بعد التمرد.. ما مصير إمبراطورية فاجنر في إفريقيا؟

آية سيد
بعد التمرد.. ما مصير إمبراطورية فاجنر في إفريقيا؟

رجحت مجلة "ذي إيكونوميست" أن فاجنر ستنسحب من إفريقيا فقط إذا اعتبر الأفارقة روسيا شريكًا ضعيفًا وغير موثوق.


بعد انتهاء تمرد مجموعة فاجنر على قيادة الجيش الروسي، تظل التكهنات قائمة بشأن مصير أنشطة المجموعة في إفريقيا.

وحسب تقرير لمجلة ذي إيكونوميست البريطانية، في 27 يونيو 2023، من المستبعد أن ترحل فاجنر عن إفريقيا، لكن دول القارة ستعيد التفكير بمصداقية روسيا، بعد التمرد الذي أضعف صورة الرئيس فلاديمير بوتين.

إمبراطورية في إفريقيا

في رسالة عبر تطبيق تليجرام، في 26 يونيو 2023، قال قائد فاجنر، يفجيني بريجوجن، إن مجموعته نفذت “عددًا ضخمًا من المهام لصالح الاتحاد الروسي” في دول إفريقية وعربية. وحسب ذي إيكونوميست، أرسلت فاجنر مقاتلين إلى 5 دول إفريقية، من ضمنها جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وكذلك كان لها وجود في 7 دول أخرى على الأقل، إضافة إلى سوريا.

وعلى الرغم من الغموض المحيط بمصير المجموعة، استبعدت المجلة البريطانية أن ترحل فاجنر عن إفريقيا، لأن المجموعة لها مصلحة راسخة في البقاء. كما أن الكرملين لن يرغب في خسارة مصدر نفوذه في القارة. ورجحت المجلة أن فاجنر ستنسحب من إفريقيا فقط إذا اعتبر الأفارقة روسيا شريكًا ضعيفًا وغير موثوق.

بعد التمرد.. ما مصير إمبراطورية فاجنر في إفريقيا؟

خريطة لوجود فاجنر في إفريقيا

كيف تعمل فاجنر؟

تدخل فاجنر إلى القارة الإفريقية عبر شبكة من الشركات ذات الروابط بالدولة الروسية، التي تعمل بموجب عقود مع الحكومات الأجنبية. وتستخدم فاجنر نموذج أعمال يقوم على 3 عناصر، عسكري واقتصادي وسياسي. ووفق “ذي إيكونوميست”، تتجلى هذه العناصر في حالة جمهورية إفريقيا الوسطى، التي دخلتها المجموعة في 2018.

العنصر الأول، العسكري، هو عندما تلجأ الحكومات الإفريقية إلى روسيا وفاجنر لتوفير الأمن. وبينما لا توجد تقديرات رسمية لعدد مقاتلي فاجنر في إفريقيا، يشير المحللون إلى أن عددهم 5 آلاف، معظمهم في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. وهؤلاء المقاتلون ماهرون وذوو خبرة في القتال، ويعززون قدرات قوات الدول الإفريقية.

وحسب ما نقلت المجلة البريطانية عن تقرير لمنظمة “ذا سنتري” الاستقصائية، جمعت فاجنر “جيشًا موازيًا” من 5 آلاف جندي في جمهورية إفريقيا الوسطى. وزعم التقرير أن فاجنر دربت المقاتلين على أساليب التعذيب واستخدمتهم كجزء من “حملة إرهاب”، كما استوردت أسلحة ومسيّرات وطائرات في مخالفة لحظر الأمم المتحدة.

اقرأ أيضًا| ماذا فعلت فاجنر في جمهورية إفريقيا الوسطى؟.. تقرير أمريكي يكشف عن كوارث

منافع اقتصادية

العنصر الثاني في نموذج فاجنر هو الاقتصاد، المقايضة مقابل الأمن. ولفتت “ذي إيكونوميست” إلى أن فاجنر تكتل فضفاض له شبكة من الشركات الفرعية، وتوجد القليل من المعلومات العامة عن عوائدها وأرباحها، لكن من الواضح أن إفريقيا جزء أساسي من عملية كسبها للأموال.

وحسب “ذا سنتري”، نهبت فاجنر القرى القريبة من مناطق تعدين الذهب والألماس في جمهورية إفريقيا الوسطى. كما أحصى التقرير 15 رحلة جوية لطائرات مرتبطة بفاجنر إلى السودان، الذي يُعد مركزًا لتهريب الذهب، وله روابط بفاجنر.

بعد التمرد.. ما مصير إمبراطورية فاجنر في إفريقيا؟

نفوذ فاجنر في إفريقيا

أما العنصر الثالث فهو الخدمات السياسية التي تقدمها فاجنر والشركات التابعة لها، مثل إدارة حملات دعاية ومعلومات مضللة، وتنظيم مجموعات وهمية لمراقبة الانتخابات. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، أدارت المجموعة حملات موالية للرئيس فوستان آرشانج تواديرا قبل انتخابات 2020، وساعدت في التفاوض على صفقات سياسية مع قادة الفصائل المختلفة.

ماذا بعد؟

يتوقع البعض أن الاتفاق بين بوتين وبريجوجن قد يتيح للأخير الحفاظ على دوره في إفريقيا. وفي هذا الشأن، قالت الباحثة بكلية بارنارد، كيمبرلي مارتن، إن “أيا كان ما يحدث لبريجوجن، فإنه لا يقول الكثير عما يحدث لفاجنر في إفريقيا”، لأنه سيكون “سهلًا نسبيًّا” على مؤسسة الدفاع الروسية استبداله.

وقالت الباحثة في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، جوليا ستانيارد، إن “المزايا التي تقدمها فاجنر للدولة الروسية ستظل قائمة”. وحسب “ذي إيكونوميست”، قد ترغب الأجهزة الأمنية الروسية في تولي المزيد من السيطرة على عمليات فاجنر الخارجية.

الخيارات المتاحة

وفق “ذي إيكونوميست”، أحد الخيارات المتاحة للسيطرة على عمليات فاجنر هو توطين مقاتلي المجموعة، لكن هذا الخيار قد لا يناسب الدولة الروسية، التي يمكنها إنكار مسؤوليتها عن أعمال فاجنر الوحشية، ولا الحكومات الإفريقية، التي يمكنها الادعاء أنها تسيطر على أمنها إذا استخدمت مرتزقة وليس قوات أجنبية.

وتشمل الخيارات الأخرى إعادة تسمية المجموعة، أو تعيين قيادة جديدة، أو تغيير الشركات المكونة للمجموعة بحيث تتولى نخب مختلفة السيطرة. وأفادت المجلة أنه في الأيام التي أعقبت التمرد، سارع الكرملين لطمأنة الدول التي تستضيف فاجنر بالتزامه المتواصل بالمهام، سواء تحت شعار المجموعة أو لا.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أنه سيكون من غير المنطقي أن تنسحب روسيا من المشروعات المربحة. وفي هذا الصدد، قالت جوليا ستانيارد إن الانسحاب “سيضر بروسيا في عيون الحكومات الإفريقية”.

اقرأ أيضًا| انسحاب فاجنر.. هل يتوقف سعي طباخ بوتين للتغيير العسكري؟

العامل الحاسم

لعل العامل الأكبر في حسم مستقبل فاجنر في إفريقيا هو عملائها الأفارقة، أي رجال السياسة الذين لجأوا إلى روسيا من أجل المساعدة. ولفتت “ذي إيكونوميست” إلى أنه في جمهورية إفريقيا الوسطى، يبدو أن الحكومة لم تتأثر بما حدث.

وأخبر مستشار الرئيس، فيديل جوانجيكا، وكالة فرانس برس أن بلاده “وقعت اتفاقية دفاع في 2018 مع الاتحاد الروسي وليس فاجنر”، مضيفًا أن روسيا “تعاقدت من الباطن مع فاجنر، وإذا لم تعد روسيا متفقة مع فاجنر، سترسل وحدة جديدة”، واصفًا التوترات بين بوتين وبريجوجن بأنها “شأن داخلي روسي”.

وفي مالي، يبدو الرهان أكثر خطورة، لأن حكومة المجلس العسكري أمرت بعثة حفظ السلام الأممية بمغادرة البلاد، وتعتمد على فاجنر للمساعدة في قتال الإرهابيين الذين قتلوا الآلاف في السنوات القليلة الماضية.

تأثر صورة روسيا

قد تغير النخب الإفريقية رأيها في روسيا بعد التمرد. وفي هذا السياق، لفت الباحث بالمعهد البولندي للشؤون الدولية، جيدريه شيريب، إلى أن بعض مشجعي روسيا المؤثرين في إفريقيا التزموا الصمت في الأيام الأخيرة.

هذا يعكس كيف يعتمد دعم روسيا على كونها قوية بما يكفي لمساعدة عملائها الأفارقة في تحقيق أهدافهم. وقال الباحث البولندي: “ستفقد سحرها بمجرد أن تبدو ضعيفة وعاجزة”.

ووفق “ذي إيكونوميست”، هذا يشير إلى مفارقة واضحة. فالرئيس الروسي يروّج لبلاده ليس فقط كحليف قوي للقادة الأفارقة، بل كنموذج. إلا أن نفس المجموعة التي أرسلتها حكومته لمساعدة القادة الأفارقة في محاربة الأعداء الداخليين نظمت تمردًا في روسيا. وهذه ليست دعاية جيدة لنظام يبيع الحماية من الانقلابات للاستبداديين والمجالس العسكرية بالخارج.

ربما يعجبك أيضا