أزمة فنزويلا.. استعادة أجواء الحرب الباردة

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي
 
تقترب أزمة فنزويلا الحالية من التحول لأزمة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية التي وقعت في ستينات القرن الماضي، وقاربت على إشعال صدام عسكري مباشر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، واكتفت الولايات المتحدة بحصار بحري لكوبا، وانتهت الأزمة باتفاقية تقضي بإزالة الأسلحة السوفيتية من كوبا، بالمقابل إبطال كافة الصواريخ متوسطة المدى في تركيا التابعة لأمريكا.
 
اشتعلت الأزمة في فنزويلا خلال الأسبوع الماضي، على خلفية إعلان خوان جوايدو، رئيس المعارضة نفسه رئيسًا على البلاد، وسارعت الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، وعدد من الدول اللاتينية والغربية بشرعية جوايدو، فيما عارضت الصين وروسيا الانقلاب في فنزويلا، متمسكين بشرعية الرئيس الفنزويلي.
 
دوافع الأزمة
 
عقب موت هوجو تشافيز، الداعم لشيوعية الدولة الفنزويلية، عام 2013، ليخلفه الرئيس الحالي نيكولاس مادورو بعدما فاز بالانتخابات الرئاسية، ليكمل مسيرة شافيز في معارضة الولايات المتحدة.
 
وترى واشنطن أن أمريكا اللاتينية تعد امتدادًا للأمن القومي، وأن مخالفة الإمبريالية الغربية في أرضها الخلفية هو أكبر تهديد لها، لذا تعارض أمريكا بشدة النظام الحاكم في فنزويلا، وتدعو للانقلاب عليه.
 
وعقب فوز مادورو للمرة الثانية في الانتخابات، اتهمته واشنطن بتزوير الانتخابات، وأعلنت بدلًا منه رئيس المعارضة جوايدو رئيسًا للبلاد.
 
وترى الولايات المتحدة أن النظام الفنزويلي يحتاج لتغيير منهاجه السياسي من الشيوعية إلى الإمبريالية الأمريكية، ومن الموالاة الروسية إلى التبعية الغربية، وتجدر الإشارة إلى أن النظام الفنزويلي على علاقة وثيقة بروسيا، من حيث الصفقات العسكرية الروسية لفنزويلا، والتعاون الاقتصادي في قطاع النفط والتعدين.
 
ويسعى دونالد ترامب لإسقاط النظام الموالي لموسكو في فنزويلا، ليثبت بذلك أنه لا يسير في ركاب موسكو، وأنه لا يسمح بوجود نظام مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين على مقربة من حدود الولايات المتحدة.
 
السيناريو الكوبي على الطاولة
 
كانت المرة الأولى التي طرح فيها ترامب “الخيار العسكري” ضد فنزويلا عام 2017 ثم عاد، الأربعاء الماضي، وطرحه خلال لقائه بالصحفيين في البيت الأبيض.
 
وقال: “إننا لا ندرس شيئا محددا ولكن كل الخيارات مطروحة، كل الخيارات على الطاولة”.
 
وتقول وسائل الإعلام الأمريكية: إن ترامب قد يفرض عقوبات نفطية على فنزويلا، مما يمثل ضربة لمصدر الدخل الرئيسي للبلاد، كما يمكنه أن يوسع قائمة المسؤولين الفنزويليين الذين فرضت ضدهم عقوبات.
 
الاقتصاد الفنزويلي.. الحلقة الأضعف
 
تظل الركيزة الأولى الأضعف للنظام في فنزويلا هي الاقتصاد الذي تدهور نتيجة الانخفاض الحاد لأسعار النفط العالمي، ما جعله غير قادر على سداد فوائد الديون الخارجية، ولم تسدد الدولة لروسيا  مليار دولار كفوائد عن القروض التي حصلت عليها مسبقا، وعوضًا عن ذلك، وعد الرئيس الفنزويلي شركات روسية بعقود مربحة من أجل تطوير وإنتاج النفط في بلاده، هذا على الرغم من أن قطاع النفط في فنزويلا أصبح في حالة يُرثى لها.
 
وأعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أنه حصل على التزامات جديدة من الصين لتمويل صناعة النفط التي تعتمد عليها كراكاس وسط الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وفي ظل عقوبات أمريكية وأوروبية تستهدف مادورو، والدائرة المقربة منه وأيضًا قطاع النفط الشريان الحيوي لفنزويلا.
 
ويعد النفط المصدر الأساسي للدخل في فنزويلا، لكن إنتاجه هبط لأدنى مستوى له في ثلاثة عقود، مع الانهيار المستمر للاقتصاد الذي تديره الدولة ووسط اضطرابات سياسية واجتماعية أربكت نظام الحكم الذي اتهم الولايات المتحدة بالتآمر مع المعارضة لإسقاطه.
 
وهكذا، فإن الأزمة السياسية في فنزويلا ما زالت مستمرة. وفي حين أن روسيا لم تظهر أي محاولة لإنقاذ نظام مادورو، فإن الولايات المتحدة على العكس تزيد من ممارسة الضغط على كاراكاس، لتغيير السلطة ولو عبر الانقلاب المباشر، وهذا هو الأسلوب المعتاد مع الزمن من قبل وكالة الاستخبارات المركزية.

ربما يعجبك أيضا