ممر شمال – جنوب .. الهند تصل إلى أوراسيا عبر إيران

يوسف بنده

رؤية

احتلت الدول الواقعة في الطريق إلى روسيا محل اهتمام الحكومة الإيرانية خلال الأيام السابقة، وهو ما دل عليه زيارة مسؤولين إيرانيين إلى جمهوريات الهند وآذربيجان و”ناخيتشيفان” المستقلة ذاتيًا، وذلك للتباحث حول مشروع ترانزيت ممر شمال – جنوب، الذي يربط روسيا وأوروبا بالمحيط الهندي عبر إيران.

ومن شأن ممر التجارة الجديد، أن يتيح للهند وصولاً أفضل إلى قلب أوراسيا، في حين أنها تتجاوز باكستان بصورة كاملة؛ الأمر المفضل للغاية لدى الحكومة الهندية، ولا سيما مع تحرك الصين على مسار الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ويُنظر في الوقت الراهن إلى الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب من زاوية أنه الرد الهندي على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية من حيث إن الممر الهندي خضع للتصور والتصميم قبل فترة وجيزة من المبادرة الصينية.

كذلك هو ممر موازي للممر الصيني-الباكستاني، الذي يربط الصين بالمحيط الهندي عبر الأراضي الباكستانية وصولًا إلى ميناء جوادر جنوب باكستان إلى البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط.

ممر شمال – جنوب

يعود تصور الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب إلى عام 1993، ومع ذلك، لم توقع كل من روسيا وإيران والهند على اتفاقية تنظيم شحنات البضائع عبر الممر الجديد إلا في عام 2000، ولقد تم التصديق على الاتفاقية من قبل جميع الأطراف في عام 2002، وانضمت أذربيجان إلى الاتفاقية اعتباراً من عام 2005.

ومنذ ذلك الحين، انضمت 10 دول أخرى إلى المشروع، وهي: أرمينيا، وروسيا البيضاء، وبلغاريا (في وضعية المراقب)، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وسلطنة عمان، وسوريا، وطاجيكستان، وتركيا، وأوكرانيا.

ولقد ألقت أذربيجان بثقلها في المشروع الجديد؛ إذ تعمل في الوقت الراهن على تشييد خطوط السكك الحديدية والطرق البرية الجديدة لاستكمال الروابط اللازمة في الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب. ولا تعتبر دولة تركمانستان من الأعضاء الرسميين في الاتفاقية، لكن من المرجح أن توفر الربط البري إلى شبكة الممر.

ولقد وجّه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال زيارته الرسمية إلى تركمانستان، الدعوة الرسمية للحكومة هناك لأن تصبح عضواً رسمياً في الاتفاقية.

ولقد تم تشغيل خط السكك الحديدية الرابط بين كازاخستان وتركمانستان وإيران بطول يبلغ 677 كيلومتراً اعتباراً من عام 2014 بتكلفة بلغت 620 مليون دولار، وهو من الطرق المستخدمة في الممر الجديد.

من الهند نحو أوراسيا

يتيح ممر التزانزيت الدولي شمال – جنوب، نقل صادرات السلع من شواطئ الهند الغربية إلى أوروبا عبر ميناءي بندرعباس وتشابهار جنوب إيران ودول آسيا الوسطى وروسيا وأوروبا.

يتألف المشروع  شبكة متعددة الطرق، تبلغ 7200 كيلومتر، من السفن، والسكك الحديدية، والطرق البرية، وتهدف إلى نقل البضائع، والمرور عبر أراضي الهند، وإيران، وأفغانستان، وأرمينيا، وأذربيجان، وروسيا، وآسيا الوسطى، ثم أوروبا الشرقية.

يأتي المشروع في وقت تصارع فيه الصين الزمن لإتمام مشروعها التنموي لإحياء “طريق الحرير”، وبينما تهدف الاستراتيجية الصينية إلى ربط 60 دولة عبر قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ بغية تعزيز التجارة والصلات الاقتصادية على طول طريق الحرير البحرية التقليدية… فمن شأن الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب في آسيا أن يربط المحيط الهندي والخليج العربي مع بحر قزوين مرورًا بإيران، ثم التوجه إلى سان بطرسبرج الروسية إلى شمال أوروبا عبر الشبكة متعددة الطرق البحرية، والبرية، والسكك الحديدية لنقل البضائع.

وتهدف الخطة إلى نقل السلع والبضائع من ميناءي “جواهر لال نهرو” و”كاندلا” على الساحل الغربي الهندي إلى ميناء “بندر عباس” الإيراني عن طريق البحر. وانطلاقاً من ميناء “بندر عباس” تنتقل السلع والبضائع إلى ميناء “بندر أنزلي” الإيراني على بحر قزوين بطريق البر ثم تتجه من هناك إلى ميناء “استراخان” الروسي المطل على بحر قزوين بطريق البحر. ثم يتم نقل السلع والبضائع بعد ذلك إلى داخل الاتحاد الروسي وأوروبا عن طريق شبكة السكك الحديدية الروسية. إلى جانب طرق السكك الحديد والبرية داخل الأراضي الإيرانية والآذربيجانية.

سوف يترك الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب أثراً عميقاً على المشاركة الهندية مع إقليم أوراسيا الواسع ومنطقة آسيا الوسطى على الصعيدين الجيو – اقتصادي والجيو – استراتيجي، مع التطلعات الهندية الرامية إلى تعزيز وترسيخ الروابط والعلاقات في كلا المنطقتين.

أسرع وأرخص

هذا الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب من شأنه المساهمة في تخفيض توقيت وتكاليف النقل والتسليم بنسبة تتراوح بين 30 و40%. ومن شأنه أيضًا أن يساعد الهند على تجاوز باكستان والصين للوصول إلى آسيا الوسطى ثم روسيا وأوروبا.

ويعتبر الممر الجديد هو الممر الهندي الثاني بعد ميناء تشابهار. وفي الآونة الأخيرة، صدّرت الهند أطناناً من القمح إلى أفغانستان باستخدام الممر الاقتصادي الثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان عبر ميناء تشابهار الإيراني بعد تدشينه وافتتاحه للعمل.

سوف تكون السعة الاستيعابية لهذا الممر، نقل ما بين 20 و30 مليون طن من البضائع سنوياً. الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير وجه الجغرافيا السياسية والاقتصادية لهذه المنطقة بأسرها.

والمشروع سوف يساعد الهند وروسيا على زيادة التجارة الثنائية بين البلدين إلى مستوى 30 مليار دولار المستهدف خلال السنوات العشر المقبلة.

سوف يكون هذا الممر أرخص بمقدار 30 في المائة من طريق تركمانستان – كازاخستان، وأسرع بمقدار الضعف من الطريق الحالية، والتي تمر عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. ويستغرق نقل البضائع عبر قناة السويس نحو 45 إلى 60 يوماً كاملة حتى الوصول إلى أوروبا. بيد أن الطريق الجديدة لن تتأثر بالأحوال الجوية السيئة، وسوف تتم تغطية المسافة بين ميناء “نافا شيفا” في مومباي الهندية وحتى ميناء “بندر عباس” الإيراني في غضون 8 أيام فقط.

تشير التقديرات إلى أن الممر الجديد سوف يسهل من نقل 20 إلى 30 مليون طن من السلع والبضائع سنوياً. الأمر الذي يشكّل دفعة قوية للاقتصاد الهندي، مع توقعات بارتفاع الصادرات الهندية بشكل كبير خلال السنة التقويمية المقبلة.

أيضًا، لا يمكن الحديث عن مثالية هذا الممر؛ إلا إذا تم استكمال كافة الممرات البرية والبحرية وتجهيز الطرق والسكك الحديد، وتخطي المعوقات الجمركية واللوجستية على طول بلدان هذا الممر. إلا أن العقوبات الغربية على إيران وروسيا يمكن أن تضر بفاعلية هذا الممر بشكل كبير.

ربما يعجبك أيضا