“أصبحت يائسا”.. الحرب السورية تدخل عامها العاشر والعالم يصم آذانه

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي 

تسع سنوات على الحرب السورية، التي خلفت وراءها دمارا هائلا ومأساة إنسانية، ومئات الآلاف من القتلى والجرحى، وملايين اللاجئين في دول الجوار وشتى أنحاء العالم.

في 15 مارس 2011، حين اندلعت الاحتجاجات لم يتخيل المحتجون أن مطالبهم ستتحول إلى أحداث عنف دموية، وتتحول بلادهم إلى ساحة لنزاع دولي، وتصبح مقدمة لأكبر حروب القرن الواحد والعشرين.

وتسببت الحرب السورية بمقتل 384 ألف شخص على الأقل بينهم أكثر من 116 ألف مدني، وخلفت عددا كبيرا من الجرحى والمعوقين فضلا عن عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين، وفق حصيلة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، بحسب “فرانس برس”.

ونزح أكثر من ستة ملايين سوري داخل البلاد، ويقيم عدد كبير منهم في مخيمات، بينما أصبح أكثر من 5.6 مليون سوري لاجئين في دول أخرى، لا سيما لبنان وتركيا والأردن، بحسب “الأمم المتحدة”.

ومع دخول الحرب عامها العاشر، ما زال الرئيس السوري بشار الأسد على رأس النظام المدعوم من كل من روسيا وإيران منذ عام 2015، ويسيطر على حوالي 70% من البلاد، وفي آخر تقدم استراتيجي سيطر على شمال غرب إدلب مسجلا أسوأ كارثة إنسانية.

مأساة إنسانية

في مخيمات اللاجئين بالقرب من إدلب تعيش عائلات سورية نزحت قبل تسع سنوات، لكن أطفالهم ولدوا في المخيمات ولم يعرفوا غيرها مسكنًا، وباتوا عرضة للرياح العاتية ولثلوج الشتاء القارس.

تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”: إن ما يقارب الـ5 ملايين طفل ولدوا في سوريا، إضافة إلى مليون طفل آخر ولدوا في دول الجوار، فيما بلغت حصيلة الضحايا منهم حوالي تسعة آلاف بين قتيل وجريح.

منذ بداية النزاع ولد حوالي 4.8 مليون طفل في البلاد ووُلد مليون طفل سوري لاجئ في دول الجوار، ولفتت إلى أنه تم التحقق من إصابة 3 آلاف و639 طفلا ومقتل 5427 طفلا أي بمعدل طفل واحد كل عشر ساعات منذ بداية الرصد الذي بدأ عام 2014 وحتى عام 2019، بحسب المنظمة.

وأشارت المنظمة إلى أنه تم تجنيد حوالي 5 آلاف طفل، لا يتجاوز عمر بعضهم السبع سنوات في القتال فيما تعرَّض حوالي ألف مرفق تعليميّ وطبيّ للهجمات.

“الحرب في سوريا تصل اليوم علامة فارقة وهي وصمة عار أخرى، مع دخول النزاع عامه العاشر، ودخول ملايين الأطفال العقد الثاني من حياتهم محاطين بالحرب والعنف والموت والنزوح، والآن أصبحت الحاجة للسلام أكثر إلحاحا من أي وقت مضى”، حسب ما قالت المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتّا فور.

وقال المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تيد شيبان، من الواضح أن تسع سنوات من القتال الضروس قد أوصل البلاد إلى حافة الهاوية”، مشيرا إلى أن عائلات أخبرته أنه لم يكُن عندها أي خيار في الحالات القصوى سوى إرسال الأطفال للعمل أو دفع الفتيات للزواج المبكر.

“أصبحت يائسا”

يقول الكاتب والجراح البريطاني ديفيد نوت -في تقرير نشره بصحيفة “التليجراف”- “إنه مع دخول سوريا عامها العاشر من الحرب “أصبحت يائسا” تماما ففريق الطوارئ الذي من شأنه العمل نيابة عن المدنيين الفقراء الذين لا صوت لهم ويشعرون بأن العالم قد تخلى عنهم، يفتقر إلى المعدات والموارد اللازمة لعلاج المرضى.

“لقد زرت سوريا مرات عديدة خلال السنوات الأخيرة لعلاج ضحايا الحرب وأشرفت على تدريب الجراحين هناك، وأنا على اتصال دائم مع 15 طبيبا ما زالوا يعملون في إدلب حيث أناقش معهم الحالات التي يعالجونها”، بحسب “نوت”.

وأشار الطبيب إلى أن الأطباء في إدلب يفتقرون إلى المعدات والموارد اللازمة، وأن تواصلهم معه للأخذ برأيه قد قل خلال الأسابيع الأخيرة بسبب هذا النقص، فبعد أشهر من القصف لم يعد لديهم الوقت أو المساحة أو الطاقة الكافية للتعامل مع الحالات.

وأشار “نوت”، إلى أن الرسائل التي تصل إليه من داخل إدلب، آخر معقل للمعارضة السورية، تكشف عن تدهور الوضع الإنساني في المدينة، حيث تكشف تلك الرسائل في معظم الأيام والذي يرسلها إليه طبيب جراح في إدلب كان قد دربه وعمل معه يسمى “أبووسيم”، عن أن الطريق الرئيسي في المدينة أصبح مزدحما بالنازحين الذين فروا من القصف، ولم يعد بوسعهم العودة لمنازلهم التي دمرتها قوات النظام السوري والقوات الإيرانية الموالية لها.

وقال: إن أبووسيم شاهد الناس يلجؤون إلى الاختباء من برد الشتاء تحت الشاحنات المتوقفة على الطريق العام، كما شاهد الأطفال الحفاة يموتون في الشوارع بسبب انخفاض درجة حرارة أجسادهم.

دعا الطبيب ديفد نوت، إلى إنشاء كيان بديل للأمم المتحدة وفريق طوارئ دولي للتفاوض لحل الأزمة الإنسانية في سوريا ووضع حد لمعاناة المدنيين المحاصرين في إدلب يتكون من قادة دول سابقين، يملكون من القوة والنفوذ وتأنيب الضمير ما يمكنهم من العمل من أجل التغيير دبلوماسيا وسياسيا، واختراق البيروقراطية للقاء الأطراف المتحاربة وحملها على التعقل.

ألم

” تسع سنوات من الحرب كانت كافية لإيضاح عمق الألم الذي مرّ بنا من تهجير قسري ونزوح وقصف وشهداء”، هذه كانت كلمات حلا إبراهيم “35 عاما” ووالدة لأربعة أطفال، وهي الآن تعيش في إحدى المخيمات في إدلب مع عائلتها بعد عدة محطات نزوح.

تقول حلا -وهي من مدينة حلب- “فقدنا كل شيء في لحظة واحدة، تركت جامعتي وعملي ومنزلي الذي قصف ولا أعلم حتى اللحظة شيئاً عنه”، وأشارت إلى أن الحرب والقصف المستمر دمر المنازل والمدارس والمستشفيات.

وعلى الجانب الآخر من المخيم، تعيش سهام عبص “50 عاما”، وتقول: “في حياتي لم أر أصعب من هذه الأيام، لماذا فعلوا بنا هذا؟ الثورة تعني أن نبقى في منازلنا لا أن نتشرّد، الطيران والقصف مستمر فوقنا وروسيا وإيران والدول كلها علينا”.

تقول الأمم المتحدة: إن ملايين السوريين يحتاجون إلى الدعم لإعادة بناء حياتهم وموارد رزقهم، وأيضا الدعم والسماعدة للتعامل مع التداعيات النفسية والعقلية التي نجمت عما مروا به.

ربما يعجبك أيضا