حكومة الصين تتخلى عن «صفر كوفيد».. والشعب يرتجل أمام الجائحة

آية سيد
التخلي عن صفر كوفيد في الصين

لم يمتلك الزعيم الصيني خطة للتراجع المدروس عن سياسة "صفر كوفيد"، ما يترك الشعب الحائر يرتجل بعد 3 سنوات من الإدارة التفصيلية لشؤون حياتهم.


بعد أسبوع من احتجاجات حاشدة بدأت مطلع الشهر الحالي، أعلنت الصين تخفيف قيود سياسة “صفر كوفيد” الصارمة، دون استعداد.

ويضع هذا الإعلان المفاجئ الدولة في مواجهة مع ارتفاع الإصابات، ويجعل المسؤولين يتدافعون لإدارة الفوضى وعدم اليقين، وسط قلق شعبي، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نشرته أمس الاثنين 19 ديسمبر 2022.

التحول عن «صفر كوفيد»

صوّر الإعلام الحكومي الصيني هذا التحول في السياسة كمخرج مرهق لكنه مدروس جيدًا، ما يفتح طريق العودة إلى الأوقات الجيدة على المستوى الاقتصادي. وحسب “نيويورك تايمز”، اختفت التحذيرات من مخاطر فيروس كورونا، وحلت محلها ادعاءات رسمية بأن متحور “أوميكرون” ضعيف.

وفي مقال مطول يوم الخميس الماضي، دافعت صحيفة “الشعب” اليومية الصينية عن استراتيجية الرئيس الصيني، شي جين بينج، تجاه الجائحة بوصفها “صحيحة تمامًا”، مضيفة أن الحكومة أنقذت الكثير من الأرواح بإحجامها عن تخفيف الإجراءات حتى الآن.

صفر كوفيد

احتجاجات الصين

غياب الخطة

وفق “نيويورك تايمز”، قارن شي نجاحه في مواجهة الجائحة بما وصفه بـ”فوضى الغرب”، وقدمه كإثبات لروايته عن الصين الصاعدة والمنظمة والآمنة التي تتسم ببعد النظر. لكنه لم يمتلك خطة للتراجع المدروس عن سياسة “صفر كوفيد”، ما يترك الشعب يرتجل بعد 3 سنوات من الإدارة التفصيلية لحياتهم.

وتتسابق الحكومة للموافقة على اللقاحات والحصول على الأدوية الغربية بعد نبذها. ويكافح المسؤولون لحشد الموارد لمعالجة الارتفاع الحاد في الإصابات. وحتى الحزب الشيوعي الصيني يجد صعوبة في إقناع السكان القلقين بهذا التخبط في السياسة.

حيرة وتخبط

تعليقًا على التطورات الأخيرة، قال المستشار النفسي بمدينة تشونجتشينج الصينية، التي كانت تعاني تفشيًا كبيرًا الشهر الماضي، تان جانج شيانج: “كان الوضع فوضويًّا، بسبب جزئي للأعداد الكبيرة للإصابات”.

وأوضح المستشار النفسي، الذي كان يساعد الناس في مواجهة ضغوط الإغلاق، والآن يساعدهم في التعايش مع الانفتاح المفاجئ، أن “كثيرًا ممن كانوا يعيشون في ظل الدعاية الرسمية لفترة طويلة، أصبحوا بعد إطلاق سراحهم يشعرون بالحيرة بشأن ما ينبغي فعله. بل يأمل بعضهم أن تستعيد الحكومة الإجراءات الصارمة”.

صفر كوفيد

مركز تجاري فارغ في شنجهاي

تحول مدمر

معادلة شي للتغلب على “كوفيد-19” ربما أعدت الصين دون قصد لهذا التحول المفاجئ والمدمر، حسب “نيويورك تايمز”. فالزعيم الصيني حوّل التعبئة المكثفة ضد الجائحة إلى استعراض للقوة التنظيمية لحزبه الحاكم.

ولمدة عامين، حظيت حرب شي ضد “كوفيد-19” بقبول شعبي واسع، لكن في النهاية، أرهق هذا الجهد الموظفين، وأجهد الموارد المالية المحلية، وبدا أنه يحبط محاولات مناقشة الانتقال المدروس.

ولفتت الصحيفة إلى عدم وجود خليفة محتمل لشي، وإلى احتمالية بقائه في السلطة لعقد آخر على الأقل. لكن الآثار الناتجة عن التغيير المفاجئ قد تغذي عدم الثقة في أسلوبه المستبد.

التداعيات الاقتصادية

قبل اندلاع الاحتجاجات نهاية نوفمبر الماضي، شهدت الصين تفشيًا كبيرًا لفيروس كورونا في أكثر من 200 مدينة. ووفق الصحيفة، تأثر الاقتصاد بشدة، لأن المستهلكين مكثوا في منازلهم، بسبب الإغلاق أو لتجنب الحجر الصحي بسبب المرور عبر بؤرة فيروسية.

وانخفضت مبيعات التجزئة 6% في نوفمبر مقارنة بالعام السابق، واستمرت أسعار المنازل في التراجع. وعلى الرغم من ادعاءات شي بأن قيود “كوفيد-19” ساعدت في حماية الاقتصاد والصحة في الصين، بدأت المحنة تُترجم إلى واحدة من أكبر مخاوف الحزب الحاكم، وهي الاضطرابات العمالية.

اشتباكات العمال مع الشرطة

في مدينة تشنجتشو، اشتبك آلاف العمال مع الشرطة في مصنع “فوكسكون” المُصنّع لهواتف “آيفون”، بسبب الغضب من تأخير دفع مستحقاتهم وطريقة التعامل مع تفشي الفيروس.

وفي مقاطعة هايتشو جنوبي الصين، المنتجة للنسيج، نزل العمال إلى الشوارع بسبب نقص الغذاء والمعاناة في ظل الإغلاق. لكن رغم كل الضغوط، أعلن المسؤولون المحليون تمسكهم باستراتيجية “صفر كوفيد”.

صفر كوفيد

اشتباكات العمال مع الشرطة في مصنع “فوكسكون”

تفكيك سياسة «صفر كوفيد»

مع ارتفاع الحالات، تصاعد الغضب الشعبي واندلعت أكبر احتجاجات شهدتها الصين منذ 1989. وبعدها بـ10 أيام أصدرت لجنة الصحة الوطنية مجموعة جديدة من القواعد التي تفكك سياسة “صفر كوفيد”.

وفي هذا الشأن، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، دالي يانج، الذي درس تعامل الصين مع الجائحة، إن جحم الاحتجاجات بدا أنه يرسل “رسالة قوية مفادها: طفح الكيل وحان وقت التغيير”.

تأثير الاحتجاجات

وفق تحليل لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، كانت الخسائر الاقتصادية، والعبء المالي، وطبيعة الفيروس شديد العدوى كلها عوامل استلزمت التحول، لكن الأمر تطلب انفجارًا غير مسبوق في المعارضة لحث الحكومة الصينية على تسريع العملية التي تأخرت كثيرًا.

وفي هذا السياق، قال الزميل المعني بالصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، يانشونج هوانج: “هذا يُظهر مدى أهمية هذه الاحتجاجات الشعبية في إقناع القائد الأعلى نفسه بأن الوقت حان للمضي قدمًا”.

غياب الاستعداد

نظرًا إلى هوس الحكومة الصينية بالسيطرة، من المدهش أنها لم تستعد جيدًا لهذا الخروج الجذري من السياسة، حسب “سي إن إن”. ولفت التحليل إلى أن الدولة فشلت في استعدادات مثل تعزيز معدل تلقيح المسنين، ورفع قدرة الرعاية المركزة في المشافي، وتخزين الأدوية المضادة للفيروسات.

صفر كوفيد

نفاد أدوية البرد والإنفلونزا من الصيدليات في الصين

ووفق “نيويورك تايمز”، يمكث معظم الناس في منازلهم في الوقت الحالي، إما بسبب الإصابة بكوفيد وإما خوفًا من التقاط العدوى. لكن إذا ارتفعت الوفيات ارتفاعًا حادًّا، قد يتجدد الغضب الشعبي، وقد تعرقل الإصابات الجديدة التعافي الاقتصادي السريع.

صمت الزعيم الصيني

في الوقت الحالي، يواصل شي التزام الصمت، وهو ما يفعله عادةً خلال أوقات عدم اليقين، مثلما فعل في الأيام الأولى من تفشي فيروس كورونا في ووهان، حسب تحليل “سي إن إن”.

وفي هذا الصدد، رأى خبير مجلس العلاقات الخارجية، أن الزعيم الصيني يُبعد نفسه مؤقتًا عن التحول عن سياسة “صفر كوفيد”. وقال هوانج: “لعله (شي) يريد تجنب توجيه الاتهامات إليه. إنه لا يريد ربط نفسه بإعادة الانفتاح المفاجئة، في حالة أدت إلى وفيات جماعية”.

ربما يعجبك أيضا