كتاب جديد: كيف تؤثر العوامل الداخلية في سياسة الهند الخارجية؟

آية سيد
رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي

يطرح الكتاب الجديد تحليلًا لمدى تأثير السياسة الداخلية للهند في سياستها الخارجية والأمنية.


استعرضت مجلة فورين بوليسي الأمريكية كتاب عالم السياسة الهندي، راجيش بسرور، بعنوان “انحراف شبه قاري: السياسة الداخلية وسياسة الهند الخارجية”.

ووفق الزميل الزائر بمؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد الأمريكية، سوميت جانجولي، يطرح الكتاب، الذي يحمل عنوان Subcontinental Drift: Domestic Politics and India’s Foreign Policy تحليلًا لمدى تأثير السياسة الداخلية للهند في سياستها الخارجية والأمنية.

نهج جديد

يتبع بسرور، في تحليله، نهج الواقعية الكلاسيكية الجديدة، الذي يدمج العوامل الداخلية لتفسير السياسات الخارجية والأمنية للدول، على عكس الواقعية الهيكلية، التي تتغاضى عن الخصائص الداخلية، مقابل التركيز على توزيع السلطة.

وحسب الكاتب، يزعم أتباع نهج الواقعية الكلاسيكية الجديدة أن عوامل، مثل كفاءة مؤسسات الدولة، تساهم في تشكيل ردودها على التهديدات الخارجية، أو التحولات الوشيكة في توازن القوى.

ومن هذا المنظور، قال بسرور إنه على الرغم من هدف الهند باكتساب مكانة القوة العظمى، فإن طموحاتها تعثرت، حتى الآن، بسبب ما يُسمى بـ”انحراف السياسة”، عندما تعيق عوامل، مثل الاستقطاب السياسي، المتابعة الهادفة للسياسة.

اتخاذ القرار

سلط النهج، الذي يتبعه بسرور، الضوء على كيف أن السمات المتفشية للنظام السياسي الهندي اعترضت طريق عملية اتخاذ القرار، لأن التركيز الأحادي على البيئة الخارجية للهند، لا يفسر خياراتها بنحو ملائم.

ويقول تقرير فورين بوليسي إن عالم السياسة الهندي، باتباعه لنهج الواقعية الكلاسيكية الجديدة في تحليله، أوضح أنه إذا لم يسخّر القادة السياسيون الهنود القوى الداخلية باتجاه تطلعاتهم، للعب دور أكبر في آسيا وما ورائها، سيظلون عاجزين.

تأثير السياسة الداخلية

يستعين بسرور بـ4 حالات لتوضيح كيف تؤثر سمات السياسة الداخلية الهندية في ردود نيودلهي على تحديات السياسة الخارجية. وهذه الحالات هي الاتفاقية النووية المدنية مع الولايات المتحدة، ودور الهند في الحرب الأهلية السريلانكية، واستراتيجيتها النووية، وردها على الإرهاب العابر للحدود من باكستان.

ويلفت عالم السياسة الهندي، في كتابه، إلى أنه في كل واحدة من هذه الحالات، رد صناع السياسة الهنود على التغييرات والتهديدات الخارجية، لكن تطبيق هذه الخيارات السياسية كان عشوائيًّا، في أكثر الأحيان، بسبب الديناميكيات الداخلية، موضحًا أن رد نيودلهي البطيء في الحالات السابقة، عكس الانحراف السياسي، والعجز عن التغلب على العقبات الداخلية والتطبيق السريع للسياسة.

عقبات داخلية

استعرض بسرور الاتفاقية النووية المدنية الأمريكية الهندية، التي أُبرمت عام 2008، وفصلت المفاعلات النووية المدنية والعسكرية الهندية، ووضعت الأولى تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال إنه على الرغم من أن الاتفاقية أضفت الشرعية على برنامج الأسلحة النووية السري للهند، وقدمت لنيودلهي منافع استراتيجية واضحة، فإن المفاوضات سرعان ما أصبحت غارقة في السياسة الداخلية، لأنها واجهت معارضة من حزب بهاراتيا جاناتا اليميني، الذي أمل إحراز نقاط سياسية ضد الحكومة الائتلافية.

وفي النهاية، اتبع رئيس الوزراء حينها، مانموهان سينج، استراتيجية تفاوض مزدوجة لإبرام الاتفاقية، واحدة مع الأطراف المحلية والأخرى مع الولايات المتحدة. ويشير عالم السياسة الهندي إلى أن هذه الحالة تُعد انحرافًا سياسيًا غير طوعي.

الحرب الأهلية السريلانكية

الحالة الثانية، التي استعرضها بسرور، هي تدخل نيودلهي في الحرب الأهلية السريلانكية، تحت إطار الاتفاقية الهندية السريلانكية لعام 1987. حين تدخل رئيس الوزراء آنذاك، راجيف غاندي، لأن الهند كانت قلقة بشأن تقارب سريلانكا من الولايات المتحدة وغيرها من القوى الخارجية.

وبموجب الاتفاقية، أرسلت نيودلهي قوة حفظ سلام، لنزع سلاح منظمة “نمور التاميل” الانفصالية. ويوضح عالم السياسة الهندي أن هذا التدخل انحرف عن مساره منذ البداية، لأن الحركة الانفصالية عادت سريعًا إلى ميدان المعركة، ما كان له عواقب وخيمة على قوات حفظ السلام الهندية.

وكذلك راودت الشكوك حكومة ولاية تاميل نادو الهندية، موطن نحو 60 مليون تاميلي، بشأن سياسات نيودلهي تجاه التامليين السريلانكيين، وولّدت العداء تجاه الهند في سريلانكا، ما أتاح للصين كسب موطئ قدم في الدولة.

الإرهاب العابر للحدود

ناقش عالم السياسة الهندي عجز نيودلهي عن صياغة سياسة متماسكة، لمعالجة رعاية باكستان المستمرة للجماعات الإرهابية، التي تُحدث الفوضى في الأراضي الهندية، كحالة للانحراف السياسي غير الطوعي. وأوضح أن الهند عجزت عن صياغة سياسة “الردع من خلال المنع”، أو إقامة حواجز تصعّب على الخصوم إلحاق الضرر بها.

وركز بسرور على الهجوم الإرهابي في مومباي عام 2008، الذي تبنته جماعة “عسكر طيبة”. ويقول إن تداخل الاختصاصات القضائية بين أجهزة الأمن والاستخبارات، إلى جانب غياب التنسيق والتخطيط للطوارئ، أدوا لفشل الاستراتيجية الهندية في درء الهجوم.

الحاجة إلى الإصلاحات

تنشأ معظم أمثلة انحراف السياسة، التي استشهد بها بسرور، من المطالب التي تواجهها الحكومات الائتلافية الفوضوية، التي تتعامل مع حلفاء منقسمين. وعلى النقيض، يتمتع رئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي، وحزبه بأغلبية كبيرة في البرلمان.

لكن صنع قرارات السياسة الخارجية للحكومة الحالية أظهر انحرافًا سياسيًّا مشابهًا، وفق بسرور، بداية من ما وصفه بالرد الواهن على التهديد الأمني للصين على الحدود، إلى عجزها عن صياغة دور واضح لها في الحوار الأمني الرباعي (كواد)، مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان.

وأشار الكتاب إلى أنه إذا لم يعالج صناع السياسة الهنود العقبات الهيكلية القديمة عبر الإصلاحات البيروقراطية، ويحسنوا التنسيق السياسي في القضايا الوطنية، ويعالجوا مسألة تداخل الاختصاصات التنظيمية، سيستمر انحراف السياسة في إحباط تطلعات الهند لتصبح قائدًا عالميًّا.

ربما يعجبك أيضا