«ناشيونال إنترست»: لهذه الأسباب تخسر الصين نفوذها أمام الهند

آية سيد
لهذه الأسباب تخسر الصين نفوذها أمام الهند

تعتقد الصين أن الولايات المتحدة تروج اعتبار الهند ركيزة غربية في منطقة الهندوباسيفيك لاحتواء الصين بنحو مشترك.


في 9 ديسمبر 2022، وقعت اشتباكات حدودية بين القوات الصينية والهندية في جبال يانجتسي بقطاع تاوانج، الواقع شمال شرقي الهند.

وشاركت الصين والهند في مفاوضات لحل الخلاف الحدودي الدائر، الذي بدأ في إبريل 2020، لكن الصراع الأخير يشير إلى خيارات صينية محدودة لمنع اتجاه الهند إلى المعسكر الغربي في المنافسة الاستراتيجية المتنامية بين بكين وواشنطن.

الحدود المتنازع عليها

تعد جبال يانجتسي في القطاع الشرقي من الحدود الصينية الهندية، منطقة متنازع عليها. ويفصل خط مكماهون الهند وهضبة التبت عبر خط القمم الجبلية، وهو الحدود الفعلية المنصوص عليها في اتفاقية الصين وميانمار الحدودية لعام 1961.

ويرى الباحث في معهد “جريفيث آسيا” بجامعة “جريفيث” الأسترالية، أتول كومار، أن قمم الجبال البالغ ارتفاعها 5.2 كيلومتر تقريبًا، تقدم خط رؤية مباشرًا لاستطلاع التطورات العسكرية في الاتجاهين الصيني والهندي.

قوات على الحدود

يشير كومار في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، في 28 ديسمبر 2022، إلى أن السيطرة على هذه القمم تمنح ميزة عسكرية طبيعية، لذلك يحرس الجيشان أراضيهما في المنطقة حراسة مشددة. ومنذ 1986، نشر الجيش الهندي قوات على قمة جبل يانجتسي، وأنشأ حواجز حجرية لمنع التوغلات الصينية المحتملة.

وعلى مر السنوات، طورت بكين المنطقة الواقعة على جانبها من الحدود، عن طريق بناء طرق إسفلتية، ومراكز عسكرية، وقرى مزدهرة في المنطقة. وهذه القرى ذات الاستخدام العسكري والمدني، تخدم كقواعد دعم للتحريض على التدخلات.

الحادثة الأخيرة

لاحظ الجيش الهندي زيادة للنشاط بالجانب الصيني من الحدود منذ الأسبوع الأخير من نوفمبر 2022، ونشر فرق الرد السريع بالجوار. وفي 9 ديسمبر، استغل الجنود الصينيون الضباب الكثيف للتسلل إلى القمة الجبلية في الثالثة فجرًا. وحسب تقديرات الاستخبارات الصينية، توقعت هذه القوات أن تجد 15 جنديًّا هنديًّا فقط في الخدمة.

لكن عندما بدأت المشاجرة، وصلت فرق الرد السريع الهندية وأجبرت القوات الصينية على التراجع إلى قواعدها. واضطر الضباط الصينيون الموجودون في قاعدة على ارتفاع منخفض إلى إطلاق أعيرة في الهواء، لمنع الجنود الهنود من ملاحقة الجنود الصينيين.

ووفق الباحث الحاصل على الدكتوراه في شؤون الجيش الصيني من جامعة “موناش” بمدينة ملبورن الأسترالية، ظلت التوترات مرتفعة لمدة يومين، وفي 11 ديسمبر التقى قادة محليون من الجانبين لمناقشة الحادثة، ما ساعد في تهدئة التوترات.

تكتم إعلامي

في البداية، لم تحظ الحادثة بتغطية إعلامية في أي من البلدين. وبعد أن نشر قريب لأحد الجنود الهنود المصابين عن الحادثة على “تويتر”، بدأت وسائل الإعلام الهندية التحقيق في المسألة. وتصدرت الحادثة الأخبار الرئيسة، ما نتج عنه إصدار وزير الدفاع الهندي لبيان في البرلمان، وردود رسمية من بكين.

وكان الرئيس الصيني، شي جين بينج، في زيارة رسمية بالسعودية وقت الحادثة، ما يثير التساؤل عن موافقته على هذا. ويشير كومار إلى أن قيادة منطقة التبت العسكرية، المسؤولة عن هذه المنطقة من الحدود، تخضع لولاية الجيش الصيني وقت السلم، أما وقت الحرب فتمارس قيادة المسرح الغربي القيادة على المنطقة العسكرية.

وعليه، من المحتمل أن يكون قائد محلي سعى للاستفادة من فرصة للتسلل، على الأرجح بموافقة ضمنية من مقر الجيش الصيني. ويرى كومار أن الطريقة التي قللت بها الحكومة ووسائل الإعلام الصينية من شأن الحادثة، تمنح المزيد من الثقل لهذا الرأي.

التعاون الأمريكي الهندي

تزداد الصين حذرًا من الشراكة الاستراتجية بين الهند والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وأصبحت هذه القضية موضوعًا مهيمنًا على الخطاب الصيني تجاه الهند، خاصةً عقب التدريبات العسكرية الأمريكية الهندية التي جرت من 19 نوفمبر حتى 2 ديسمبر الماضي.

وادعى المتحدث باسم الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، أن التدريبات انتهكت الاتفاقيات الحدودية بين بكين ونيودلهي. ووصفت الصحافة الصينية هذه التدريبات بأنها خطوة مناهضة للصين. وحسب كومار، تعتقد بكين أن الولايات المتحدة تروج اعتبار الهند ركيزة غربية بمنطقة الهندوباسيفيك لاحتواء الصين معًا.

وتعتبر بكين أن الهند لاعب رئيس مستعد للتأثير في المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة. ويرى الباحث الهندي أن الموقع الجغرافي المميز للهند، وقوتها الوطنية الشاملة، وإمكاناتها التنموية، وموقفها في صراع القوى العظمى أمور حاسمة لتحقيق تلك النتيجة.

الخلافات الثنائية والحدودية

يلفت كومار إلى وجود العديد من العوامل التي تؤثر حاليًّا في الوضع على الحدود الصينية الهندية. فأولًا، عزز الجانبان تطوير البنية التحتية وأدخلا أحدث منصات الأسلحة إلى المنطقة، ما جعل كلا الجيشين قريبًا من الآخر، وزاد فرص حدوث المواجهات الحدودية. وثانيًا، تقوضت المفاوضات بإقامة كلا الجيشين مناطق عازلة في 5 مناطق متنازع عليها.

وثالثًا، يتسبب إحباط الصين من التعاون الأمريكي الهندي ودور نيودلهي المتنامي بالهندوباسيفيك في تأجيج التوترات. ويقول كومار إن بكين لا تستطيع استخدام التجارة لكسب النفوذ، لأن حجم السوق الهندية واعتمادها الشديد على الاستهلاك المحلي يحميها من أي قسر خارجي.

وأخيرًا، ظلت الصين خلف الكواليس واستخدمت باكستان لزيادة المخاوف الأمنية للهند. لكن بعد عودة “طالبان” إلى الحكم في أفغانستان، بدأت الجماعات الإرهابية المرتبطة بها خلق الفوضى بالمناطق الحدودية، ما يجعل المسؤولين والعمال الصينيين غير آمنين. ونتيجة لهذا، لم تعد باكستان أداة فعالة لتستخدمها الصين ضد الهند.

التطلع إلى الأمام

ينظر القادة السياسيون في الهند والصين إلى الخلاف الحدودي بطريقة مختلفة، ووفق كومار، يستخدم الزعيم الصيني الاستفزازات الحدودية أداة سياسية ودبلوماسية، إلا أن قيمة هذه الأداة آخذة في التناقص. وبينما توسع الهند بنيتها التحتية الحدودية وتعزز جيشها، سيصعب على الصين تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة ضد الهند.

ومن جهتها، تعتقد إدارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أن الخلاف الحدودي يحد التعاون بين المركزين الاقتصاديين المتجاورين. وعلى مر السنوات، عرض مودي عدة طرائق لحل الخلاف، لكن التوغلات الصينية المتكررة تحد خياراته السياسية.

وختامًا، يلفت الباحث الهندي إلى أن المفاوضات السياسية والدبلوماسية هي الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المأزق. ولذلك، سيكون على الصين والهند استحداث تسوية مؤقتة جديدة للتعايش في المنطقة.

ربما يعجبك أيضا