«فورين أفيرز»: برمجيات التجسس تهدد الديمقراطية بأنحاء العالم

آية سيد
برمجيات التجسس تهدد الديمقراطية حول العالم

تلجأ الحكومات إلى تعهيد أعمال المراقبة والتجسس إلى جهات فاعلة خاصة مجهزة بنحو أفضل، ما أدى إلى ظهور صناعة "برمجيات التجسس المأجورة".


حذر أستاذ العلوم السياسية بجامعة تورنتو الكندية، رونالد ديبرت، من أن برمجيات التجسس أصبحت أداة مراقبة رقمية تهدد الديمقراطية بأنحاء العالم.

وفي مقال بمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، أوضح ديبرت أن الحكومات الاستبدادية والديمقراطية، على حد سواء، تلجأ إلى استخدام برمجيات التجسس، مثل “بيجاسوس” الذي يسمح باختراق الهواتف الذكية عبر تقنية “النقرة الصفرية”.

تحول في عالم التجسس

أدى ظهور برمجيات التجسس المتطورة إلى تحول في عالم المراقبة. وحسب ديبرت، تستطيع تكنولوجيا التجسس الحديثة تعقب أي شخص في أي مكان بالعالم، من خلال الجمع بين صناعة غير منظمة إلى حد كبير، ونظام إيكولوجي رقمي، تحتوي فيه الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى على أدق تفاصيل الحياة الشخصية.

ومنح بيع “بيجاسوس”، الذي تنتجه “إن إس أو جروب”، للحكومات الأجنبية إسرائيل نفوذًا دبلوماسيًّا في العديد من الدول، مثل الهند وبنما. وفي المقابل، استخدمت الدول البرنامج ليس فقط ضد جماعات المعارضة والصحفيين والمنظمات غير الحكومية، بل ضد الخصوم الجيوسياسيين أيضًا.

عملاء «بيجاسوس»

في 2020 و2021، اكتشفت “سيتيزن لاب”، وهي مجموعة بحثية معنية بالأمن الرقمي يرأسها ديبرت، أن هواتف العديد من مسؤولي وزارة الخارجية البريطانية تعرضت للاختراق باستخدام “بيجاسوس”. وفي نوفمبر 2021، أخطرت شركة “آبل” 11 موظفًا بالسفارة الأمريكية في أوغندا باختراق هواتفهم “آيفون” باستخدام البرنامج نفسه.

واكتشفت المجموعة البحثية أيضًا أن حكومة رواندا استخدمت “بيجاسوس” للقبض على زعيم المعارضة البارز، بول روسيساباجينا، في أغسطس 2020، عبر اختراق هواتف أفراد عائلته.

وكشف تقرير لـ”نيويورك تايمز“، في نوفمبر 2022، عن حصول مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) على برمجية الشركة الإسرائيلية لأغراض مكافحة التجسس، والتفكير في استخدامها ضد أهداف أمريكية. إلا أن شركات البرمجيات تنفي مسؤوليتها عن انتهاكات عملائها، أو ترفض التعليق، حسب ما ذكر ديبرت في مقاله.

أسباب الازدهار 

ظهرت الثورة في برمجيات التجسس كناتج ثانوي للتطورات التكنولوجية والاجتماعية والسياسية، على مدار العقد الماضي. والهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى عُرضة للمراقبة، لأن تطبيقاتها بها ثغرات في أكثر الأحيان، ولأنها تنقل البيانات عبر شبكات غير مؤمنة. لكن نمو سوق برمجيات التجسس كان مدفوعًا باتجاهات أوسع، وفق ديبرت.

تستفيد برمجيات التجسس من الثقافة الرقمية العالمية، القائمة على الاستخدام المتواصل للهواتف الذكية، التي يمكن اختراقها معرفة نمط حياة المستخدم في الزمن الفعلي. وتقدم هذه البرمجيات للوكالات الأمنية وسيلة أنيقة للتحايل على التشفير بين الطرفين، الذي أصبح حاجزًا أمام برامج المراقبة الجماعية الحكومية.

مراقبة المعارضة

العامل الحاسم وراء ازدهار سوق برمجيات التجسس هو ظهور الحركات الاحتجاجية، التي تستخدم الوسائل الرقمية، مثل الثورات الملونة بالجمهوريات السوفيتية السابقة، وثورات الربيع العربي، التي فاجأت الحكومات، واستخدم المتظاهرون فيها هواتفهم للحشد. وتقدم هذه البرمجيات طريقة جديدة وقوية لمراقبة المعارضين، واستباق مثل تلك الاحتجاجات.

وعززت الخصخصة المتزايدة للأمن القومي صناعة برمجيات التجسس. ووفق ديبرت، تلجأ الحكومات إلى تعهيد أعمال المراقبة والتجسس إلى جهات فاعلة خاصة مجهزة بنحو أفضل، ما أدى إلى ظهور صناعة “برمجيات التجسس المأجورة”. ويقدّر الصحفيون قيمة هذه الصناعة بـ12 مليار دولار سنويًّا.

وعدّد أستاذ العلوم السياسية الكثير من الشركات المنتجة لبرمجيات التجسس المتطورة، مثل “سايتروكس”، التي تأسست في مقدونيا الشمالية، وتعمل الآن في المجر وإسرائيل، و”سايبربت” و”كانديرو” في إسرائيل، و”جاما جروب” الأنجلو ألمانية. وإضافة إلى هذا، توجد بعض الشركات الأقل تطورًا في الهند والفلبين وقبرص.

تقويض الديمقراطية

في ظل صعود الأنظمة الاستبدادية بمناطق متعددة من العالم، لعبت صناعة برمجيات التجسس دورًا كبيرًا في تقويض الممارسات والمؤسسات الديمقراطية الليبرالية، وفق ديبرت، الذي وأوضح أن الحكومات تستخدم تلك البرمجيات لاختراق حركات المعارضة، خاصة في فترة ما قبل الانتخابات، في الدول الاستبدادية وكذلك الديمقراطية، مثل الهند وبولندا.

وكشفت “سيتيزن لاب” أنه في الفترة من 2017 حتى 2020، استخدمت إسبانيا “بيجاسوس” للتجسس على المعارضين الكتالونيين المؤيدين للانفصال. وأضافت أن بعض الدول تستخدم البرنامج لاستهداف صحفيين ورجال قضاء، ومنظمات مجتمع مدني، وجماعات حقوقية، ومحامين يتولون قضايا حساسة سياسيًّا، ومعارضين بالخارج.

مواجهة التهديد

ذكر ديبرت أن بعض الحكومات تحاول التصدي لتهديد برمجيات التجسس. وفي أوروبا والولايات المتحدة، عُقدت جلسات استماع بشأن هذه البرمجيات، وبدأت الوكالات الحكومية استحداث سياسات جديدة للحدّ من استخدامها. ووضعت وزارة التجارة الأمريكية شركتي “إن إس أو” و”كانديرو” وغيرهما على قائمتها السوداء، لتقييد وصولها إلى المنتجات والتكنولوجيا الأمريكية.

وأقامت “ميتا”، المالكة لفيسبوك، و”آبل” دعاوى قضائية ضد “إن إس أو” أمام المحاكم الأمريكية، وأخطرت الضحايا، الذين تعرضت هواتفهم للاختراق، ودعمت مجموعات المراقبة، التابعة للمجتمع المدني. وتبرعت “آبل” بـ10 ملايين دولار لأبحاث المراقبة السيبرانية، وتعهدت بفعل الشيء نفسه مع أي تعويضات تحصل عليها في قضيتها ضد “إن إس أو”.

نهج شامل

قال ديبرت إن كبح برمجيات التجسس المأجورة يتطلب نهجًا شاملًا. وأوضح أن الشركات ستحتاج إلى تكريس المزيد من الموارد لتحديد تلك البرمجيات واستئصالها، وضمان أن خدماتها مؤمنة ضد الاستغلال. وستحتاج الحكومات إلى تبني إطار تنظيمي قوي لاستخدام هذه البرمجيات.

لكن، حسب ديبرت، قد يتطلب تنظيم الصناعة سن مجموعة معقدة من القوانين، التي تخاطب جوانب مختلفة من سوق برمجيات التجسس. وهذه الجهود يمكن تعزيزها على المستوى الدولي عبر تطوير نظام عالمي للرقابة على تلك البرمجيات.

وحذر أستاذ العلوم السياسية من أنه حال استمرار استخدام برمجيات التجسس دون ضوابط، ستصبح المخاطر على الديمقراطية حادة. وإذا استطاعت النخبة في أي دولة استخدام هذه التكنولوجيا لإسكات المعارضين، وتقويض الصحافة المستقلة والمساءلة، سيتهدد أمن القيم التي يقوم عليها النظام الدولي الليبرالي.

ربما يعجبك أيضا