بين الحذر والحرص.. ماذا يعني التقارب العربي الصيني للولايات المتحدة؟

رنا أسامة

مع تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، عززت الدول العربية تقاربها مع الصين خلال 3 قمم بالرياض، فماذا يعني ذلك إلى الإدارة الأمريكية؟


في خضم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، استضافت العاصمة السعودية، الرياض، 3 قمم غير مسبوقة مع بكين، وسط مخاوف أمريكية.

واتفق القادة المشاركون بقمم الرياض، التي انعقدت يوم السبت 10 ديسمبر 2022، على تعميق التعاون وتعزيز الشراكة الاستراتيجية العربية الصينية، حسب ما جاء في بيان ختامي أوردته شبكة تلفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن).

دعم عربي للصين

خلال زيارة للرئيس الصيني، شي جين بينج، إلى المملكة، شدد بيان القمة العربية الصينية على تمسك الدول العربية بمبدأ “صين واحدة”، ودعم بكين في حماية سيادتها ووحدة أراضيها، مشددًا على أن “تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين”، رافضًا “استقلالها” بأي شكل.

واتفق الجانبان على بذل جهود شاملة “لبناء مجتمع صيني- عربي بمصير مشترك في العصر الجديد”، بجانب دعم جهود منع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بوصفها الركيزة الأساسية في المنظومة الدولية لمنع الانتشار.

ال

الرئيس الصيني شي جين بينج، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

مكافحة الإرهاب واحترام السيادة

حمل البيان أيضًا دعمًا عربيًا لجهود الصين لحماية الأمن القومي وتنمية الديمقراطية بهونج كونج، في إطار مبدأ “دولة واحدة ونظامان”، فضلًا عن تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، ورفض “المعايير المزدوجة” في الحرب ضد الإرهاب، وفق ما نقلت “سي جي تي إن”.

وجدد البيان الالتزام العربي الصيني الثابت “بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، والامتناع عن استخدام القوة أو التلويح بها في العلاقات الدولية، واحترام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.

شريان حياة مالي

تأمل الدول العربية، التي شاركت بقمة الرياض، في الانضمام إلى مبادرة “طريق الحرير” الصينية، التي تربط آسيا بإفريقيا عبر العالم العربي، وتتصل بمبادرة “الحزام والطريق”، التي تربط الصين بأوروبا، ووقعت في بكين في إطارها اتفاقات تعاون مع 20 دول عربية.

وفي حين تمثل الصين أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، وأكبر سوق لتصدير المنتجات البتروكيماوية، يُعتقد أن الدول العربية تسعى من خلال قمة الرياض إلى الحصول على شريان حياة مالي من بكين، لمواجهة أزماتها الاقتصادية المستمرة، منذ بدء جائحة فيروس كورونا، حسب تقرير “سي جي تي إن”.

الولايات المتحدة تحترم قرارات الدول

بدورها، أقرت الولايات المتحدة بوجود “علاقات معقدة” تربط حلفاءها وشركاءها بالمنطقة مع الصين، موضحة أن الدبلوماسية الأمريكية “قائمة على أساس الشراكة والاحترام المتبادل للمصالح المشتركة”.

وفي تصريحات إعلامية، قال المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، صامويل وربيرج: “نعلم أن لدول عديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، علاقات اقتصادية حيوية وروابط شعبية مع الصين، تريد الحفاظ عليها”. وأضاف: “نحترم قدرة الدول على اتخاذ قرارات سيادية بما يحقق مصالح شعوبها”.

«لن نخير حلفاءنا وشركاءنا»

التعقيب الأمريكي يأتي امتدادًا لتصريحات سابقة أطلقها وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في مارس 2021، قال خلالها إن “الولايات المتحدة لن تجبر الحلفاء والشركاء على الاختيار (بينها أو بينهم)، بل سنواجه هذه التحديات معًا”، بحسب وكالة “بلومبرج” الأمريكية.

وأضاف بلينكين، في كلمته وقتذاك بمقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) ببروكسل: “سنتعاون مع حلفائنا لسد الفجوات، في مجالات مثل التكنولوجيا والبنية التحتية، التي تستغلها الصين لممارسة ضغوط قسرية”.

بن سلمان وشي جين بينجحذر أمريكي وحرص سعودي

في تصريحات لشبكة رؤية الإخبارية، قال الباحث في العلاقات الدولية، سمير رمزي، إن التصريحات الأمريكية تعكس “حذرًا أمريكيًّا” من التقارب العربي الصيني، على وجه الخصوص من العلاقات السعودية الصينية، لا سيما أمنيًّا ودفاعيًّا، وسط مخاوف أمريكية من توجه المملكة للاعتماد على أسلحة صينية.

وبينما خلت قمم الرياض من أي ترتيبات دفاعية وأمنية، أو اتفاقات ذات طابع عسكري مباشر مع الصين، عدّ رمزي ذلك مؤشرًا على إدراك الرياض وبكين للمخاوف الأمريكية، محاولين تفادي غضب واشنطن، مثيرًا احتمالية أن يكون ذلك مدفوعًا بحرص سعودي على تحييد علاقات المملكة عن توترات الدول الكبرى.

امتداد للقمة الأمريكية العربية

أشار أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، إلى أن قمة الرياض العربية الصينية امتداد لقمة “الأمن والتنمية” الأمريكية العربية، التي استضافتها الرياض أيضًا، خلال زيارة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، في يوليو الماضي.

وقال صادق لـ “إذاعة صوت أمريكا“، إن “القمم الثلاث مع الصين محاولة لتنويع العلاقات على المسرح العالمي”، الذي يشهد اضطرابًا كبيرًا في وقت “تتحدى فيه روسيا النظام العالمي السابق”.

الصين ليست بديلة

نبه صادق بأن “الصينيين أكدوا (خلال قمة الرياض) الأهمية الاستراتيجية للدفاع عن الخليج، لذا فإن مسؤولية الدفاع عن الدول الخليجية لا تلقى على كاهل الأمريكيين والغرب فقط”، وفق التصريح الذي أوردته “إذاعة صوت أمريكا”.

وأضاف: “دول الخليج لا تحاول استبدال الصين بالولايات المتحدة، لكنها تريد أن تكون قادرة على التحول إلى شريك استراتيجي جديد في أوقات حرجة، قد تحظر خلالها واشنطن بيع أسلحتها إلى الدول العربية”.

شي جين بينج والملك سلماندعاية وحذر

محلل الشؤون الشرق أوسطية في المجلس الأطلسي بواشنطن، بول سوليفان، نبه بأن القمة العربية الصينية حملت “دعاية لبكين”. وقال لـ”صوت أمريكا” إن “الصين ودول أخرى تروج لفكرة انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، بالرغم من عدم إقدامها على ذلك”.

وفي حين أن “الاستثمارات الصينية في العالم العربي لا تمثل سوى جزء صغير من إجمالي استثمارات الصين عالميًّا، التي يتركز معظمها في آسيا”، أوصى سوليفان الدول العربية “بتوخي الحذر” في تعاملاتها مع بكين.

تنويع متواصل

مستشار مركز سياسات الخليج في واشنطن، ثيودور كاراسيك، قال لـ”صوت أمريكا” إن “دول الخليج تواصل التنويع الذي تمارسه منذ عقود”، ودفعتها أزمة كوفيد -19 إلى تسريع خطاها من أجل التعافي، “في حين يتجه المركز الجيواقتصادي للتجارة أكثر صوب الشرق”.

وأشار كاراسيك إلى أن اتفاقات قمة الرياض لا تزال بحاجة إلى تنفيذ، لكنه ذكّر أن التجارة النفطية باليوان الصيني “دخلت في طور التنفيذ”، وهي خطوة قالت وكالة “رويترز” إنها ستدعم هدف بكين في ترسيخ عملتها دوليًّا، وإضعاف قبضة الدولار على التجارة العالمية.

شي جن بينج والملك سلمان

الرئيس الصيني شي جين بينج، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز

عواقب اقتصادية محتملة

ينطوي تعميق العلاقات الصينية السعودية على عواقب اقتصادية محتملة للولايات المتحدة، خصوصًا إذا سمحت المملكة ودول خليجية للصين بدفع ثمن النفط باليوان، بدلًا من الدولار، وهي خطوة من شأنها أن تخفض قيمة العملة الأمريكية، وتضعف مكانتها في النظام المالي الدولي.

وفي تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، مارس الماضي، وصف مدير معهد تحليل الأمن العالمي بواشنطن، جال لوفت، سوق النفط بأنه “بوليصة تأمين لوضع الدولار كعملة احتياطية”. أضاف: “إذا جرى إخراج تلك الكتلة (العملة الأمريكية) من الجدار، سيبدأ الجدار في الانهيار”.

ضغط نفطي على روسيا

بيد أن تعميق التعاون النفطي الصيني السعودي، من وجهة نظر خبير العلاقات الدولية، سمير رمزي، قد يصب في صالح التوجهات الأمريكية بفرض عقوبات على صادرات النفط الروسي.

وعلل رمزي ذلك، في تصريحاته لـ”رؤية”، بقوله إنه “يمكن بكين من تنويع صادراتها النفطية، في وقت تمثل فيه السعودية أكبر مورد نفطي للصين، ما يشكل بدوره ضغطًا على الاقتصاد الروسي.

تبعات طويلة المدى

توقعت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية أن يكون للتقارب العربي الصيني تبعات طويلة المدى على الشرق الأوسط، وكذلك على مبادرات الصين، بما في ذلك “الحزام والطريق”، بجانب صفقاتها الجديدة مع إيران، وأنشطتها في إفريقيا.

وقالت الصحيفة في تحليلها، يوم السبت، إن الصين لن تقوى على منافسة التكنولوجيا والدفاعات الجوية الأمريكية، لكن سيتعين على الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كان التقارب العربي مع بكين يفرض “خطًا أحمر”، أو أن هذا هو الشكل الذي سيبدو عليه النظام العالمي الجديد.

ربما يعجبك أيضا