الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يعزز أهمية ميناء كوادر

محمد عبد الدايم

رؤية – بنده يوسف

قد تأتي السياسة التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه باكستان بنتائج عكسية. فواشنطن تضغط على إسلام آباد باسم ملف دعم الجماعات الإرهابية، وعدم تقديم المكافحة الكافية للجماعات المتطرفة على الأراضي الباكستانية، وإيواء مسلحين من أفغانستان.

هناك ملامح تغير باكستاني تجاه التحالف مع أمريكا، والإتجاه نحو تحقيق توازن في التحالفات الدولية والإقليمية، حيث نجد زيارات المسؤولين الباكستانيين المتكررة إلى طهران والتدريبات العسكرية مع الروس. وتكشق هذه التحركات أن إسلام آباد تسعى للبحث عن شركاء جدد. وكان التركيز الأساسي على العلاقات مع الصين والشراكة الاستراتيجية معها، وذلك مع بعض التحسن في العلاقات مع الروس.

الشراكة مع الصين

الشراكة والعلاقات مع بكين أحد أبرز الأسباب التي تقف خلف تدهور العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد. وكانت الصين أول من انتقد السياسة الأميركية واتهامها لباكستان بإيواء المسلحين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، كينغ شوانغ، إن باكستان بذلت جهوداً كبيرة في مكافحة الإرهاب، ودفعت في سبيل ذلك أثماناً باهظة. وأعلن أن بكين تثمن جهود إسلام آباد، وتعمل معها لمكافحة التنظيمات الإرهابية وإحلال السلام في المنطقة، مشدداً على ضرورة وجود شراكة استراتيجية بين إسلام آباد وبكين، منوهاً إلى رغبة بلاده في تعميق العلاقات مع باكستان في كافة المجالات.

الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني

الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني هو مشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى إنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر (في الصين) وميناء كوادر الباكستاني. وهو واحد من المشاريع الرئيسة ضمن مبادرة الحزام والطريق.

التكلفة الإجمالية للمشروع تقدر بـ 46 مليار دولار وتعول باكستان كثيرًا عليه لدفع عجلة اقتصادها وخصوصًا في محافظة بلوشستان الفقيرة. وللهند عدد من التحفظات على مشروع الممر، من بينها أن الطريق الجديد سيعبر الجزء من كشمير الواقع تحت السيطرة الباكستانية.

رؤية باكستان 2025

تربط باكستان بين رؤيتها التنموية 2025 وبين مشروع الممر الصيني-الباكستاني. حيث تحمل  “رؤية باكستان 2025” تصورًا حول الربط الإقليمي، يعتمد على:-

إيجاد حلقة وصل بين أربعة مناطق، هي: الصين، جنوب آسيا، آسيا الوسطى، والشرق الأوسط.
إنشاء نظام التواصل والنقل الفعَّال.
إنشاء نظام داخلي سهل الاتصال بين أقاليم باكستان.
إنشاء شبكة متكاملة عالية المستوى من السكك الحديدية، والطرق السريعة بين المراكز الاقتصادية.

والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يراعي جميع أهداف “رؤية باكستان 2025” من إنشاء شبكات الطرق السريعة، وميناء عالي المستوى، كذلك الخطوط التجارية البحرية، والمطارات، والسكك الحديدية وكابلات الألياف البصرية…الخ، ويساهم في تعزيز وتحقيق رؤية باكستان التنموية لربط باكستان إقليميا، وجعله محورا تجاريا واقتصاديا لتحقيق حلم النمر الآسيوي التجاري.

تحديات

كشمير
تعارض الهند الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وتعبره تهديدًا إقليميا لها، وتعترض نيودلهي على مرور أجزاء من الممر الذي يبلغ طوله 3000 كيلومتراً عبر منطقتي جيلجيت وبالتيشان في الجزء الذي يخضع لسيطرة باكستان من كشمير المتنازع عليها. وهناك مناوشات وعملية تنافس معلنة بين الصين والهند في المحافل الدولية.

البلوش
تعتبر الحركة المسلحة في بلوشستان أن حكومة باكستان تسعى لتغيير الديموغرافيا في منطقة “كوادر” المطلة على المحيط، وهو ما يغير من عملية التفوق العرقي هناك، ويهدد بتحويلهم إلى أقلية. ولذلك قامت الحركة الانفصالية المسلحة بقتل العديد من الأجانب في هذه المنطقة. وهو ما أقلق المستثمرين الصينيين والحكومة الباكستانية.

بالإضافة إلى قضايا داخلية تتعلق بالحكومة الباكستانية، مثل الفساد والبيروقراطية وضعف التمويل وسوء الإدارة، وهو أدى إلى إلغاء وتعطيل العديد من المشاريع المرتبطة بالممر الاقتصادي في العام الماضي.

اصرار صيني

هناك تواصل ومباحثات صينية مع الانفصاليين البلوش وهو ما أغضب الحكومة في إسلام آباد، لكن هذا الأمر يدل على رغبة صينية ملحة في إتمام مشروع الممر الاقتصادي داخل باكستان. كذلك تسعى الصين إلى بناء قاعدة بحرية في ميناء كوادر لحماية مشاريعها. كما سعت بكين إلى ضم أفغانستان إلى الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني، بما يعزز مكانة الممر الاقتصادية للصين وباكستان.

ويبدو أن باكستان هي أيضًا أمام تحديات كبرى، فالولايات المتحدة لن ترضى أن ترسم الصين خريطة المنطقة، وكذلك الهند حليفة أمريكا ستعمل على عرقلة الصين وباكستان اللتين تعتبرهما أعداء ومنافسين لها. ولهذا بدأت باكستان في استعراض قواتها العسكرية والقيام بمناورات بحرية للتأكيد على قدرتها في حماية مصالحها الإقليمية.

ميناء كوادر

هو ميناء عميق يقع على بحر العرب في جوادر في مقاطعة بلوشيستان في باكستان. في عام 2015، أعلن أن المدينة والميناء سيتم تطويره في إطار خطة مشروع الممر الصيني-الباكستاني (CPEC)، بهدف ربط شمال باكستان وغرب الصين بميناء المياه العميقة. وسيكون الميناء أيضا موقعا لمرفق غاز طبيعي مسال عائم سيتم بناؤه كجزء من الجزء الأكبر من كوادر-نوابشاه الذي يبلغ 2.5 مليار دولار من مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني.  في أواخر عام 2015، تم تأجير الميناء رسميا للصين لمدة 43 عاما، حتى عام 2059.  وأصبح ميناء كوادر يعمل رسميا في 14 نوفمبر 2016، عندما افتتحه رئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف.

وتكمن أهمية ميناء كوادر في قربه للصين؛ حيث يعدّ أقرب ميناء لإقليم شينج يانج الصناعي، إذا ما قُورن بالموانئ الصينية الواقعة شرقها.

لذلك ستعبر التجارة الصينية برًا على طول جغرافيا باكستان من خلال الطرق التي تم إنشاؤها حتى تصل إلى جوادر، ومن هناك يتم نقل البضائع إلى دول الخليج والشرق الأوسط.

ميناء تشابهار

يبعد ميناء تشابهار الإيراني 100 كيلومتر (60 ميلا) عن ميناء “كوادر” الباكستاني، ويعد منافسا ومكملا له أيضًا. حيث تطمح إيران إلى تصدير الغاز إلى باكستان عن طريق هذا الميناء. وكذلك تستفيد إيران من العداء بين الهند والصين من ناحية والهند وباكستان من ناحية أخرى، في تعزيز أهمية مكانة ميناء تشابهار بالنسبة للهند للوصول إلى أفغانستان وبلدان أسيا الوسطى. ولذلك نجد الهند من أكبر المستثمرين في ميناء تشابهار الإيراني.

ربما يعجبك أيضا