أرمينيا-أذربيجان.. نزاع يهدد أسواق الطاقة برعاية تركية!

كتب – حسام عيد

منذ أن حُل الاتحاد السوفيتي في عام 1991 تحول إقليم “ناغورني قرة باغ” إلى محور الصراعات بين أرمينيا وأذربيجان، والذي تجدد في الآونة الأخيرة آخذًا بعدًا عسكريًا.

فمع تهديدات متواصلة من جانب أذربيجان باستهداف محطة أرمينيا للطاقة الذرية، اندلعت مواجهات عسكرية بين البلدين، لتثار معها عدة تساؤلات ومخاوف من تهديد أسواق الطاقة العالمية التي تعاني بالأساس.

وما زاد من حدة النزاع الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا، هو دخول تركيا، على مسار الخلاف المحتدم والدامي في الوقت الراهن، وإطلاق الرئيس رجب طيب أردوغان تحذيرات للجانب الأرميني، الأمر الذي تصاعدت معه المخاوف من تكريس التوتر من جهة، ومحاولة تركيا في التمدد جنوب القوقاز، إحدى مناطق ثروات النفط والغاز الاستراتيجية في العالم.

واقع الاقتصاد الأرميني

أرمينيا تتمتع بقاعدة اقتصادية جيدة، مقارنة بأذربيجان، يبلغ عدد سكانها 3.1 ملايين نسمة، وتعتمد في التصدير على الألماس، الآلات، والمواد الغذائية؛ وفق بيانات منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي.

وقد بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 13.6 مليار دولار في 2019، وسجل متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي 5000 دولار.

وكانت أرمينيا مرت بظروف اقتصادية صعبة أدخلتها مرحلة الانكماش بمعدل 6.2% خلال عام 2020 الجاري بسبب تداعيات جائحة كورونا الوبائية، لكن لكونها تشرف على منطقة هامة للغاية بالنسبة لموقعها الجغرافي تشير التوقعات بأن أرمينيا ستنتقل من مرحلة الانكماش إلى النمو بمعدل 4-5% بحسب البنك المركزي الأرميني.

واقع اقتصاد أذربيجان

أما بالنسبة لأذربيجان، فهي تمتلك مساحة جغرافية أوسع، وتطل على مسطحات مائية متنوعة، وتأتي على خطوط تقاطع مع الكثير من الدول التي تتمتع باقتصاد قوي، واستطاعت أن تدخل في تحالفات من الدول في آسيا وأوروبا.

ويبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، ونصيب الفرد الواحد من إجمالي الدخل القومي يقدر بـ4400 دولار، وسجل حجم الناتج المحلي الإجمالي 48 مليار دولار في عام 2020.

وتتمتع أذردبيجان بإطلالة واضحة على خط سكة حديد من العاصمة باكو إلى تركيا، وكذلك تطل على ممر اللازورد الذي يمتد من أفغانستان وحتى تركيا، كما تزود عدد من البلدان الأوروبية بالنفط والغاز الطبيعي.

ناغورني قرة باغ منطقة النزاع

وفي خلال الساعات القليلة الماضية، شهدت منطقة القوقاز توترًا جديدًا إثر تطور الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان، وتجدّد العمليات العسكرية في إقليم “ناغورني قرة باغ” وسقوط قتلى في المعارك.

واعتبرت الأعمال العسكرية هذه أعنف اشتباكات بين البلدين منذ العام 2016، ما أثار من جديد مخاوف بشأن الاستقرار في جنوب القوقاز الذي يعد ممرًا لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.

وبحسب موقع “العربية.نت”، يعود تاريخ النزاع إلى العام 1805، حينما كانت هذه المنطقة جزءا لا يتجزأ من روسيا، وتعني كلمة “ناغورني” بالروسية مرتفعات، أما كلمة “قرة باغ” فتعني الحديقة السوداء.

خلال السنوات التي كان الإقليم خاضعا فيها لسلطة الاتحاد السوفيتي القديم، حدثت تغييرات في التركيبة السكانية لكن ظلت الأغلبية للأرمن، وعقب تفكك الاتحاد السوفيتي في العام 1991 ورغبة كل الدول الخاضعة له في إعلان استقلالها، أعلنت أرمينيا استقلالها وكذلك أذربيجان، فيما ظل الإقليم يمثل مشكلة حيث استقل ذاتيا دون اعتراف دولي.

وفي بدايات العام 1992، أعلن الانفصاليون في الإقليم الاستقلال عن أذربيجان وتم إجراء استفتاء بالفعل انتهى بإعلان الاستقلال إلا أنه لم يلق الاعتراف الدولي، ما أدى لتدخل عسكري من أذربيجان لإخضاع الإقليم لسلطتها وولايتها، وقابلته أرمينيا بالتدخل لمساندة السكان الأرمن.

وفى مايو 1994، قبلت جميع الأطراف الاتفاق على هدنة عرفت باسم هدنة منسك بعد مفاوضات في عاصمة بيلاروسيا بمشاركة أميركا وفرنسا وروسيا، وحتى الآن كما يقول بيرج ترزيان، رئيس الجمعية الأرمينية السابق في مصر، ظل إقليم ناغورني قرة باغ منطقة انفصالية تتمتع بالحكم الذاتي تعيش فيها أغلبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان، كما شهدت المنطقة بسببه نزاعات وتوترات وحروبا بين البلدين، مضيفا أنه في نوفمبر من العام 2008 وقع البلدان إعلانا يدعو إلى تسوية سلمية للنزاع، إلا أن المعارك تواصلت حيث شهد عاما 2014 و2016 اشتباكات وصدامات عسكرية، كان آخرها ما حدث خلال اليومين الماضيين.

التصعيد يهدد أسواق الطاقة

فيما قال محللون، إن الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان بسبب إقليم ناغورني قرة باغ لم تؤثر بعد في إمدادات الطاقة من المنطقة، لكنها قد تعرقل صادرات النفط والغاز إذا تفاقم الصراع.

وأذربيجان الغنية بالنفط والغاز منكشفة على وجه الخصوص على أي تعطيل محتمل لصادرات الطاقة، بالرغم من أن الإمدادات إلى خارج البلاد ليست قريبة من ناغورني قرة باغ.

وتوجد في أرمينيا محطة ميتسامور للطاقة النووية وهي في وضع محفوف بالخطر بالفعل لأنها معرضة لخطر الزلازل.

وحذرت يريفان في يوليو الماضي من مخاطر أمنية في المنطقة. وقالت باكو أيضا إن إمدادات الطاقة مهددة بسبب الصراع.

طريق أذربيجان الرئيسي لصادرات النفط هو خط أنابيب باكو-تفليس-جيهان، الذي ينقل نحو 80%، من صادراتها من النفط ويمر في جورجيا ومنها إلى الساحل التركي على البحر المتوسط. وتبلغ طاقته الاستيعابية 1.2 مليون برميل يوميا، أو أكثر من 1%، من إمدادات النفط العالمية. وتصدر حاليا أكثر من نصف مليون برميل يوميا من النفط.

وتصدر أذربيجان أيضا النفط عبر روسيا من خلال خط أنابيب باكو-نوفوروسيسك وعبر جورجيا بالقطارات وأيضا في خط أنابيب باكو-سوبسا.

وقالت أويل إكس للاستشارات في تعليق “أثار صراع ناغورني قرة باغ قلق المجتمع الدولي فيما يرجع جزئيا إلى أنه يهدد الاستقرار في منطقة تشكل ممرًا لخطوط أنابيب رئيسية تنقل النفط والغاز إلى أسواق العالم”.

وتقود “بي.بي” البريطانية اتحاد شركات دولي يطور حقل شاه دنيز في أذربيجان والذي من المتوقع أن يرسل أولى شحناته من الغاز إلى أوروبا في وقت لاحق من العام الجاري.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل شاه دنيز 1، الذي يضخ الغاز منذ عام 2006، ثمانية مليارات متر مكعب، بينما من المتوقع أن يصل إنتاج حقل شاه دنيز 2 إلى 16 مليار متر مكعب سنويا، منها عشرة مليارات متر مكعب مخصصة لأوروبا وستة مليارات لتركيا.

وقالت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيفات الائتمانية إنها تعتبر أن الصراع في حالة “اشتعال بطيء” دون تهديدات لإمدادات الطاقة في الوقت الراهن.

وأضافت قائلة “سنتابع التداعيات على الأوضاع المالية للدول وتدفقات الطاقة وسيولة الشركات في حالة تفاقم الصراع أكثر”.

تركيا وتدخل النفوذ والمطامع

إذًا، سبب النزاع بين البلدين يرجع لنحو قرن مضى وتسبب فيه الرئيس الروسي الراحل جوزيف ستالين، وتحاول تركيا اليوم استثماره لتنفيذ مخطط وحلم قديم لها بالتواجد الفعال في الإقليم المتنازع عليه.

وتعمل تركيا على إمداد أذربيجان بالسلاح والمرتزقة، إضافة لإرسال خبراء عسكريين أتراكا يشاركون في القتال مع أذربيجان، كما أن أنقرة تدعم أذربيجان بطائرات مسيرة ومقاتلات حربية، حسبما أفادت وزارة الخارجية الأرمينية.

وبحسب المسؤول الأرميني بيرج ترزيان، يعود تدخل تركيا ودعمها لأذربيجان لسببين؛ الأول هو نكاية في أرمينيا التي ما زالت تؤرق تركيا بقضية الإبادة الشهيرة للأرمن، والثاني أن تركيا تراودها من جديد أحلام العودة للإمبراطورية العثمانية، وتريد السيطرة على الإقليم ليكون امتدادا لها نحو الصين ويصبح لها تواجد في أكثر مناطق العالم من حيث الأهمية الاستراتيجية لكونها مناطق نقل الغاز والنفط العالمية، وهذا ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فور اندلاع المواجهات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان، بقوله إن تركيا ليست ضيفاً على البحر المتوسط ولها أطول ساحل فيه.
 

ربما يعجبك أيضا