.

ربما يعجبك أيضا