صعود القوى الوسطى.. منافسة أمريكا والصين تشكل نظامًا جيوسياسيًّا جديدًا

آية سيد
صعود القوى الوسطى.. منافسة أمريكا والصين تشكل نظامًا جيوسياسيًا جديدًا

أذنت المواجهة بين الولايات المتحدة والصين ببدء عصر جديد من الفرص لدول العالم، وسمحت بصعود القوى الوسطى.


نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تقريرًا يتناول ملامح تشكل نظام جيوسياسي جديد.

ولفتت الصحيفة، في تقريرها المنشور أمس الاثنين 21 أغسطس 2023، إلى أن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين أذنت ببدء عصر جديد من الفرص لدول العالم، وسمحت بصعود القوى الوسطى.

تحالفات انتقائية

أشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه مع اختفاء عصر ما بعد الحرب الباردة، عندما كانت أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة، يتحول العصر القديم، عندما كان يتحتم على الدول الاختيار من قائمة تحالفات ثابتة، إلى نظام أكثر سيولة.

والمواجهة بين واشنطن وبكين، وتخلي الغرب عن حلمه القديم بأن الأسواق الحرة ستؤدي إلى نسخة أكثر تحررًا من الحزب الشيوعي الصيني، يقدمون فرصة لمعظم دول العالم، ليس فقط لاستمالتهم، بل أيضًا لتحريضهم ضد بعضهم البعض، والكثير من الدول تفعل ذلك بخفة ومهارة متزايدة.

تعدد الانحيازات

استخدمت فاينانشال تايمز كينيا كمثال لتوضيح التغييرات التي تعيد تشكيل النظام العالمي. فعلى مدار الصيف الحالي، استقبلت كينيا  مسؤولين أمريكيين، وروس، وأوروبيين، وصينيين وإيرانيين. وأجرت تدريبات عسكرية مع الهند وبريطانيا.

وقال محلل الاستثمارات المقيم في كاب تاون، الذي كرس حياته المهنية لتتبع الأسواق الناشئة، مايكل باور: “بالنسبة لكينيا والدول الأخرى، فهي ليست مسألة اختيار جانب. إنها مسألة اختيار الجميع”.

وأضاف: “لا ينبغي أن نتحدث عن حركة عدم الانحياز”، في إشارة إلى مجموعة الدول الإفريقية والآسيوية واللاتينية التي تشكلت أثناء الحرب الباردة وأعلنت حيادها في المنافسة بين الغرب والاتحاد السوفيتي، “بل عن حركة الانحيازات المتعددة”.

بداية الظاهرة

أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الجولة الأولى من هذه الظاهرة بدأت منذ 15 عامًا عندما أعربت مجموعة الـ20 عن صوتها ودورها في تعزيز الاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية، ما وصفه المعلق السياسي، فريد زكريا، بـ”صعود البقية”، في مقال في 2008.

لكن الآن، في ظل الخلاف بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت مجموعة الـ20 أكثر انقسامًا وأقل فاعلية، وبدأ عصر جديد يتسم بمزيد من الانتهازية.

وفي هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي لشركة “ماكرو أدفايزوري بارتنرز” للاستشارات، نادر موسفيزاده: “حقيقة أن العلاقة بين واشنطن وبكين أصبحت عدائية وليست تنافسية فتحت المجال للاعبين الآخرين كي ينمّوا علاقات ثنائية أكثر فاعلية مع كل من القوتين العظمتين، وينمّوا علاقات استراتيجية أعمق مع بعضهم البعض”.

عصر القوى الوسطى

يرى أحد صناع السياسة الغربيين، المطلع على التفكير في الغرب والصين، الأمر على أنه “تحول يحدث مرة واحدة في الجيل”. وحسب فاينانشال تايمز، يتحدث الدبلوماسيون الغربيون عن عصر “المترددين” و”الدول المتأرجحة”.

أما بالنسبة لعالم السياسة، إيفان كراستيف، فإنه عصر القوى الوسطى. ويشدد كراستيف على أن كلمة “الوسطى” تشير إلى موقف هذه الدول، بين الولايات المتحدة والصين، وليس إلى ثقلها.

وتجمع رؤيته مجموعة من الدول غير الوسطى بوضوح، منها الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة مثل السعودية وتركيا وإسرائيل وألمانيا، وكذلك دول الجنوب العالمي، مثل إندونيسيا والهند.

اقرأ أيضًا| ما دور القوى الوسطى في الحفاظ على النظام العالمي الليبرالي؟

مجموعة بريكس

لفتت فاينانشال تايمز إلى أن هذا المشهد الجديد يفيد دول الجنوب العالمي، التي ستظهر طموحاتها في قمة دول مجموعة بريكس بجنوب إفريقيا. وتجمع دول بريكس الزخم، وينظر البعض إلى قمتها الحالية على أنها قد تكون مكافئة لمؤتمر باندونج لعام 1955، الذي أطلق حركة عدم الانحياز.

ويتصدر أجندة القمة بحث طلبات 22 دولة الانضمام إلى المجموعة. وتشمل هذه الدول أنصار أيديولوجية الجنوب العالمي، مثل فنزويلا وفيتنام، ودول شرق أوسطية مثل السعودية والإمارات وإيران، ومراكز قوة من مناطق أخرى، مثل إندونيسيا ونيجيريا والمكسيك. وإذا انضمت كل هذه الدول، ستمثل بريكس 45% من الاقتصاد العالمي.

مساحة للمناورة

تقدم قمة بريكس مساحة جديدة للمناورة, حسب فاينانشال تايمز. ولفهم هذه الظاهرة الجديدة، رأى كراستيف أن الحديث عن ظهور حرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين مضلل. وقال: “لا تركزوا على المنافسة بين أمريكا والصين، لأنهما لن يستطيعا تقسيم العالم مثلما فعلت روسيا وأمريكا في الحرب الباردة”.

وأضاف أن “القوى الوسطى قد لا تكون كبيرة أو قوية بما يكفي لتشكيل النظام الدولي، لكن طموحها هو أن تزيد أهميتها. ونشاطها الزائد سيجعلها غير قابلة للتبنؤ”.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن موقف تركيا من الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك تجاه انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يقدم مثالًا على عدم قابلية التنبؤ.

جدل التوسع

ترغب الصين في أن تصبح القائد الفعلي للعالم النامي. وفي هذا الشأن، قال الوزير البريطاني السابق، ونائب رئيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية للسياسات والاستراتيجيات، السير داني ألكسندر، إن الصين ترى نفسها القائد الطبيعي للجنوب العالمي.

وبالنسبة لبكين، فإن مجموعة بريكس المعززة ستكون ثقلًا موازنًا لمجموعة الـ20، على الرغم من أن بعض اللاعبين الكبار في قمة بريكس، تحديدًا الهند، لا يرغبون في أن تتحول المجموعة إلى “نادٍ” صيني. وأشارت الصحيفة إلى أن البرازيل أيضًا تقلق من تداعيات توسع البريكس.

التخلص من هيمنة الدولار

يعتقد معظم المشاركين في قمة بريكس أن الوقت قد حان لتغيير النظام الاقتصادي العالمي الذي يميل لصالح الغرب, وفق فاينانشال تايمز. ويعتقد مدير شركة “إكس أونو بلوريس” للاستشارات الاقتصادية، زولتان بوزار، أن النظام وصل إلى نقطة تحول. وقال: “يعيد الشرق والجنوب العالميان التفاوض على النظام العالمي”.

وإضافة إلى هذا، تشارك بعض “القوى الوسطى”، القلقة من الصين، مخاوف بكين بشأن تسليح واشنطن للعقوبات المالية. وظهر هذا عند تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي، الذي شدد مجددًا على قوة الدولار الأمريكي.

وقال موسفيزاده: “فكر البعض في أنه يجب فعل ما يتطلبه الأمر لتجنب تجميد احتياطيات بهذا الحجم في المستقبل. وكان هذا هو رد (رئيس وزراء الهند ناريندرا) مودي والكثير من حكومات القوى الوسطى”.

اقرأ أيضًا| عملة «بريكس» المحتملة.. هل يحظى الدولار بمنافس جديد؟

موقف ألمانيا

في واشنطن وعواصم أوروبا الغربية، يركز المسؤولون على صعود القوى الوسطى والحاجة إلى إعادة تقييم نظرتهم العالمية. ويفترض مسؤولون ألمان أنه يجب اعتبار ألمانيا أيضًا قوة وسطى.

ووفق فاينانشال تايمز، قال أحد المسؤولين: “إن فكرتنا الواضحة هي أن العالم يجب أن يصبح متعدد الأقطاب. ومهمة ألمانيا قد تكون أكبر في الوسط”.

ربما يعجبك أيضا