حرب أهلية في الأفق: ماذا يحدث في البوسنة والهرسك؟

محمود سعيد

يخشى شعب البوسنة والهرسك من اندلاع الحرب مجددا وسط صعود خطاب اليمين الصربي الانفصالي المدعوم من روسيا


تتجه البوسنة والهرسك مجددًا نحو مخاطر التشرذم، ما يعيد للأذهان المأساة الإنسانية المروعة التي وقعت بين أعوام 1992 و1995، وخلفت نحو 100 ألف قتيل.

لاشك أننا أمام بركان سينفجر، خصوصًا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والمسألة باتت مسألة وقت ليس إلا، فحلم صربيا الكبرى تصاعد مجددًا، فماذا يحدث في تلك المنطقة من العالم؟

ما الوضع الحالي في البوسنة؟

تصاعدت في الآونة الأخيرة تهديدات القوميين الصرب بالانفصال عن البوسنة والهرسك والانضمام لصربيا، والاستعدادات العسكرية الميليشياوية داخل مناطق جمهورية صربسكا (جمهورية صرب البوسنة ذاتية الحكم) والدعم الروسي العلني وغير المسبوق للانفصال.

كل تلك الأحداث جعلت البوسنيين وخصوصًا البوشناق (المسلمين) يستعيدون ذكريات ما قبل الحرب، تحديدًا الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1990، وما حدث بعد تنصيب الزعيم والمفكر البوسني علي عزت بيغوفيتش رئيسًا لجمهورية البوسنة والهرسك، وحصار سراييفو وتدمير موستار والإبادة الجماعية في سربرنيتشا، لهذا بدأ الآلاف منهم يخرج في مسيرات ضد الحرب.

استراتيجية التصعيد الصربي الأخير

كانت البداية مع انتخاب صرب البوسنة الزعيم الانفصالي ميلوراد دوديك لتمثيلهم في الرئاسة الثلاثية لجمهورية البوسنة والهرسك، ثم بعدها حدد برلمان جمهورية صرب البوسنة مهلة للموظفين الصرب للانسحاب من عدة مؤسسات فيدرالية وعلى رأسها الجيش البوسني.

إضافة إلى ذلك، أعلن رئيس جمهورية صربسكا بتحريض من القيادة الروسية واليمين المتطرف في أوروبا تشكيل جيش صربي مستقل خلال أشهر قليلة، كذلك دخل الجمهور الصربي العام على الخط نتيجة للتحشيد الإعلامي القومي. ترتب على ذلك تسجيل تحرش بأعداد من المسلمين البوسنيين داخل جمهورية صربسكا، وترديد هتافات مسيئة ضد الإسلام والمسلمين وهو ما سجله الإعلام البوسني.

استراتيجيات كاراديتش ودوديك

ما يجري اليوم كان متوقعًا منذ سنوات، فقوانين جمهورية البوسنة والهرسك لم تكن تسري في صربسكا أصلًا منذ دخول اتفاق دايتون للسلام الذي أنهى الحرب البوسنية حيز التنفيذ، كما كانت النزعة الانفصالية في تصاعد.

وإذا كان مجرم الحرب والرئيس الصربي الأسبق رادوفان كاراديتش الذي ارتكب المجازر في البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، قد بنى سياسته على الإسلاموفوبيا، وعلى تغذية مخاوف الصرب من المخاطر الديموغرافية التي سيشكلها البوشناق على الشعب الصربي. فإن ميلوراد دوديك بخطبه القومية الانفصالية المتطرفة يحقق الأهداف نفسها، لكن بالوسائل السياسية.

خصوصًا أنه يستغل الإسلاموفوبيا المتصاعدة في أوروبا الغربية. والآن بدأ في نيل “دعم كبير” من الأحزاب الأوروبية اليمينية، ما دفع الغرب للتلويح بفرض عقوبات على مسؤولين في جمهورية صربسكا، بل فرضت واشنطن بالفعل.

ما الذي تريده روسيا من البوسنة؟

الدعم الروسي حاضر في المشهد، فالسفير الروسي حضر استعراضًا عسكريَا للميليشيات الصربية التي رددت شعارات وأناشيد فاشية عنصرية قومية ودينية، ضمن فعاليات لإحياء “عيد جمهورية صربسكا” المحظور في البوسنة، شارك فيه أيضًا سفراء صربيا والصين.

وأعلن رئيس جمهورية صربسكا بإيعاز من بوتين واليمين المتطرف في أوروبا تشكيل جيش مستقل خلال أشهر قليلة، وقالت موسكو إنها “تقف مع الصرب مهما كان قرارهم، وإن على البوسنيين أن يقبلوا تقسيم بلادهم إذا أرادوا ألا يحصل التقسيم بالقوة”، بل وزوّد الروس جمهورية صربيا بأسلحة نوعية جديدة استعدادًا لما هو قادم.

إعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي

أما بوتين صاحب الخبرة بأوروبا الشرقية أثناء عمله في الاستخبارات السوفيتية، فبشكل عام يريد إعادة نفوذ الاتحاد السوفيتي واستغلال هذا الوضع في تهديد الأمن الأوروبي، ما ظهر جليا في حربه على أوكرانيا، وهو يدرك أن انهيار جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي هو ما أدى إلى اختفاء يوغسلافيا القديمة.

واليوم روسيا تريد الولوج مجددًا إلى مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، بل وهدفها الأساسي خلط الأوراق في أوروبا مع بدء حربها مع أوكرانيا، كما ترفض ومعها الصرب دخول البوسنة للناتو.

تركيا حائل أكبر أمام الحرب

قال أردوغان من جانبه، إن تركيا تعد الحائل الأكبر أمام وقوع أحداث مؤسفة في البوسنة مجددًا، في إشارة منه إلى أن تركيا قد تدخل في البوسنة على غرار “قره باغ”.

وشدد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أمام جنوده من قوات حفظ السلام في البوسنة بأن المحاولات الانفصالية في البوسنة والهرسك لا تصب في مصلحة أي طرف، ولا ننسى أن قوات من الجيش التركي موجودة في ألبانيا حيث تقوم بعمليات تحديث للجيش الألباني.

المشهد المستقبلي

تتجه البوسنة للانفجار لأن بحسب المسؤولين في البوسنة والهرسك فإن روسيا هي من تحرك اليوم فكرة الانفصال وتغذي فكرة الحلم القومي الصربي، وتاريخيًا وعبر الأجيال كان الصرب يعدون روسيا شقيقتهم الكبرى ومخلصهم، وروسيا بدأت الحرب فعليًّا في شرق أوروبا.

ربما يعجبك أيضا