اتفاق الصين وروسيا مع الحوثيين.. لماذا جاء بمعزل عن دول الخليج؟

في خضم أزمة البحر الأحمر.. هذا ما تريده روسيا والصين من المنطقة

محمد النحاس
جماعة الحوثي اليمنية

يرى الضمور، خبير شؤون الأمن الإقليمي، أن ما يُهم الصين في الأزمة هو ضرورة المرور الآمن لسفنها المتجهة إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، وليس ذلك فحسب في تأمينها من الضربات الحوثية، بل في منع تحول البحر الأحمر إلى بيئة بحرية مضطربة


تتواصل هجمات ميليشيا الحوثي على حركة الشحن الدولي في البحر الأحمر قبالة السواحل اليمنية، إلا أن هناك دول حازت ضمانات بعدم التعرّض لسفنها.
وفي 21 مارس 2024، كشفت وكالة بلومبرج الأمريكية عن محادثات جرت بين الحوثيين من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، إذ أبلغت الميليشيا اليمنيّة بكين وموسكو أن بإمكان سفنهم الإبحار بأمان عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرّض لهجمات، وتثير الخطوة تساؤلات حول سبب إقدام موسكو وبكين على إجراء محادثات بمعزل عن دول الخليج.

ما سر التحرّك بمعزل عن الخليج؟

بحسب ما ذكرت بلومبرج، فقد توصلت الصين وروسيا إلى تفاهم بعد محادثات بين دبلوماسييهما في عمان والمسؤول في الميليشا محمد عبدالسلام. تقدم الدولتان الدعم السياسي للحوثيين في هيئات مثل مجلس الأمن الدولي، وفقًا لما ذكرته المصادر، التي لم تكشف عن هويتها لحساسية القضيّة، وذلك مقابل عدم المساس بسفنهم.
وجاء الاتفاق بين الحوثي وموسكو وبكين بمعزل عن الدول الأخرى الفاعلة في المنطقة، ما يوحي بأن الصين وروسيا، تضعان في الاعتبار العلاقة مع إيران في حساباتهم خلال التعامل مع الحوثي، وقد اختارت بكين وموسكو أن يأتي موقفهم عبر أدوات الدبلوماسية ومن خلال القنوات السلميّة، في وقتٍ تتعزز فيه العلاقة الثلاثية بين طهران وبكين وموسكو.
نهج المحادثات والدبلوماسية، يأتي بدلاً من الطريق الذي سلكته الولايات المتحدة وبريطانيا في التعامل مع الميليشيا من خلال السبل العسكرية. وحال جاءت المحادثات بشراكة خليجية كان يمكن أن يُفهم ذلك من قبل الجماعة التي يُنظر إليها على نطاق واسع كـ “وكيل” لطهران، أنه تحرّك بهدف الردع وليس التفاهم.

المصالح أولاً

في سؤاله عن سبب إقدام بكين وموسكو على تحرك منفرد بمعزل عن الدول الخليجية، رأى الخبير الاستراتيجي، اللواء محمد عبدالواحد أن التحرك الصيني والروسي كان من الطبيعي أن يأتي منفردًا بمعزل عن الدول الخليجية، إذ تنظر كلاً من بكين وموسكو لمصالحها في المقام الأول، كما تضع التنافس الدولي في المنطقة في عين الاعتبار.
ووفق ما صرح به لشبكة رؤية الإخبارية، فإن علاقة الصين وروسيا مع الدول الخليجية تأتي مستقلة عن توترات البحر الأحمر، بسبب تأثير تلك التوترات على اقتصادات كلاً من بكين وموسكو.

خبير الشؤون الاستراتيجية المصري اللواء محمد عبدالواحد

الخبير الاستراتيجي اللواء محمد عبد الواحد

ولفت اللواء محمد عبدالواحد، إلى أن المملكة العربية السعودية والدول الخليجية ترفض التدخل مع أي طرف بما في ذلك الجانب الأمريكي والبريطاني نظرًا لحساسية القضية ولأنه سيُحرج الدول العربية حيث قد يُظهرها ذلك أنها تدخلت لحماية إسرائيل.
ونتيجة لذلك لم تشارك أيً من الدول العربية في التحالف الأمريكي لردع الحوثي، سوى البحرين والتي شاركت بشكل رمزي، وفق اللواء عبدالواحد، الذي يرى أن العواصم العربية رغم تأثرها بالموقف في البحر الأحمر إلا أنها لم تتدخل لحسابات سياسية واستراتيجية في المقام الأول.

ماذا تريد بكين؟

في تصريحات لشبكة رؤية الإخبارية، قال خبير شؤون الأمن الإقليمي مدير عام مركز “ستراتيجكس” للدرسات الاستراتيجية، حازم الضمور، إن عدم استهداف السفن الصينية لا يعتبر إنجازًا بحد ذاته، بقدر ما كان أمرًا مستبعدًا في الأساس، وما يُهم بكين فعليًا هو إلى أي مدى تخلق هجمات الحوثيين أزمات أمام التجارة الصينية وطرق الإمداد الصينية إلى أوروبا والتي يعتبر البحر الأحمر طريقًا رئيسًا بها.

حازم سالم الضمور مدير عام - Strategiecs

حازم سالم الضمور مدير عام – Strategiecs

ووفق الضمور، تشير المعطيات إلى أن البحر الأحمر يشهد حالة من العسكرة غير المسبوقة، وأمام خطر الدخول في حالة عدم استقرار واضطراب بحري، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الصيني، وقد نبهت بكين طهران لتلك المسألة وحذرتها في محادثات كشف عنها مسؤولين إيرانيين، من أن الإضرار بمصالح الصين، سيضر بشكل مباشر في مصالح الدولتين المشتركة.

حسب الضمور، فإن النظر إلى التفاهمات الصينية الإيرانية، أو الصينية الحوثية، باعتبارها بديلًا عن الشراكات الاستراتيجية الصينية الخليجية، أو الروسية الخليجية، قد يكون قاصرًا عن فهم السياسة الخارجية الصينية القائمة على إتمام علاقات متساوية مع جميع الفاعلين وتسوية الصراع بالحوار، ولعل الأكثر دلالة على ذلك ضمانة بكين استئناف العلاقات السعودية الإيرانية.

مسعى لمنع التصعيد

يرى الضمور، خبير شؤون الأمن الإقليمي، أن ما يُهم الصين في الأزمة هو ضرورة المرور الآمن لسفنها المتجهة إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، وليس ذلك فحسب في تأمينها من الضربات الحوثية، بل في منع تحول البحر الأحمر إلى بيئة بحرية مضطربة، مردفًا: “وهو مطلب مشترك للصين ودول الخليج، ويجمع كلاهما ضرورة إيجاد حل للأزمة عبر الحوار، والابتعاد عن التصعيد العسكري، والعودة بالأزمة إلى مسبباتها الرئيسية”.
ولذلك لم تبارك أي من الأطراف تلك العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية المشتركة ضد الحوثيين، في محاولة لمنع أي تسارع في خلق سلسلة من التحديات الأمنية في البحر الأحمر وبشكل قد يؤثر على سلاسل التوريد العالمية، وفق الضمور.

كيف تنظر بكين لعلاقات الغرب مع الدول العربية؟

يُمكن أيضًا قراءة التحرّك الصيني وروسيا “المنفرد” بمعزل عن دول الخليج، أن بكين وموسكو تنظران إلى الشراكة بين دول العربية والغرب بعين الريبة، وذلك رغم توجه الدول الخليجية شرقًا على مدار السنوات الماضية، وأنّ علاقاتها مع مختلف الجهات الإقليمية والدولية متوازنة بشكل واضح.
ويطرح خبراء، أن هجمات الحوثي ليست سوى جزء من لعبة كبرى بين طهران وواشنطن، لكن وفي مقابل تلك النظرة، يرى محرر الشؤون السياسية في بي بي سي، جيرمي بوين، أنه من الأفضل “النظر إلى الحوثيين على أنهم “حلفاء لإيران” وليسوا وكلاء، مشددًا على أن أفراد الميليشيا “لديهم عقلية مستقلة إلى درجة كبيرة، يتلذذون بالدخول في صراع مع الأمريكيين، ويريدون أن يكونوا جزءًا من هذه الحرب في غزة”.

ربما يعجبك أيضا