ليست بريكس فقط.. لماذا لا تستطيع الهند الابتعاد عن الصين؟

محمد النحاس

على الرغم من التنافس الذي قد يصل إلى حد "العدواة" في بعض الجوانب، ليس بإمكان الهند الابتعاد عن الصين.. فما أبعاد ذلك؟


على الرغم من التوترات الحدودية، والتنافس بين الهند والصين، فإن العلاقة بين العملاقتين الآسيويتين أكثر تعقيدًا ما يبدو للوهلة الأولى.

ففي صيف 2020، وقعت اشتباكات حدودية أدت إلى مقتل 20 جنديًّا هنديًّا و4 من الصين، وفي ردها على ذلك، ومحاولتها احتواء الاحتقان الشعبي، حظرت نيودلهي مئات التطبيقات الصينية، وقالت آنذاك إنها لا تسطيع الحفاظ على علاقات طبيعية مع بكين.

اعتماد الهند على الصين

رغم التوتر المحموم بين الجانبين، تواصل الشركات الهندية استخدام اليوان الصيني وذلك لدفع 10% من الإمدادات الروسية لها من النفط. في هذا الصدد، يجادل مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أمس الاثنين 21 أغسطس 2023، بأن مدفوعات الهند باليوان تعكس ازدياد اعتماد نيودلهي على بكين على مدار السنوات الـ3 الماضية.

وفضلًا عن ذلك، ارتفعت التجارة الثنائية بين الجانبين، ويميل الميزان التجاري لصالح الصين بفارق كبير، وتسعى الإدارة الهندية، في مخالفة لتعهداتها، بزيادة الاستثمارات الصينية، وفق المقال.

بريكس وشنغهاي

بالإضافة لما سلف، فإن الهند هي أكبر متلقٍ للتمويل من بنوك التنمية متعددة الأطراف، التي تتخذ من الصين مقرًا لها، وكذلك فإن الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، متحمسة للغاية لمجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعات تهيمن عليها الصين إلى حدٍ كبير، حسب كاتب المقال، والمحاضر في العلوم السياسية، سوشانت سينج.

وفي شهر يناير مطلع هذا العام، طلبت نيودلهي من شركة أبل تحديد الموردين الصينيين لقطع الغيار ممن سيكون على استعداد لإنشاء مشروع مشترك مع شريك هندي، منحت الحكومة الهندية 12 شركة صينية تصريحًا للتقدم لبدء مثل هذه الشركات، لكن بدا الكثير منها غير متحمسًا للمضي قدمًا، وذلك بسبب  الإجراءات القاسية التي اتخذتها نيودلهي ضد منتجي الهواتف المحمولة الصينيين بسبب انتهاكات قوانين الضرائب والصرف الأجنبي في عام 2020.

إثر ذلك، تراجع التمويل التقني في الهند الأعوام التي تلت ذلك، وحسب المقال يشي ذلك بأن الحكومة باتت غير قادرة على تحمل الصرامة الشديدة تجاه الاستثمارات الصينية، وقادت الإجراءات المتنعتة إزاء الشركات الصينية إلى وضع الهند في موقف ليس بالجيد في ما يتعلق بالصناعة والاستثمار التقني، حسب مقال المجلة الأمريكية.

 انفتاح حتمي على الصين

في شهر يوليو الماضي، سأل أحد الصحفيين، وزير الدولة للإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، راجيف شاندراسيخار، عمّا إذا كانت الهند منفتحة على التعامل مع الشركات الصينية، ليجيب: “بالطبع نحن كذلك”.

ويُرجع المقال، النهج الهندي إلى حاجة الهند إلى الاستثمارات الصينية في الإلكترونيات والبطاريات والسيارات الكهربائية. وفي ذات الشهر -يوليو- وافقت الحكومة على تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات للخبراء الصينيين.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، لأن الهند تعتمد بقدر كبير على الواردات الصينية، بما في ذلك الهواتف وأشباه الموصلات والخلايا الشمسية، فمن بين 117 مليار دولار من التجارة الثنائية بين البلدين العام الماضي، كان 87% منها صادرات صينية، حسب كاتب المقال، والمحاضر في العلوم السياسية، سوشانت سينج.

ليست التقنية فحسب

لا يقف الاعتماد الهندي على الصين، على التقنيات فحسب، بل يتجاوز ذلك لمجالات أخرى، كما هو الحال في قطاع الأدوية، والمواد الفعّالة، وتصل قيمة بعض المواد الأساسية التي تستوردها الهند من الصين إلى 50 مليار دولار سنويًّا (وهي مواد وسيطة أساسية لصناعة الدواء).

ورغم جهودها في السنوات الـ3 الماضية، لم تجد الهند مصادر بديلة للصين لهذه المواد. لذلك ليس لدى نيودلهي أي وسيلة لتقليل اعتمادها على بكين، ما يعني أن تعرّض هذا القطاع الحيوي في الهند لأزمة حادة، حال حدوث أي اضطراب مع الصين.

وتعد نيودلهي أكبر مقترض من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومقره بكين، وجرى تخصيص 9.8 مليار دولار لمشاريع منذ عام 2016، تشمل الطاقة والنقل والصحة العامة، وفق مقال فورين بوليسي.

صعوبات عسكرية

إجمالًا، يمكن القول إنه على الرغم من الخلافات الكبيرة بين نيودلهي والصين، والرأي العام السائد في الهند والمحتقن تجاه الصين، فإن الواقع يشي بأنه ليس بإمكان الهند الابتعاد تمامًا عن الصين، فعلى الصعيد العسكري، تجد الهند نفسها أمام مأزق آخر، لأن 70% من ترسانة جيشها روسية الأصل، وقد توقفت موسكو مؤخرًا عن تقديم العديد من قطع الغيار والمعدات والأسلحة بسبب تأخر المدفوعات الهندي.

وفي حين لا يرغب الروس في تلقي دفعات مالية بالعملة الهندية، فإن الهنود غير قادرين على توفير بديل لا ينتهك العقوبات المفروضة غربيًّا على موسكو، ما يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة للهند التي تجمعها مع الصين توترات حدودية، والتي وصلت في بعض المراحل لصدامات خلّفت قتلى من الجانبين، كما هو الحال في حادثة صيف 2020، ومن ثَم فإن من مصلحة نيودلهي خفض التوترات مع بكين.

اقرأ أيضًا| الصين تغازل الهند باستثمارات ضخمة.. هل تعود العلاقات؟

اقرأ أيضًا| 8 أسباب وراء تصاعد التوترات بين الصين والهند

ربما يعجبك أيضا