أسباب وبوادر تصدع العلاقات الألمانية الإسرائيلية ونتائجه

دعاء عبدالنبي

رؤية ـ جاسم محمد

تعتبر العلاقات الألمانية الإسرائيلية -منذ إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1965- من أكثر العلاقات الدولية جدلًا في ضوء ما تسميه بالمسؤولية التاريخية تجاه اليهود العبارة والتي أصبحت العلامة البارزة للسياسة الألمانية تجاه دول المنطقة، هذا ما طرحته الباحثة الدكتورة وجيدة سمر عبد الرؤوف في كتابها الموسوم، العلاقات الألمانية ـ الإسرائيلية وقضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.
 
فبعد عشرين عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1965، قررت ألمانيا وإسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية بينهما.

تمثل مقولة “ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة تجاه دولة إسرائيل، تجعلها ملزمة بالدفاع عن وجود إسرائيل وحماية حقها في الوجود” التي قالها وزير الخارجية الألماني السابق فرانك شتاسنماير ورئيس جمهورية المانيا الحالي 2017.

لكن رغم ذلك تقول صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 8 مارس 2017 إن العلاقات بين ألمانيا و”حكومة تل ابيب” تمر بمرحلة عصيبة من التوتر، وقد وصلت لمستويات هي الأخطر منذ سنوات طويلة.

ونقلت صحيفة “هاآرتس” عن مسؤول في الخارجية الإسرائيلية قوله: إن مسؤولا آخر في الوزارة أجرى يوم 30 أبريل 2017، محادثة قاسية للغاية مع السفير الألماني في إسرائيل، “كلمنس فون غاتسا”، في أثنائها احتج بشدة على سلوك ألمانيا حول القرار المناهض لإسرائيل في اليونسكو.

وتعترض حكومة الاحتلال على صيغة القرار الجديد الصادر من اليونسكو، لكونه ما زال سياسيًا، وأنه يوجه انتقادات لها.

وهذا التوتر يعود إلى السلوك السياسي لرئيس “الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو في الأسابيع التي تلت تولي ترامب رئاسة أمريكا في يناير2017، وتوجهات الأول بزيادة عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، متوقعا أن يزداد ذلك خلال عهد ترمب.

وقال السفير الإسرائيلي في برلين يعكوب هيدس هيندلسمان: إن العلاقات بين مواطني ألمانيا وإسرائيل مستقرة، لكن السفير أكد أن السنوات الأخيرة تشهد زيادة في تراجع قناعات الجيل الألماني الصاعد بمسؤوليته عن المحرقة النازية ضد اليهود.

وقد بلغت الأزمة في العلاقات بين ألمانيا و”إسرائيل” في أعقاب أشهر من التوتر مستويات غير مسبوقة حالياً، بعد أكثر من نصف قرن من الروابط الوثيقة، خصوصاً بسبب مسؤولية برلين في المحرقة اليهودية.

رفض ألماني لقرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس

أعلنت المستشارة الألمانية، ميركل، يوم 7 ديسمبر 2017 بأنها تلتزم بقرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد قرار الرئيس الأمريكي، ترامب، اعتبار مدينة القدس عاصمة إسرائيل.

ومن جانب أخر، حذر وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل  يوم 6 ديسمبر 2017 من تطور خطير جداً، إذا اعترفت الولايات المتحدة بشكل أحادي بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وقال غابريل عقب لقاء لوزراء خارجية الاتحاد مع نظيرهم الأمريكي ريكس تيلرسون في بروكسل: “عبرت العديد من الدول عن قلقها وهذا ما ينطبق علينا أيضاً، حيث نرى أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لن يهدئ النزاع بل سيزيده سخونةً”.

معاداة السامية في ألمانيا

اعتبر وزير العدل الألماني “هايكو ماس” في حديث تنشره صحيفة “بيلد يوم 11 ديسمبر 2017 أن أي معاداة للسامية، تمثل تعديا على الجميع، مشددا على ضرورة منع انبعاث عداء السامية في ألمانيا بأي شكل كان.  

وفي موقف مطابق، قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل -في حديث لـ”بيلد”- “رغم التفهم لكل الانتقادات الموجهة لقرار ترامب، لا يمكن تبرير حرق العلم الإسرائيلي أو التحريض على كراهية اليهود والتشكيك في حق إسرائيل في الوجود”.

وأضاف أن من يفعل ذلك “لا يقف ضد إسرائيل فحسب، بل يخرج عن مبادئ الدستور الألماني”، مؤكدا أن “ألمانيا لن تتساهل مع هذه الانتهاكات، ولن ترخص سوى المظاهرات السلمية”.

علما ان نص الدستور الألماني يتناقض مع تعليق وزير خارجية ألمانيا، غابرييل، فالدستور يحضر حرق الإعلام عندما تكزن مرفوعة على مباني السفارات والبعثات الدبلوماسية وليس خلال التظاهرات.

ألمانيا و”إسرائيل”: اتفاق تسليم ثلاث غواصات خاصة بالتجسس

وفي المجال الاقتصادي هناك مجالات تعاون مشتركة أدت لبلوغ قيمة التجارة الثنائية إلى 5.5 مليارات دولار، حيث تقع ألمانيا في الترتيب الثاني من الدول الأوربية التي تتعامل معها إسرائيل تجاريا.

وقعت “إسرائيل” تفاقا مع ألمانيا يوم 23 اكتوبر 2017 يسمح لها بشراء ثلاث غواصات، في خطوة اعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ذات “أهمية استراتيجية” لإسرائيل. وقال نتنياهو: إن “مذكرة التفاهم هذه تشكل أهمية إستراتيجية لأمن إسرائيل، وتوقيعها يعكس التزام ألمانيا والمستشارة ميركل بأمن إسرائيل والتعاون العميق بين البلدين”. والغواصات التي طلبتها إسرائيل يمكن على الأرجح أن تحمل صواريخ نووية، لكنها مخصصة بشكل أساسي لمهمات التجسس.

العلاقات الألمانية الإسرائيلية

عبر مؤلف كتاب “ميركل وإسرائيل واليهود” والخبير في العلاقات الألمانية الإسرائيلية “إلداد باك “عن اعتقاده أن:  الاتجاه في ألمانيا منذ عشرين عاماً يميل نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتطبيع يعكس عموماً دلالة إيجابية، لكنه هنا يعني العكس، أي إنهاء وضع العلاقة الفريدة من نوعها مع إسرائيل، وأشار إلى أن الأمر يتعلق بتغيير عميق في المجتمع الألماني، خصوصاً جيل الشباب.

وأُقِيمَت في الذكرى الخمسين لهذه الصداقة في عام 2015 احتفالات في برلين والقدس المحتلة. وكانت مناسبة لألمانيا كي تجدد دعمها الراسخ لحكومة إسرائيل التي قالت أنجيلا ميركل في عام 2008 إن وجودها: “جزء من أسباب وجود الدولة الألمانية”.

لكن بوادر التصدع ظهرت على السطح عندما أعربت وزارة الخارجية الألمانية للمرة الأولى عن شكوكها في رغبة نتنياهو في تحقيق حل الدولتين بعد تصويت الكنيست على قانون يسمح لإسرائيل بتملك أراضٍ جديدة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة خلال شهر يناير 2017.

وفي أعقاب ذلك، أعلنت حكومة ميركل في فبراير 2017 المنصرم إلغاء المشاورات السنوية بين الحكومتين، عازية الأمر رسمياً إلى مشكلات في التوقيت.

النتائج

العلاقات الألمانية ومواقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط، من المحتمل ان تخرج عن سياقها النمطي، المحافظ والمؤسد إلى حكومة تل أبيب والشعور بعقدة الذنب تجاه اليهود، في اعقاب شرخ العلاقات مابين واشنطن واوروبا، وتبعية  حكومة تل أبيب إلى واشنطن وبالعكس.

لقد أدركت المانيا، أنها يجب أن تلعب دورا يتناسب مع وزنها السياسي والاقتصادي دوليا وفي منطقة الشرق الأوسط، وهذا كان واضحا من خلال توجه ألمانيا إلى جانب فرنسا، بإخراج دول أوروبا من مظلة الحماية الأميركية.

وربما موقف نتنياهو المساند لترامب زاد الأمر تعقيدا بالنسبة للمستشارة الألمانية ميركل، وهذا يعود إلى أن ألمانيا تعتمد ثوابت، في سياستها الخارجية، وهي عدم التفريط بمصداقيتها والالتزام بالمواثيق الأممية والدولية وبالوعود التي تقدمها.

فألمانيا من المؤكد أن لا تغير سياستها الرافضة لنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، بل تذهب أبعد من ذلك بأنها تفهم أن خطوة ترارمب هذه، من شأنها أن تشعل منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما لا تريده ألمانيا. وهذه الحقائق تعني أن العلاقات الثنائية ما بين برلين وتل أبيب سوف تشهد تدهورا أكثر، رغم عدم تخلي ألمانيا عن التزاماتها أمام عقدة” الهولوكست” هي تنظر لها من جهة أخرى، لا تبرر موقف حكومة تل أبيب التابع إلى الإدارة الأميركية ونسف حل الدولتين.

التوصيات

ما تحتاجه ألمانيا خلال هذه المرحلة، أن تظهر قوة دولية مؤثرة في لعب دور سياسي أكثر في حل الصراعات الدولية، أبرزها قضية الشرق الأوسط، القضية الفلسطينية، جوهر الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وألا تخسر دورها كطرف في حل هذه النزاعات، رغم ما تواجهه ألمانيا من مشاكل سياسية داخلية، أبرزها تشكيل الائئتلاف الحاكم.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات*

ربما يعجبك أيضا