الحرب الروسية الأوكرانية.. هل تتحول إلى صراع سيبراني عالمي؟

آية سيد

في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا, تتزايد المخاوف من تحول الصراع إلى حرب سيبرانية واسعة ضد الغرب.


بدأت روسيا (الخميس) الماضي غزوًا للأراضي الأوكرانية، شمل هجومًا بريًا وجويًا وبحريًا، إلى جانب سلسلة من الهجمات السيبرانية.

في الأسابيع السابقة للغزو، تعرضت أوكرانيا لهجمات سيبرانية متعددة ضربت حكومتها ونظامها المصرفي، ما أثار مخاوف الحكومات الغربية من اندلاع صراع رقمي أوسع وجعلها في حالة تأهب للتهديدات السيبرانية القادمة من روسيا، ويرى المحللون في مجال الأمن السيبراني وجود إمكانية لنشوب صراع إلكتروني بين روسيا والغرب، رغم أن حدته ربما تكون محدودة.

برمجيات خبيثة

أشارت شركة أمن المعلومات السلوفاكية “إسيت”، (الخميس)، إلى اكتشافها برمجية “محو” خبيثة تستهدف المؤسسات الأوكرانية لمحو البيانات الخاصة بها، وقبلها بيوم تعطلت مواقع عدة هيئات وبنوك حكومية أوكرانية عبر تعرضها لهجوم “دي دي أو إس”، أو الحرمان الموزع من الخدمات، بحسب تقرير لموقع سي إن بي سي الأمريكي، أمس (الجمعة).

وبين التقرير أن المسئولين الأمريكيين والبريطانيين نسبوا الهجمات إلى مديرية المخابرات الرئيسية الروسية (جي آر يو)، ونفت روسيا اضطلاعها بأي “عمليات خبيثة في المجال السيبراني”.

رد فعل سيبراني

ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا، ويرى بعض المحللين والخبراء أن هذا سيدفع روسيا للانتقام، وربما يقع اختيارها على الفضاء السيبراني للرد من خلاله، وقالت مجلة ذي إيكونوميست، في تقرير لها في 23 فبراير 2022، إن شخصيات أمريكية بارزة أعربت عن قلقها من الحسابات الخاطئة التي قد تؤدي إلى صراع سيبراني، وحذر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مارك وارنر، من سيناريو تسبب هجوم سيبراني روسي في إلحاق ضرر متعمد أو غير متعمد بالمدنيين في أوروبا، مما يدفع الناتو إلى الانتقام.

ورأى المدير التنفيذي المؤسس للمركز الوطني للأمن السيبراني البريطاني، سياران مارتن، أن هدف روسيا  إبعاد الناتو عن الحرب في أوكرانيا بدلاً من جره إليها، لذلك من المرجح أن يتعامل الكرملين مع التصعيد السيبراني بالطريقة نفسها التي يوازن بها بين أدوات فن الحكم الأخرى، مثل القوة العسكرية، مضيفًا :”ستشن موسكو هجومًا سيبرانيًا تخريبيًا كبيرًا ضد الغرب فقط إذا كانت مستعدة للتصعيد إلى منطقة خطيرة حقًا.”

تأهب في الحكومات الغربية

في بريطانيا، حذر المركز الوطني للأمن السيبراني, في 22 فبراير 2022، المؤسسات لكي تُحسّن دفاعاتها السيبرانية، وفي الولايات المتحدة، حذرت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، في 16 فبراير، الشركات التي تقدم خدمات للقوات المسلحة الأمريكية أن تنتبه إلى العدد المتزايد من محاولات اختراق أنظمة تكنولوجيا المعلومات، وحذر البنك المركزي الأوروبي من الهجمات السيبرانية، وحذرت رئيسة الوزراء الإستونية، كايا كالاس، (الخميس) الماضي من أن الدول الأوروبية يجب أن تكون “منتبهة للوضع الأمني السيبراني لديها”.

ووفقًا لتصريحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فإن الولايات المتحدة تستطيع شن هجمات سيبرانية وستفعل ذلك لكن فقط كرد انتقامي في حالة أن بدأت روسيا بالهجوم، بحسب ما جاء في تقرير لموقع ﭬوكس الأمريكي, في 25 فبراير 2022. مبينًا أن “الحكومة الأمريكية كانت تعمل مع القطاع الخاص لشهور من أجل الاستعداد للهجمات السيبرانية الروسية والرد عليها.”

خطر الانتشار                                      

يقع جزء من خطر الهجوم السيبراني على أوكرانيا في امتداد التأثير إلى الشركات الغربية، وفقًا لوزارة الخارجية الأوكرانية 1 من 5 شركات على قائمة فورتشين 500 تعتمد على قطاع تعهيد تكنولوجيا المعلومات الأوكراني، بحسب موقع أوكرانيا الآن، ووفقًا لتقرير سي إن بي سي، قال الباحثون في شركة أمن المعلومات الأمريكية “سيمانتك” إن تأثير برمجية المحو الخبيثة المُكتشفة في أوكرانيا امتد إلى متعاقدين مع الحكومة الأوكرانية في لاتفيا وليتوانيا، ما أثار احتمالية انتشار تكتيكات الحرب السيبرانية الروسية إلى دول أخرى، وأن روسيا قد تشن المزيد من الهجمات السيبرانية الأكثر تعقيدًا لاستهداف أوكرانيا، وربما دول أخرى أيضًا.

يقول نائب رئيس التحليل الاستخباراتي في شركة أبحاث الأمن السيبراني “مانديانت”، جون هلتكويست، إن روسيا كانت تُنقِّب في البنية التحتية للدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا “منذ فترة طويلة جدًا” وإنها “ضُبطت بالجرم المشهود” عدة مرات، منوهًا بأن روسيا “لم تسحب الزناد بعد، لذلك كان التفكير السائد أنها تستعد لحالات الطوارئ. والسؤال الآن هو هل هذه هي حالة الطوارئ التي كانت تستعد لها؟”.

القدرات السيبرانية الأمريكية

بحسب تقرير ﭬوكس، يُعتقد أن أمريكا هي أقوى دولة في العالم من ناحية القدرات السيبرانية لكنها تُبقي قدراتها سرًا، لذلك لا أحد يعرف الكثير عن طبيعة هذه القدرات ونوع الضرر القادرة على إحداثه في حالة استخدامها كسلاح حرب، مشيرًا إلى وجود اعتقاد بأن الولايات المتحدة بالتنسيق مع إسرائيل كانت وراء فيروس ستوكسنت الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني على الرغم من عدم اعترافها بذلك.

ويقول الخبراء إن الولايات المتحدة استعدت للاحتمال المرتفع بحدوث هجوم سيبراني من روسيا، وقال المدير المساعد لقانون الأمن السيبراني في جامعة سانت توماس، جورج بريرا، إن الهجوم السيبراني من روسيا سيستهدف البنية التحتية الحيوية، وفي حالة نجاحه سيكون “مدمرًا”، مبينًا أن احتمالية نجاح الهجوم السيبراني على الولايات المتحدة ستكون “ضئيلة” بفضل القدرات الدفاعية الأمريكية، لكن يحذر البعض أن القطاع الخاص ربما لا يكون مستعدًا بشكل كافي لأن برامج الأمن السيبراني لا تزال يُنظر لها كبند من بنود الميزانية، ما يترك المنظمات والمؤسسات عُرضة للهجمات.

دور وسائل التواصل الاجتماعي و”ضباب الحرب”

أفاد تقرير في صحيفة واشنطن بوست، نُشر في 24 فبراير 2022، أن وسائل التواصل الاجتماعي تخلق نوعًا جديدًا من “ضباب الحرب”، تتشابك فيها المعلومات الصحيحة والمضللة باستمرار مع صعوبة التفريق بينها، قالت مديرة الأبحاث في مركز شورنستين للإعلام والسياسات والسياسة العامة في جامعة هارفارد، جوان دونوفان، إن “الحسابات الداعمة لروسيا كانت تعمل بالفعل على مشاركة مقاطع فيديو وصور قديمة، جرى التقاطها خارج السياق وإضافة أوصاف خاطئة لها، في نفس الوقت وبنفس الوسوم الخاصة بالصور الأصلية التي يلتقطها الناس للأحداث الحقيقية، مضيفة أن الهدف الحقيقي هو إرباك الرأي العام وخلق رواية تخدم المصالح الروسية.

وذكر التقرير أن منصة تويتر لعبت دورًا حيويًا منذ بدء الغزو، ولجأ إليها الملايين لمعرفة ما يحدث في خطوط المواجهة، وساهمت في نقل صور الاحتجاجات المناهضة للحرب في المدن الروسية التي كان المسئولون الحكوميون يعملون على قمعها، وأنها بثت خوف وقلق المواطنين الأوكرانيين إلى الجماهير العالمية أثناء القصف، ولكن تويتر ساعد أيضاً في تضخيم الحُجج الساعية إلى رفض الهجمات الروسية أو الدفاع عنها، على الرغم من الجهود التي بذلتها الشركة للحماية من استخدام “المواد الإعلامية التي جرى تركيبها أو التلاعب بها.”

وفي نفس السياق، أورد التقرير أن المسئولين في شركة ميتا المالكة لفيسبوك قالوا إنهم بصدد إنشاء “مركز عمليات خاصة” لإزالة المحتوى المخالف للقواعد وطرحوا أداة تُمكّن الأوكرانيين من إغلاق حساباتهم بنقرة واحدة.

ربما يعجبك أيضا