أسعار النفط والغاز تخالف التوقعات.. ما الأسباب؟

آية سيد
أسعار النفط والغاز تخالف التوقعات.. ما الأسباب؟

لماذا تظل أسعار النفط والغاز منخفضة؟ تقرير في مجلة "ذي إيكونوميست" يفند الأسباب.


عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، كانت أسعار الطاقة تتأثر بأي خبر سيء، وترتفع ارتفاعًا جنونيًّا.

لكن حسب تقرير لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، أمس الاثنين 19 يونيو 2023، تغيرت الأمور منذ شهر يناير 2023 واستقرت الأسعار عند معدلات أقل مما كانت عليه العام الماضي.

انخفاض الأسعار

منذ يناير الماضي، يتأرجح خام برنت، وهو معيار النفط العالمي، حول 75 دولارًا للبرميل، مقارنة بـ120 دولارًا قبل عام. وفي أوروبا، انخفضت أسعار الغاز بنسبة 88% عن أعلى معدلاتها في أغسطس الماضي، لتصل إلى 38 دولارًا لكل ميجاوات ساعة، وفق “ذي إيكونوميست”.

يأتي هذا التراجع في الأسعار في الوقت الذي أعلنت منظمة الدول المصدرّة للبترول (أوبك) وحلفاؤها عن خفض حاد في الإنتاج. وفي أمريكا، انخفض عدد منصات النفط والغاز لـ7 أسابيع على التوالي، في ظل استجابة المنتجين للمكاسب الهزيلة المعروضة.

وفي النرويج، تخضع العديد من مرافق الغاز، الذي أصبح حيويًّا لأوروبا، لعملية صيانة مطولة. كما أن هولندا بصدد إغلاق أضخم حقل غاز في أوروبا. وعلى الرغم مما سبق، فإن أي ارتفاع في الأسعار يتلاشى سريعًا، حسب “ذي إيكونوميست”.

اقرأ أيضًا| انخفاض مذهل.. هل فقد سلاح الغاز الروسي تأثيره في أوروبا؟

لماذا تظل الأسعار منخفضة؟

توضح المجلة البريطانية أن تراجع الطلب قد يكون جزءًا من الإجابة. ففي الأشهر الأخيرة، تراجعت توقعات النمو الاقتصادي العالمي، وأثار فشل عدة بنوك هذا الربيع المخاوف بشأن حدوث ركود وشيك في أمريكا، والتضخم يعصف بالمستهلكين في أوروبا. وفي أمريكا وأوروبا، لم يظهر بعد التأثير الكامل لرفع أسعار الفائدة.

بينما في الصين، التعافي ما بعد جائحة كوفيد أضعف بكثير من المتوقع. والنمو الهزيل، بدوره، يُضعف الطلب على الوقود. إلا أن انتعاش النقل، والسياحة، والسفر بعد رفع قيود صفر كوفيد في الصين يعني استهلاك المزيد من الديزل، والبنزين, ووقود الطائرات.

وفي أمريكا، انخفاض أسعار البنزين 30% مقارنة بالعام الماضي يبشر بالخير لموسم الرحلات الصيفية. وفي آسيا وأوروبا، من المتوقع استمرار درجات الحرارة المرتفعة، ما يرفع الطلب على توليد الكهرباء بالغاز من أجل التبريد. وهذا يجعل حُجة تراجع الطلب غير مقنعة بالكامل.

اقرأ أيضًا| النفط يواصل خسائره للأسبوع الثاني على التوالي

زيادة المعروض

ترى “ذي إيكونوميست” أن جانب العرض من المعادلة قد يقدم تفسيرًا أكثر إقناعًا. فالعامان الماضيان اللذان شهدا ارتفاعًا في الأسعار حفزا الإنتاج خارج أوبك.

ويتدفق النفط من حوض الأطلسي، عبر مزيج من الآبار التقليدية في البرازيل وجويانا، وإنتاج النفط الصخري والرملي في أمريكا والأرجنتين وكندا. وتضخ النرويج المزيد أيضًا. وتشير تقديرات بنك جيه بي مورجان تشيس إلى أن الإنتاج من خارج أوبك سيرتفع بمقدار 2.2 مليون برميل في اليوم في 2023.

وعود خفض الإنتاج

نظريًّا، فإن خفض الإنتاج الذي أعلنت عنه دول أوبك في إبريل الماضي، بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم، وروسيا، بمقدار 500 ألف برميل في اليوم، والذي أضافت له السعودية 1 مليون برميل في اليوم في يونيو الجاري، ينبغي أن يعادل هذا الارتفاع في المعروض.

لكن، وفق “ذي إيكونوميست”، لم ينخفض الإنتاج في هذه الدول بالقدر الذي وعدت به، كما أن دولًا أخرى في أوبك تزيد صادراتها، وعلى رأسها فنزويلا وإيران. وتذكر المجلة أن خُمس النفط العالمي يأتي الآن من الدول الخاضعة للحظر الغربي، التي تبيع بأسعار مخفضة، ما يُسهم في خفض الأسعار.

ماذا عن الغاز؟

في ما يتعلق بالغاز، وضع العرض أكثر تعقيدًا، حسب المجلة البريطانية، لأن خط الأنابيب الروسي الرئيس الذي يزود أوروبا مغلق. لكن “فريبورت للغاز المسال”، وهي منشأة تتولى خُمس صادرات أمريكا من الغاز الطبيعي المسال وتضررت جراء انفجار العام الماضي، عادت إلى العمل.

وكذلك فإن صادرات روسيا الأخرى إلى أوروبا القارية مستمرة. وسيجرى استئناف الصادرات النرويجية بالكامل في منتصف يوليو المقبل. والأهم من ذلك هو أن مخزون أوروبا الحالي ضخم، ومرافق التخزين ممتلئة بنسبة 73%، مقارنة بـ53% العام الماضي، وفي طريقها للوصول إلى 90% قبل ديسمبر. وتمتلك الدول الآسيوية الثرية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وفرة من الغاز.

اقرأ أيضًا| تراجع شحنات الغاز القطري إلى أوروبا.. ما السبب؟

تأثير التضخم

عندما ارتفع التضخم وظلت أسعار الفائدة متواضعة، كانت السلع، خاصة النفط الخام، وسيلة تحوط جذابة ضد ارتفاع الأسعار، ما دفع الأسعار إلى الأعلى. والآن بما أن المضاربين يتوقعون انخفاض التضخم، ضعفت هذه الجاذبية. ونتيجة لهذا، تراجع صافي مراكز المضاربة، وهي الموازنة بين الرهانات الطويلة والقصيرة التي وضعها المراهنون على أسواق العقود الآجلة للنفط.

ووفق “ذي إيكونوميست”، تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بمخزون النفط الخام، لذلك يفرغ التجار الفعليون مخزونهم. وتراجع حجم التخزين العائم من 80 مليون برميل في يناير إلى 65 مليون برميل في إبريل، وهو أدنى مستوى منذ 2020.

توقعات مستقبلية

قد ترتفع الأسعار في وقت لاحق من العام الجاري. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 102.3 مليون برميل في اليوم على مدار 2023. وسيصل العرض أيضًا إلى مستوى قياسي، لكن الوكالة تعتقد أن السوق ستتجه نحو العجز في النصف الثاني من 2023.

ومع اقتراب الشتاء، ستشتد المنافسة على شحنات الغاز الطبيعي المسال بين آسيا وأوروبا، وأسعار الشحن للشتاء ترتفع من الآن تحسبًا لذلك. إلا أنه من المستبعد أن يتكرر كابوس العام الماضي، وفق المجلة البريطانية.

ويتوقع الكثير من المحللين أن يظل خام برنت قريبًا من 80 دولار للبرميل، وتشير أسواق العقود الآجلة للنفط في آسيا وأوروبا إلى ارتفاع 30% عن مستويات اليوم بحلول الخريف.

ربما يعجبك أيضا