«فورين أفيرز»: دول البريكس تسعى لتدمير الدولار.. هل تتراجع هيمنته العالمية؟

شروق صبري
الدولار

تمثل منافسة القوة العظمى مخاطر جدية على هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.. فما مستقبل العملة الأمريكية؟


قدرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن القوة المالية للولايات المتحدة صارت في موضع حرج، في عصر منافسة القوى العظمى.

ونوهت المجلة بتوقعات تشير إلى تراجع هيمنة الدولار في ظل القوى الجيوسياسية التي تهدد بإضعاف مكانته الأولى في التسلسل الهرمي للعملات، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فما مستقبل العملة الأقوى في الاقتصاد العالمي؟

تقليل الاعتماد على الدولار

حسب تقرير نشرته أستاذة العلوم السياسية بجامعة تورنتو، كارلا نورلوف، بمجلة “فورين أفيرز”، تنذر الصراعات الجيوسياسية بين الحلفاء والأعداء، والدول الليبرالية وغير الليبرالية، بمخاطر كبيرة على الدولار.

ودفعت العقوبات الأمريكية على موسكو، ردًّا على الحرب الروسية الأوكرانية، بعض الدول إلى تقليل اعتمادها على الدولار، ما يهدد بتراجع هيمنته. 

«إنهاء هيمنة الدولار» غير متوقعة 

ترى كارلا نورلوف أنه إذا أصبح نظام العملة متعدد الأقطاب، فسوف تنحسر الامتيازات النقدية الأمريكية، وكذلك سيتقلص التأثير الاقتصادي العالمي للولايات المتحدة، وقدرتها على استخدام الدولار، لكن حفاظها على قواتها العسكرية وقيادة النظام الدولي، يجعل موقفها الاقتصادي أقوى.

وتعتقد أستاذة العلوم السياسية أنه رغم ظهور اقتصاد عالمي أكثر تجزئة، لا تزال الشراكات الأمنية هي التي تحدد العلاقات الاقتصادية، وبالتالي ليس من الراجح إنهاء هيمنة الدولار، لأن الدول المشاركة في العقوبات ضد روسيا، هي نفسها المستفيدة من الولايات المتحدة، وليس أمامها خيار سوى التعامل بالدولار.

HdMOm

مناخ جيوسياسي مضطرب

تدلل نورلوف على عدم تراجع مكانة الدولار، بأن النظام الدولي الليبرالي ليس له أي خطط للتنويع بعيدًا عن الدولار، وأن الدول التي تعارض العقوبات الغربية على موسكو ستلتزم بالدولار للحفاظ على ضماناتها الأمنية لدى الولايات المتحدة، في ظل المناخ الجيوسياسي المضطرب.

ومع وجود الولايات المتحدة في مركز أكبر شبكة أمنية في العالم، سيستفيد الدولار من هذا التحول، حتى عند مقارنته بعملات المنافسين الجيوسياسيين، حسب نولالوف.

التشاؤم بشأن مستقبل الدولار 

تشير نورلوف إلى أن الدولار هو العملة المفضلة للحكومات، ويمثل نحو 60% من احتياطات البنك المركزي في أواخر عام 2022، مقارنة بـ20% للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) و6% للين الياباني، ويمثل الجنيه الاسترليني واليوان الصيني والدولار الكندي والأسترالي أقل من 5%.  

ومع ذلك، لا يزال التشاؤم بشأن مستقبل الدولار سائدًا، وحذرت الكاتبة رنا فروهر في صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية من “عالم ما بعد الدولار”. ويرى زميلها مارتن وولف أن هيمنة الدولار لن تدوم، وسوف تفسح العملة الأمريكية المجال لنظام نقدي دولي ثنائي القطب، تكون الولايات المتحدة أحد طرفيه، والصين الطرف الآخر.

نظام عملات مجزأ متعدد الأقطاب

من ناحيتها، رأت نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث، أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدول تؤدي إلى نظام عملات مجزأ متعدد الأقطاب، لكن يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تصميم عقوبات بطريقة تمنع نظام العملة أحادية القطب من التآكل.

وفي هذا الصدد، تشكك البنوك الكبرى في احتمالات استمرار هيمنة الدولار. وحذر بنك جولدمان ساكس العام الماضي، من أن الدولار قد يتبع مصير الجنيه الإسترليني، ويصبح عملة من الدرجة الثانية. 

429 98f44a913b

التخلي عن الدولار في المعاملات

حسب نورلوف، لا يزال الدولار هو العملة المفضلة للحكومات والشركات والمؤسسات المالية، لإجراء التجارة والاستثمار، ولكن التبادل عبر الحدود بالعملات البديلة يتقدم أيضًا.

وتشير أستاذة العلوم السياسية إلى أن النفط هو أحد منتجات التصدير الرائدة في العالم، وأن استخدام الدولار لدفع ثمن النفط، مهم في الحفاظ على دور الدولار كعملة افتراضية للمدفوعات الدولية. لكن تحاول الصين وروسيا ودول في الشرق الأوسط وجنوب آسيا الابتعاد عن تسوية النفط بالدولار.

عملات بديلة للدولار

تعمل الصين وروسيا على الترويج لعملتيهما الوطنيتين في تجارة النفط . وتضع الصين والمملكة العربية السعودية فواتير النفط، بالعملة الصينية (الرنمينبي)، وتدرس روسيا والهند استخدام عملة الإمارات العربية المتحدة (الدرهم) لتسوية صفقات نفطية بينهما. وتنوي روسيا وإيران استخدام عملة مستقرة مدعومة بالذهب للمدفوعات الدولية.

وحسب نورلوف، سينخفض دور الدولار إذا أصر منتجو النفط على تسوية المعاملات النفطية بالرنمينبي الصيني، أو الروبل الروسي، أو الروبية الهندية، أو الدرهم الإماراتي، أو العملات المستقرة المدعومة بعملة غير الدولار.

تدمير الدولار

أشارت نورلوف إلى أن دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ناقشت الجهود المشتركة لتدمير الدولار، وبحثت معًا إصدار عملة احتياطية مشتركة لتجاوز الدولار والعملات الغربية الرئيسة الأخرى.

وتستند العملة المشتركة إلى أحد عملات البريكس، وستكون بمثابة بديل لعملات صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من إحراز تقدم ضئيل منذ إعلان هذه الخطوة في يونيو 2022، وافقت الصين والهند وروسيا على توسيع التجارة وتعزيز عملاتها الوطنية في المدفوعات الدولية، في قمة سبتمبر لمنظمة شنغهاي للتعاون.

عملات صاعدة

تعتقد نورلوف أن استخدام الرنمينبي (عملة الجزء القاري من جمهورية الصين الشعبية) في تجارة النفط بين الدول التي لا تشارك فيها الصين، سيرفع أهمية الرنمينبي كعملة دولية. وتعتبر الروبية الهندية من المنافسين الأكثر ترجيحًا كعملة دولية، ولكن استخدامها مقصور حتى الآن على التجارة الثنائية.

وبالمثل، سيزيد استخدام الدرهم الإماراتي من دوره الدولي، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يصبح عملة دولية رئيسة. ومع استخدام الروبل أيضًا في التجارة الثنائية، من غير المرجح أن ينضم إلى العملات الرئيسة هو الآخر. 

وفي الختام، ترى نورلوف أنه حتى مع استخدام هذه العملات بالأساس في التجارة الثنائية، سيكون الدولار حاضرًا أيضًا ولكن بقدر أقل نسبيًّا، ما يقوض مكانته.

ربما يعجبك أيضا