ما الذي يقلق الكرملين من الصعود السياسي لزعيم مجموعة فاجنر؟

عمر رأفت
نيويورك تايمز .. بريجوزين يحظى بدعم بوتين وسط قلق الكرملين من تصاعد دوره السياسي

محللون سياسيون يعتقدون أن مؤسس مجموعة فاجنر القتالية الروسية الخاصة سيزيد من نفوذه السياسي خلال الفترة المقبلة.


تسبب انخراط مؤسس مجموعة فاجنر الروسية، يفجيني بريجوزين، في ارتباك لعدد من الشخصيات البارزة في الكرملين الروسي، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

وسلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في مقال للكاتب أنطون ترويانوفسكي، الضوء على تحدي بريجوزين للرئيس الأوكراني، فلادمير زيلينسكي، معلنًا أن جيشه الخاص سيقاتل من أجل السيطرة على كل شارع ومنزل في مدينة باخموت شرقي أوكرانيا.

زيادة نفوذ بريجوزين السياسي

قالت الصحيفة الأمريكية إن بريجوزين كان يعمل بنحو سري منذ سنوات، مستفيدًا من علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإجراء صفقات خاصة بالطعام والبناء مع الحكومة الروسية في أثناء تكوينه لمجموعة فاجنر.

وشددت “نيويورك تايمز” على أن بريجوزين دائمًا ما يستخدم أحاديثه “القاسية والوحشية” على وسائل التواصل، لتكوين شخصيته الدعائية، مضيفة أن هذا الشخص أصاب المهتمين والمحللين السياسيين في روسيا بالحيرة.

وأشار مقال ترويانوفسكي إلى أن بعض المحللين السياسيين يعتقد أن مؤسس فاجنر سيزيد من نفوذه السياسي خلال الفترة المقبلة، بنحو قد يهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، في حين أن آخرين يرون أن لبريجوزين حدودًا لا يمكن تعديها.

طموحات بريجوزين وعقبات أمامه

قال عضو حزب روسيا المتحدة، أوليج ماتفيتشيف، وهو الحزب المؤيد للكرملين وينتمي إليه بوتين: “نحن لا نفهم ما هي طموحاته السياسية (بريجوزين) ولا أحد يفهم ما إذا كان يمتلك هذا النوع من الطموحات أم لا”.

وفي رأي الكاتب، أصبح بريجوزين رمزًا لروسيا في حربها على أوكرانيا، وأشار إلى أن فاجنر تحصد الآلاف من الضحايا الأوكرانيين دون توقف، وفي الوقت نفسه توجد عقبات أمام صعود زعيمها على الساحة السياسية الروسية، تتمثل في أنه يواجه تراجعًا شعبيًّا في مدينة سانت بطرسبرج، وهي ثاني كبرى المدن في روسيا، بالإضافة إلى الخسائر التي تلقتها فاجنر في مدينة باخموت الأوكرانية.

انتقادات ضد مؤسس فاجنر

يواجه بريجوزين انتقادات لاذعة في موسكو، حسب ما ذكرت “نيويورك تايمز”، بسبب تجنيده للسجناء وتأييده لعمليات الإعدام دون إذن القضاء. لكن مؤسس حركة فاجنر قال أمس الأول الخميس 9 فبراير 2023 إنه لم يعد يجند أي شخص من السجون الروسية.

وأشار المقال إلى أن الكرملين يحاول السيطرة على صعود بريجوزين السياسي، في الوقت الذي نصح فيه سيرجي ماركوف، المحلل السياسي المؤيد لبوتين ومستشار الكرملين السابق، بعدم الترويج لفاجنر وبريجوزين بإفراط. وأضاف ماركوف أن هذا كان بطلب من قادة بارزين في الكرملين وليس منه هو فقط، وأن كثيرين لا يريدون مشاركة بريجوزين السياسية، لأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.

تصاعد دور بروجوزين وفشل الكرملين

تصاعد دور بريجوزين خاصة بعد ازدياد دور فاجنر في أوكرانيا، وبعد فشل محاولة الكرملين الأولية للاستيلاء على العاصمة كييف في أوائل العام الماضي. وكانت فاجنر في تلك المرحلة لها نشاط ملحوظ في سوريا وإفريقيا، وتعمل نيابة عن الحكومة الروسية.

ووصفت “نيويورك تايمز” جولة بريجوزين في السجون الروسية بحثًا عن تجنيد أشخاص جدد بأنه تعدٍّ صارخ للمؤسسات الأمنية الروسية، في ظل حاجة روسيا إلى قوات ترسلها إلى أوكرانيا. وأشار مسؤولون غربيون إلى أن بريجوزين دفع بآلاف من السجناء الروس الذين جندهم إلى كييف، لإحداث أضرار بالجانب الأوكراني، ولكن الأمر جاء عكسيًّا وتسبب في خسائر ضخمة بقواته.

بوتين يحاول تحقيق التوازن

أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن بريجوزين حاول استعراض عضلاته خارج أوكرانيا، كما طالب بمحاكمة خصمه حاكم سانت بطرسبرج، ألكسندر بيجلوف، بتهمة الخيانة، وقال عنه إنه يهمه فقط ملء جيوبه بالمال. وقد تجاهل بيلجوف تصريحات مؤسس فاجنر.

وقال المحلل السياسي الروسي في موسكو ميخائيل فينوجرادوف، لـ”نيويورك تايمز” عن بريجوزين: “لديه تفويض، لكنه ليس مطلقًا”. وأشارت الصحيفة إلى أن “دور بريجوزين الغامض في السياسة الداخلية الروسية، هو نتيجة عمل بوتين لتحقيق التوازن، لأن الكرملين يحاول إثارة المتشددين المؤيدين للحرب الروسية الأوكرانية، دون التمهيد لأي رد فعل من الشعب على خسائر تلك الحرب.

زعيم شعبوي في زمن الحرب

لم يرد بريجوزين على مقال “نيويورك تايمز”، بل ادعى أنه ليست لديه أي طموحات سياسية، في حين أنه يصور نفسه في حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، على أنه زعيم شعبوي في زمن الحرب، ويتصدى للمسؤولين الفاسدين والأوليجارشية الذين يفضلون التقرب من الغرب.

وسجل اثنان من مقاتلي فاجنر مقطع فيديو في ديسمبر الماضي، يوجهون فيه انتقادات شديدة إلى رئيس الأركان العامة للجيش الروسي فاليري جيراسيموف، لعدم تزويدهم بالذخيرة الكافية. وانتقد بريجوزين جيراسيموف أيضًا، وقال إنه لن ينتبه للشكاوى لأنه “يقعد في مكتب دافئ”.

وهاجم بريجوزين الشهر الماضي المسؤولين الروس لرفضهم حظر الوصول إلى موقع يوتيوب، واصفًا موقع الفيديوهات الشهير بأنه “وباء هذا العصر”. وكان الرد على ذلك عن طريق مشرع روسي قال إن “الدولة لا تناقش أو تخطط لحظر الموقع”.

تحالف بريجوزين مع حزب روسيا العادلة

ذكرت الصحيفة الأمريكية أن بريجوزين، خلال الأسابيع الماضية، ألمح إلى إمكانية إنشاء تحالف مع حزب سياسي وافق عليه الكرملين معروف باسم “روسيا العادلة” يدعم الحرب الروسية الأوكرانية بشدة.

وظهر زعيم الحزب، سيرجي ميرونوف، في يناير الماضي بمطرقة عليها شعار فاجنر، وقال ميرونوف إنها هدية من بريجوزين، وهو الذي أيد إعدام أحد مقاتلي فاجنر بمطرقة ثقيلة بعد محاولته الانضمام إلى الجانب الأوكراني.

وذكرت نيويورك تايمز أن رئيسة فرع حزب روسيا العادلة في سانت بطرسبرج، مارينا شيشكينا، انتقدت تحالف الحزب الناشئ مع بريجوزين، وقالت: “أشك في أن تلك الفكرة ستحظى بدعم كبير في بطرسبرج”.

تحدي زيلينسكي

كشف بريجوزين عن مقطع فيديو له في قمرة قيادة طائرة حربية، ودعا زيلينسكي إلى مبارزة بالطائرات المقاتلة قائلًا: “إذا كنت مهتمًّا فلنلتق إذًا في السماء”.

وقال أستاذ العلوم السياسية في موسكو، ألكسندر كينيف، في تصريحات أبرزتها الصحيفة الأمريكية: “بريجوزين يتصرف كسياسي، لكن روسيا لا تطلب أشخاصًا في وظائف سياسية الآن”.

وعاد ماركوف ليقول إن “هدف بريجوزين الرئيس هو إنشاء إمبراطورية أعمال ذات تأثير سياسي واضح، بل إنه في الوقت الذي يحاول فيه الكرملين إبقاء شعبية بريجوزين تحت السيطرة، يحظى بدعم بوتين شخصيًّا”.

أهمية بريجوزين لبوتين

قالت الصحيفة الأمريكية إن بريجوزين شخص مهم ومفيد لبوتين، وغالبًا ما تشير وسائل الإعلام الروسية إلى مقاتلي فاجنر على أنهم “شجعان وفعالون”، كما أن عرض فيديو قمرة القيادة لبريجوزين على التلفزيون الحكومي أمر نادر الحدوث.

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن بعض المحللين يعتقد أن بريجوزين قد ينقلب على بوتين، خاصة في حالة حدوث انتكاسات عسكرية روسية جديدة في أوكرانيا. ويتمتع بريجوزين بمكانة قوية للغاية بل يمكنه إحداث بعض المشكلات للكرملين، بالنظر إلى بناء جيشه الخاص وشخصيته التي لا خلاف عليها.

بريجوزين ليس خطرًا على بوتين.. ولكن

قالت الزميلة البارزة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تاتيانا ستانوفايا: “ما دام بوتين يستطيع الحفاظ على التوازن بين مجموعات النفوذ في روسيا، فإن بريجوزين لا يشكل خطرًا عليه”.

لكن ستانوفايا أشارت إلى أن الحرب قد “تولد الوحوش” التي يمكنها أن تتهور في تصرفاتها وتتحدى الدولة إذا أظهرت أي ضعف، على حد وصفها.

ربما يعجبك أيضا