«خطة ماتي».. لماذا تهتم إيطاليا بالدول الإفريقية؟

آية سيد
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني

تظل قضية الهجرة عاملًا مهمًا في تفسير تركيز الحكومة الحالية في إيطاليا على إفريقيا.


توجه إيطاليا أنظارها مرة أخرى إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء باهتمام متجدد، بعدما استعادت المنطقة أهميتها لدى روما.

وفي هذا السياق، نشر المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية تحليلًا لمدير برنامج إفريقيا، جيوفاني كاربوني، يشدد فيه على ضرورة منح هذه المنطقة الجيوسياسية دورًا محوريًّا أكبر في السياسة الخارجية لإيطاليا.

إنعاش العلاقات

في صيف 2013، وجهت وزارة الخارجية الإيطالية بإجراء تحليل للسياسة الإيطالية في إفريقيا جنوب الصحراء، الذي أسهم في التفكير في مبادرات روما تجاه المنطقة، وكذلك في إعادة إطلاقها. ومن هذا المنطلق، بدأت سلسلة من الإجراءات الملموسة المبتكرة.

وأوضح كاربوني، في التحليل المنشور في 3 أغسطس 2023، أن هذه الإجراءات تراوحت من مبادرة إيطاليا-إفريقيا إلى البعثات الثنائية لرئيس الوزراء ماتيو رينزي إلى جنوب الصحراء الكبرى، وفتح 5 سفارات جديدة، والإصلاح المنتظر للتعاون الإنمائي، وبعثة عسكرية في النيجر، و3 مؤتمرات وزارية إيطالية إفريقية، والكثير غيرها.

ومثلت الفترة من 2013 إلى 2018، على وجه التحديد، بداية مرحلة جديدة استعادت فيها المنطقة أهميتها لدى روما بعد فترة طويلة من الانفصال.

التوجهات الحالية

لفت كاربوني إلى أن الزخم المبدئي ربما هدأ مع مرور السنوات، لكن الساحة اليوم ربما تكون مهيأة لدفعة جديدة من الديناميكية، مع وجود بعض التشابه في الأسباب. وفي 2013-2014، كانت إيطاليا تتطلع جنوبًا بحثًا عن متنفس للهرب من فترة طويلة من المصاعب الاقتصادية الخطيرة.

والسبب الثاني للتركيز على إفريقيا في تلك الفترة تمثل في “أزمة المهاجرين” في أوروبا في 2015-2016. ولأن معظم الوافدين إلى إيطاليا جاءوا من إفريقيا جنوب الصحراء، كان من الضروري أن تنخرط إيطاليا أكثر مع دول هذه المنطقة.

وعلى الرغم من أن الحاجة الاقتصادية المُلحة تراجعت الآن إلى الخلفية، تظل قضية الهجرة عاملًا مهمًا في تفسير تركيز الحكومة الإيطالية الحالية على إفريقيا. وإلى جانب هذا، ظهر عنصر جديد مرتبط بأمن الطاقة الذي تهدد بفعل الحرب في أوكرانيا وقطع الإمدادات الروسية.

اقرأ أيضًا| إنفوجراف| الوافدون إلى إيطاليا في يناير 2023

محور للطاقة

في سبتمبر 2022، قال رئيس الوزراء الإيطالي حينذاك، ماريو دراجي، إن الحرب في أوكرانيا “أعادت تشكيل جغرافيا الطاقة والإطار الجيوسياسي”، مضيفًا أن إيطاليا تتطلع إلى “بناء جسر باتجاه الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط، وباتجاه القارة الإفريقية بأكملها”.

وحسب التحليل، أعاد وزير الخارجية  الحالي، أنتونيو تاجاني، هذه الكلمات مؤخرًا عندما قال: “إيطاليا جسر طبيعي بين أوروبا وإفريقيا. ولهذا نريد أن نصبح محورًا للطاقة في المتوسط، عبر ربط إمدادات الطاقة الإفريقية بالطلب الأوروبي”.

اقرأ أيضًا| كيف تسهم إفريقيا في تحول الولايات المتحدة إلى الطاقة الخضراء؟

خطة ماتي

قال كاربوني في تحليله إن تقليل عدد المهاجرين وزيادة إمدادات الطاقة إلى إيطاليا هو هدف “خطة ماتي”، المبادرة التي أعلنت عنها رئيسة الوزراء الحالية، جورجيا ميلوني، والوزير تاجاني في عدة مناسبات، والمتوقع إطلاقها الخريف المقبل في المؤتمر الوزاري الرابع لمبادرة إيطاليا-إفريقيا.

واسم الخطة مستوحى من مؤسس شركة “إيني”، إنريكو ماتي، الذي كان مناصرًا للاتفاقيات الأكثر إنصافًا في توزيع أرباح الطاقة على الدول المستخرِجة الفقيرة ذات المواقف التفاوضية الضعيفة.

ولذلك ينبغي أن تروج الخطة لنموذج “غير افتراسي” للتعاون والنمو بين الاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية، وتسمح لروما بلعب دور استراتيجي في البحر المتوسط.

اقرأ أيضًا| هل تستطيع إفريقيا تعويض أوروبا عن إمدادات الطاقة الروسية؟

تفاصيل الخطة

حسب المحلل الإيطالي، لا توجد الكثير من التفاصيل المعلومة عن محتوى خطة ماتي في الوقت الحالي.

لكن تاجاني ربطها بدعم “القطاعات الاستراتيجية لإيطاليا مثل الصناعات الزراعية، والتحول في مجال الطاقة، وخلق الوظائف، وحماية التراث الثقافي والهوية، مع التشديد على أهمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.

خطة إيطالية أم أوروبية؟

تثير تلميحات ميلوني وتاجاني عن الخطة عددًا من التساؤلات، وفق كاربوني. ويتعلق السؤال الأول بما إذا كانت الخطة تمثل سياسة إيطالية أم سياسة خاصة بالاتحاد الأوروبي.

وإذا كانت الخطة تمثل سياسة إيطالية، يصبح السؤال الثاني هو ما نوعية وقدر الموارد التي ستخصصها الحكومة للتعاون والاستثمار في إفريقيا.

وإذا كانت الخطة تطمح في أن تصبح ذات نطاق أوروبي، مثلما ألمحت الحكومة، فالسؤال هو ما إذا كانت المبادرة الإيطالية تستطيع حشد الدعم وخلق زخم جديد في أوروبا، خاصة أن الاتحاد الأوروبي أطلق حزمة الاستثمار الإفريقية الأوروبية العام الماضي، ولن يكون سهلًا على بروكسل الشروع في التزامات ومبادرات جديدة.

زعزعة الثقة

أما السؤال الأخير فيتعلق بالوعود التي يقطعها الأوروبيون للأفارقة، مثل حزمة الاستثمار الأوروبية، وخطة ماتي الإيطالية.

وقال كاربوني إن المفارقة تكمن في أن هذه التعهدات، التي تهدف نظريًا إلى استعادة المصداقية في إفريقيا، عندما تفشل في التحقق، فإنها تسهم بنحو متزايد في تدهور ثقة الأفارقة في الأوروبيين، ما يؤجج الاستياء المتنامي من الغرب، وهو ما أصبحت حكومات ومواطنو دول المنطقة يعربون عنه بنحو متزايد.

ربما يعجبك أيضا