لماذا تفقد الاستخبارات الأمريكية تفوقها أمام روسيا والصين؟

آية سيد
أجهزة الاستخبارات الأمريكية تفقد تفوقها أمام روسيا والصين

يطور أعداء الغرب أنفسهم باستمرار في ما يتعلق بالاستخبارات والأنشطة السرية، ولذلك يحتاج الغرب إلى فعل الشيء نفسه.


تصدرت فضيحة تسريب وثائق سرية أمريكية، عناوين الصفحات الأولى للصحف والمواقع العالمية هذا الشهر.

وعلق الكاتب والمؤرخ العسكري البريطاني ماكس هاستنجز، بأن محتوى الوثائق لم يكن مفاجئًا لمدن يدرسون الشؤون الدفاعية والخارجية، لكن أعداء الغرب يطورون أنفسهم استخباراتيًّا باستمرار، وهو ما يحتاج الغرب إلى فعله.

تغير طبيعة الجاسوسية

في مقال نشرته شبكة بلومبرج الأمريكية، اليوم الأحد 30 إبريل 2023، أشار هاستنجز إلى كتاب الزميلة في مؤسسة هوفر والخبيرة في الاستخبارات الأمريكية، إيمي زيجارت، Spies, Lies, and Algorithms (جواسيس، وأكاذيب، وخوارزميات)، الذي قالت فيه إن طبيعة مهنة التجسس تتغير بنحو هائل.

وأوضح أن أيام رعاة البقر، التي بدأت مع مكتب الخدمات الاستراتيجية الذي أسسه ويليام دونوفان في أثناء الحرب العالمية الثانية، أصبحت معدودة. ورأى أنه إذا أرادت الاستخبارات الغربية، والاستخبارات المضادة، أداء دورها الحيوي في الدفاع الغربي، فيجب أن تواكب الثورة وتجاري التهديدات الجديدة.

دوافع الخيانة

حسب الكتاب، تتمتع الديمقراطيات الغربية بميزة العيش في مجتمعات مفتوحة، في حين أن الشعوب الصينية والروسية والكورية الشمالية والإيرانية محرومة من هذه الميزة. لكن جزءًا من ثمن هذه الحرية هو أن المجتمعات الغربية أكثر عرضة للهجوم، خاصة من أجهزة الاستخبارات الأجنبية.

وأضاف الكتاب أنه قبل الحرب العالمية الثانية وفي أثنائها وبعدها، استطاع العملاء السوفيت الذين عملوا بحرية في الولايات المتحدة تجنيد حوالي 200 مخبر أمريكي، بعضهم داخل الحكومة والمجتمع العلمي، لافتًا إلى أن الكثير من العملاء الشيوعيين ظلوا غير معروفين لسنوات.

وفي الآونة الأخيرة، أصبحت الأطماع المالية دافعًا للخيانة أكثر من الأيديولوجية، حسب ما نقل هاستنجز عن الكتاب.

اقرأ أيضًا| خرق استخباراتي كبير.. كيف يتعامل البنتاجون مع الوثائق المسرّبة؟

سرقة تكنولوجية

أصبحت الحرب السيبرانية التي يبرع فيها الصينيون والروس، تهديدًا معترفًا به للأمن بداية من عام 2008. ووفق ما تذكر زيجارت في كتابها، أصبح نقل الأسرار وسرقتها أسهل بكثير عبر نقل المعلومات من الورق إلى أجهزة الحاسوب.

وتشدد زيجارت على أن كل منظومات الأسلحة الصينية تقريبًا جرى بناؤها بتكنولوجيا أمريكية مسروقة. ومن المفارقات أن الصينيين حصلوا على بيانات تقنية حيوية خاصة بطائرات إف-35 وإف-22 في الوقت الذي كان فيه الحلفاء، ومن ضمنهم بريطانيا، يصارعون للحصول على موافقة واشنطن للوصول إلى الأكواد اللازمة لتشغيل الطائرات.

وحسب هاستنجز، تثير زيجارت احتمالية أن تتيح الحوسبة الكمية فك كل البيانات المشفرة عما قريب. وبالطبع، سيتمكن الغرب من استغلال هذا. لكن من المرجح أن يؤدي أعداؤه بنحو أفضل، لأن الغرب يمتلك الكثير من الأسرار التكنولوجية التي تستحق السرقة.

مجال مفتوح

بعد أن كان حكرًا على الحكومات، أصبح جمع المعلومات الاستخباراتية متاحًا للجميع، بفضل الأقمار الاصطناعية التجارية التي توفر صورًا ومعلومات بتكلفة زهيدة.

ويشير الكتاب إلى أن ربع المواد في التقارير الاستخباراتية فقط يأتي من مصادر سرية. ولهذا، يحتاج مجتمع الاستخبارات إلى استغلال المصادر المفتوحة ودمج الموهبة المدنية في العمليات بفاعلية أكثر.

وتلفت زيجارت إلى أن الدول والجهات الفاعلة من غير الدول، تستطيع اليوم أن تُسبب دمارًا هائلًا عبر الاختراق والهجمات السيبرانية دون عبور حدود الدول الأخرى.

اقرأ أيضًا| بعد اعتقاله.. من هو جاك تيكسيرا المتهم بتسريب وثائق البنتاجون؟

تهديدات خطيرة

تعتقد زيجارت أن الهيمنة الأمريكية على عالم المعلومات والتكنولوجيا تتعرض لتهديد خطير، وترى أن أحد الحلول المهمة هو الدمج الأكبر بين مجتمع الاستخبارات والشركات الأمريكية، خاصة شركات التكنولوجيا. إلا أن شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل جوجل وفيسبوك، تمتنع عن التعاون مع الحكومة.

ومن ضمن التحديات أيضًا صعوبة تجنيد مواطنين أذكياء. وتلفت زيجارت إلى أن الاستخبارات الصينية والروسية، وخاصة الأجهزة المعنية بالحرب السيبرانية، قد تستطيع تجنيد أشخاص أذكى من نظيراتها الغربية.

وتشير زيجارت أيضًا إلى تحدٍّ آخر خطير، وهو تراجع الثقة العامة، جزئيًّا بسبب التزييف العميق، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمعلومات المضللة التي ينشرها أعداء الغرب، وتعززها شخصيات أمريكية بارزة.

اقرأ أيضًا| أمريكيون سربوا وثائق سرية.. مَن أبرزهم؟ وما مصيرهم؟

خطر المسيّرات

في الختام، يلفت المؤرخ العسكري البريطاني إلى انزعاجه من المآزق التي تشكلها عمليات الاغتيال بالمسيّرات في الأماكن البعيدة، وهو ما لم تذكره زيجارت في كتابها.

وعلى الرغم من أن معظم المستهدفين في هذه العمليات يكونون مجرمين متعصبين وأعداءً للحرية، يتساءل هاستنجز: ماذا سيحدث إذا بدأ أعداء الغرب في ممارسة اللعبة ذاتها؟ محذرًا من أن المسيّرات أصبحت متوافرة بنحو مرعب، مقابل مبالغ مالية زهيدة، ومن المرجح أن تصبح أدوات مفضلة للإرهابيين.

ربما يعجبك أيضا