كيف تسبب الغرب في زيادة تأزم الموقف الأمني بالبلقان؟

محمد النحاس

كان "استرضاء" القوى الغربية لبلجراد سببًا في تعريض كوسوفو للخطر، بل وأيضًا الدول المجاورة مثل البوسنة والجبل الأسود، حيث يشكل التطرف القومي الصربي، الذي تدعمه صربيا أيضًا، التهديد الرئيس للأمن الداخلي بهذه المنطقة.


اندلعت نهاية الأسبوع الماضي اشتباكات في كوسوفو بين مجموعة تتألف من 30 مسلحًا صربيًّا وبين سلطات كوسوفو الأمنية.

وفي مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، وصفت الحادثة الأمنية بأخطر تطور في منطقة غرب البلقان منذ أكثر من عقد الزمان، وقال سفير الولايات المتحدة لدى بريشتينا، جيفري إم هوفينير، عن الهجوم في ما بعد: “نعلم أنه كان منسقًا”.

دور صربيا

أضاف سفير الولايات المتحدة أن كمية الأسلحة تشير إلى أن الهجوم كان خطيرًا، مع وجود خطة لزعزعة استقرار الأمن في المنطقة.

وترى سلطات كوسوفو أن اللائمة تقع على حكومة صربيا، ورئيسها ألكسندر فوتشيتش في التطورات الأمنية الأخيرة، وفي الساعات التي تلت المناوشات بين المسلحين والشرطة، والتي نجم عنها مقتل 3 مهاجمين، نشر مكتب رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، صورًا للمخبأ الكبير للأسلحة والذخائر التي جرى الاستيلاء عليها.

اقرأ أيضًا|أوروبا في مواجهة روسيا.. هل تستطيع القارة العجوز تهدئة البلقان؟

وكتب على مواقع التواصل الاجتماعي: “لم يتصرف الجناة بمفردهم، بل بدعم من الدولة”، مضيفًا: “يجب أن تتحمل صربيا المسؤولية الكاملة عن رعاية العنف الإرهابي على أراضي كوسوفو”، حسب مقال الجارديان المنشور الجمعة 29 سبتمبر 2023.

صربيا نقطة انطلاق للمسلحين؟

بطبيعة الحال، تنكر صربيا من جانبها هذه الاتهامات، وردت بادعاءات موجهة إلى كورتي وحكومته بشأن اضطهادهم المزعوم لصرب كوسوفو، وعلى الرغم من ذلك أعلنت حكومة الرئيس الصربي، فوتشيتش فورًا يوم حداد وطني، وأشادت وسائل الإعلام التابعة للنظام المهاجمين القتلى واصفةً إياهم بـ “شهداء قضية القومية الصربية” حسب ما نقل مقال الجارديان.

اقرأ أيضًا| المركز الأوروبي يناقش مصادر تهديد الأمن القومي في دول البلقان

وحسب المقال، يُزعم أن أراضي صربيا جرى استخدامها كنقطة انطلاق للمسلحين، الذين لهم صلات وعلاقات وثيقة مع الرئيس الصربي فوتشيتش ودائرته الداخلية، على سبيل المثال، أظهرت لقطات الطائرات المسيرة التابعة لشرطة كوسوفو نائب رئيس الحزب الصربي الرئيسي في كوسوفو، “صربسكا ليستا” أنه كان بين المهاجمين.

وصربسكا ليستا هو حزب يُنظر إليه على أنه تابع لنظام بلغراد، ويُزعم أن أحد المهاجمين الآخرين كان سابقًا الحارس الشخصي السابق لرئيس المخابرات الصربية (الخاضع للعقوبات الأمريكية)، حسب مقال الجارديان.

توترات غير مسبوقة

لا تزال كوسوفو تستضيف قوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي، وقوامها 4500 جندي يشاركون بقدر وثيق في أعمال الشرطة المحلية، وجمع المعلومات الاستخبارية في عموم البلاد. وقد تعرضوا لهجمات في شهر مايو من هذا العام من قبل حشود ال (عرقيًّا) ، ما أدى إلى إصابة أكثر من 20 من قوات حفظ السلام.

وحذرت حكومة كوسوفو من جانبها، من الاحتمالات المتزايدة لتجدد العنف “المدبر” من قبل الصرب منذ سبتمبر 2021، عندما أرسلت صربيا طائرات مقاتلة إلى الحدود مع كوسوفو لأول مرة منذ حرب كوسوفو عام 1999.

حسب المقال، فإن هذا الهجوم هو النتيجة غير المباشرة، لإعادة توجيه السياسة الأوروبية والأمريكية، في منطقة غرب البلقان، فمنذ عام 2020.

الغرب يدعم بلجراد.. ما علاقة روسيا؟

فضلت كل من واشنطن وبروكسل مصالح بلجراد على جميع الأنظمة السياسية المجاورة الأخرى، بهدف تهدئة القادة الصرب وإخراجهم من فلك موسكو في بلد يدعم 70% من سكانه حرب روسيا على أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك فبعد هجوم شهر مايو على قوات حفظ السلام التابعة للناتو، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على كوسوفو.

ونفى خبير الشؤون الأوروبية، في حديث له مع شبكة رؤية الإخبارية، أن تكون هذه التطورات لها علاقة بالحرب الروسية الأوكرانية، أو في سياق التنافس الجيوسياسي بين روسيا والغرب. وهي نظرة شائعة في الخطابات الإعلامية في الغرب على حد وصفه.

تأزم الوضع

اتهم كورتي صراحةً كبير المبعوث الإقليمي للاتحاد الأوروبي، ميروسلاف لايتشاك، بالعمل بالتنسيق مع صربيا للضغط على بريشتينا للاستسلام لمطالب بلجراد وهو رأي يتفق معه كثير من المراقبين، حسب المقال.

وقبل تعيين لايتشاك، حذر خبراء إقليميون من هذه الخطوة، مستشهدين بالعلاقات الوثيثة، بين لايتشاك وزير خارجية سلوفاكيا السابق بروسيا. وفي حديثه إلى إذاعة صوت أمريكا (فويس أوف أمريكا) حول هجوم الأسبوع الماضي، ألقى المحلل والضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد كانين، باللوم على استرضاء الغرب للرئيس الصربي، ما شجع المجموعات الصربية المتطرفة على التصعيد ضد كوسوفو.

حسب المقال فإن الأمر يتطلب الآن “تصحيحاً حاداً” للمسار من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد بات من الجلي أن سياسات إدارة بايدن والمفوضية الأوروبية ساهمت في الأزمة الأمنية الأخطر في منطقة غرب البلقان منذ سنوات.

دور غربي

كان “استرضاء” القوى الغربية لبلجراد سبباً في تعريض كوسوفو للخطر، بل وأيضاً الدول المجاورة مثل البوسنة والجبل الأسود، حيث يشكل التطرف القومي الصربي، الذي تدعمه صربيا أيضاً، التهديد الرئيسي للأمن الداخلي لهذه المنطقة، على حد المقال.

أما عن سبل تدارك الموقف، فيجب رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على كوسوفو واستبدالها بقيود ضد نظام فوتشيتش.

ولابد أيضًا من إيقاف المساعي التي تبذلها صربيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى أن تظهر بلجراد التزامها الجاد بالتهدئة، والقبول العملي لواقع وجود كوسوفو كدولة مستقلة، وفق المقال، والذي يلقي باللوم على بعض الدول الأوروبية التي لم تعترف حتى الآن بكوسوفو كدولة مستقلة، وأسهمت في تعميق الأزمة الأمنية داخل القارة، في وقتٍ لا تتحمل فيه أوروبا ذلك.

ربما يعجبك أيضا