الهيمنة الأمريكية مهددة.. سوق الطائرات المقاتلة تدخل عصرًا متعدد الأقطاب

آية سيد
مقاتلات إف-35 الأمريكية

في ظل اتجاه المزيد من الدول لتوطين صناعة الطائرات المقاتلة، قد تخسر واشنطن هيمنتها التاريخية على سوق صادرات المقاتلات.


بدأت الولايات المتحدة منح الأولوية لتطوير المزيد من المقاتلات المتخصصة والأكثر قدرة، بدلًا من الطائرات متعددة المهام الموجهة للتصدير.

على الرغم من هدف واشنطن أن يصبح جيشها مجهزًا بنحو أفضل لمواجهة صعود القوى العظمى مثل الصين، فإحدى العواقب غير المقصودة لسياساتها هي تراجع وجودها في سوق تصدير الطائرات المقاتلة.

البرامج المحلية

في تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، يوم الاثنين 14 أغسطس 2023، لفت المدير الإداري لشركة “أيروديناميكس” للاستشارات، ريتشارد أبو العافية، إلى أنه في فترة معينة، أرادت معظم القوى الكبرى والصغرى بناء مقاتلاتها الخاصة.

وفي الثمانينات، وضعت جنوب إفريقيا، وتايوان، ويوغوسلافيا، والبرازيل، ورومانيا، وإسرائيل، واليابان، والهند، برامج وطنية لصناعة الطائرات المقاتلة، وجرى بناء القليل من هذه الطائرات المحلية، لكن معظم البرامج اختفت في التسعينيات.

الصعود الأمريكي

توجد أسباب عدة وراء اختفاء هذه البرامج، منها تقلص ميزانيات الدفاع بعد انتهاء الحرب الباردة، وسوق المقاتلات، إضافة إلى تحرر الاقتصادات، وسقوط الحواجز التجارية، وانتهاء جدوى السياسة الصناعية.

في تلك الأثناء، نجحت الولايات المتحدة في بيع المقاتلات الجاهزة. وأفاد المحلل المختص في صناعة الطيران بأن مقاتلة إف-16، التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن، هيّمنت على السوق، ما قدّم قيمةً هائلة مقابل المال، دون تكاليف تطوير مسبقة.

وأنشأت الولايات المتحدة مقاتلة إف-35 المعروفة باسم اسم “جوينت سترايك فايتر”، التي دخلت الخدمة في 2015. ورسخت إف-35 هيمنة الصادرات الأمريكية في سوق المقاتلات العالمية، وحققت نجاحًا باهرًا بأكثر من 20 عميلًا، لكن مع دخول منافسين جدد إلى السوق، لن تصبح إف-35 كافية لنقل الصناعة الأمريكية إلى المستقبل.

الاتجاه الجديد

تُعد اليابان مثالًا جيدًا لتوضيح إلى أين تتجه برامج المقاتلات الوطنية، حسب أبو العافية، ففي التسعينيات، أنفقت اليابان مليارات الدولارات لتطوير مقاتلة ميتسوبيشي إف-2، لكنها أدركت أنها أهدرت المال لإعادة ابتكار إف-16، لذا صنعت أقل من 100 مقاتلة منها، وتخطط الآن لشراء 147 مقاتلة إف-35 جاهزة.

اقرأ أيضًا| أرباح طائلة.. الشركات الأمريكية تتصدر صناعة السلاح عالميًّا

ومؤخرًا، تعاونت اليابان مع بريطانيا لتطوير مقاتلة جديدة سيجري بناؤها في البلدين. وبداية من أواخر 2030، ستتوقف لندن وطوكيو عن شراء مقاتلات إف-35، وتبدآن في بناء طائرتهما المشتركة.

لاعبون جدد

أشار المحلل إلى أن كوريا الجنوبية، التي تُعد المنتِج الوطني الوحيد الذي بدأ تطوير مقاتلات جديدة منذ الحرب الباردة، هي الدولة التي بدأت هذا الاتجاه بمقاتلة كيه إف-21 بورامي، وانضمت تركيا الآن بمقاتلة “تاي تي إف”.

وعادت تايوان إلى اللعبة أيضًا بطائرة التدريب تشينج كو، التي ستصبح مقاتلة من الجيل التالي لاحقًا، وكشفت دولة الإمارات العربية المتحدة، بداية العام الحالي، عن طموحاتها لإنتاج مقاتلتها الخاصة.

وبدأت الهند برنامج طائرات تيجاس القتالية الخفيفة في الثمانينات، التي دخلت السوق بكميات صغيرة في 2015. وتريد نيودلهي أن تتبع تيجاس بطائرة مقاتلة متوسطة تدخل الخدمة العقد المقبل.

توطين الصناعات الدفاعية

تخطط القوى الوسطى لتوسيع نطاق برامج الصواريخ، ومنظومات الفضاء، وإنتاج الذخيرة، وقدرات الاكتفاء الذاتي المحلية، ولفت أبو العافية إلى وجود عدة أسباب وراء تجديد التركيز على القدرات الدفاعية، ففي ظل ارتفاع التوترات في آسيا وأوروبا الشرقية، ارتفعت ميزانيات الدفاع.

وفي الوقت نفسه، تخرّج الدول المنتجة الناشئة المزيد من المهندسين والفنيين، على عكس الدول المنتجة القديمة التي تواجه ارتفاعًا في تكاليف العمالة، ونقصًا في الفنيين.

اقرأ أيضًا| إنفوجراف| أكثر البلدان إنفاقًا على جيوشها في 2022

ولفت المحلل إلى عدد من العوامل الأخرى، مثل عودة السياسة الصناعية، والحرب الروسية الأوكرانية، وحدوث فجوة في سوق الصادرات، بسبب تراجع صادرات موسكو، التي كانت ثاني أكبر مُصدِّر دفاعي في العالم.

استراتيجية واشنطن

أشار أبو العافية إلى أن الولايات المتحدة غير مستعدة لسد الفجوة في سوق الصادرات على المدى الطويل، لافتًا إلى أن استراتيجيتها تغيرت، لأن برنامج الهيمنة الجوية للجيل التالي للقوات الجوية الأمريكية يهدف إلى إنتاج مقاتلة ضخمة وباهظة التكلفة في بداية العقد المقبل، التي من المستبعد أن تكون صالحة للتصدير بسبب تكلفتها ولأسباب أمنية.

وستواصل الولايات المتحدة تحديث مقاتلة إف-35، لكن بنهاية العقد المقبل، سيؤثر عمر المقاتلة وتطوير المقاتلات الأحدث في جاذبيتها.

خسارة الهيمنة

رجّح أبو العافية أن تخسر واشنطن هيمنتها التاريخية على سوق صادرات المقاتلات، لذا تحتاج الشركات والمسؤولون الأمريكيون إلى أن يكونوا استباقيين في التنافس مع المنتجين الأوروبيين لتوفير التكنولوجيا، والمنظومات لبرامج الدول الأخرى.

اقرأ أيضًا| الأسطول الجوي الأمريكي «يحتضر».. والمال وحده لا يكفي للتحديث

وعلى المستوى التنظيمي، يحتاج المسؤولون الأمريكيون إلى تسريع التغييرات في المبادئ التوجيهية والقواعد التنظيمية لتصدير السلاح. وينبغي أن يصبح بيع المكونات مثل الرادارات وأجهزة الاستشعار والحرب الإلكترونية أولوية قصوى للولايات المتحدة، وتحتاج الشركات الأمريكية إلى تطوير منتجات جديدة مصممة للمقاتلات الناشئة المتعددة، وتكثيف التسويق والتواصل.

وختامًا، قال المحلل إن “دور واشنطن القيادي في سوق صادرات السلاح عزّز علاقاتها مع دول العالم، وإذا وظفت الاستراتيجيات المناسبة، يمكنها البناء على هذه العلاقات، والاحتفاظ بدور قيادي في التكنولوجيات التي تشغل المقاتلات المختلفة في جميع أنحاء العالم”.

ربما يعجبك أيضا