ألمانيا موجودة على طاولات الحوار المتعلقة بالأزمة الأوكرانية رغم الانتقادات

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ما زالت ألمانيا موجودة على طاولات الحوار المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، وربما هذا هو الوضع الصحيح لمن يلعب دور الوسيط، وهنا الحديث عن مبادرة “نورماندي” واتفاق مينسك والناتو والاتحاد الأوروبي والتحالف عبر الأطلسي، ألمانيا تفرض نفسها بقوة على مشهد الأزمة الأوكرانية ما بين العضو بالتحالف الغربي وما بين الدور “الوسيط”. وهذا ما يميز الموقف الألماني عن الموقف الفرنسي وباقي دول أوروبا. وسبق أن حرصت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل من جهتها، طيلة سنواتها الـ16 في السلطة، على المحافظة على العلاقة مع روسيا، في محاولة لفصل الخلافات الجيوسياسية عن المصالح الاقتصادية بين البلدين.

هناك إجماع لدى المراقبين، بأن ألمانيا، تلعب دورا محوريا في أزمة أوكرانياوهذا يعود الى أسباب تاريخ العلاقة ما بين موسكو وبرلين، أسباب تاريخية وجغرافية و جذور “ديموغرافية” وعلاقات اقتصادية متينة، حيث إن ألمانيا تستورد من روسيا 40 بالمائة من حاجتها من النفط و50 بالمائة من الغاز الطبيعي، إلى جانب مشروع “نورد ستريم 2”. وتأمل ألمانيا في إحياء “صيغة نورماندي” الرباعية، التي تضم طرفي الأزمة روسيا وأوكرانيا بوساطة فرنسا وألمانيا، في محاولة لنزع فتيل حرب يراها البعض قريبة الاندلاع، وهذا ما تم باجتماع “نورماندي” يوم 26 يناير 2022 .

 وهذا ما يثير الجدل حول الموقف الألماني على مستوى الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبسبب هذه “الشكوك” حول الموقف الألماني، رفض أنتوتي بلينكن التشكيك في التزام ألمانيا بأمن أوكرانيا، محاولة منه بعدم وجود شرخ في العلاقة داخل التحالف الغربي ضد موسكو وأكد أن برلين شأنها شأن بقية العواصم الأوروبية ستقوم برد موحد وقوي في حال أيّ هجوم روسي على كييف. 

أوكرانيا هي الأخرى أثارت “الشكوك” حول الموقف الألماني بسبب رفض برلين تسليم كييف أسلحة، حتى الدفاعية منها، عكس الولايات المتحدة وبريطانيا ودول البلطيق. فألمانيا لاتفكر حاليا في سحب دبلوماسييها من أوكرانيا. وقد أكدت وزيرة الخارجية بيربوك في بروكسل، أنها لا ترى سحب موظفي السفارة الألمانية في كييف مفيد في الوقت الراهن. هذه ألمواقف الألمانية جميعها وربما يمكن أعتبارها عوامل، وراء أثارت الشكوك حول الموقف الألماني.

جددت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبرشت موقف بلادها، وقالت يوم 22 يناير 2022 إن برلين تستبعد مد أوكرانيا بأسلحة في الوقت الراهن في المواجهة القائمة بينها وبين روسيا، وذلك بعد بضعة أيام من بدء بريطانيا تزويد كييف بأسلحة مضادة للدبابات. وكان المستشار الألماني شولتز، قد شدد على سياسة ألمانيا بعدم مد مناطق الصراع بأسلحة فتاكة. وقالت لامبرشت “أتفهم الرغبة في دعم أوكرانيا، وهذا بالضبط ما نفعله”.

ورغم كل هذه “الشكوك” أبدى المستشار الألماني شولتز، موقفا واضحا بالقول، إن موسكو سوف تدفع ثمنا باهظا في حالة اجتياجها إلى أوكرانيا. ألمانيا بعد لم تتخلص من الانتقادات فيرى أولريش شبيك، وهو خبير في مركز “جيرمان مارشال فاند” للدراسات في برلين، إن موقف المستشار بشأن التوتر مع روسيا هو ضمن الحد الأدنى. وذهب المستشار الألماني  يوم 22 يناير 2022 أبعد من ذلك من أجل تبديد  الانتقادات ضد ألمانيا بالقول : هناك رفض لمطالب روسيا بوقف توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) في شرق أوروبا.  وقال إن “انضمام دول أخرى من شرق أوروبا إلى الناتو ليس مدرجا على الإطلاق على جدول أعمال الحلف حاليا.

وأضاف شولتس :” نحن في وضع خطير للغاية” مشيرا إلى أنه من غير الممكن التغاضي عن حشد مئة ألف جندي والكثير من العتاد العسكري بطول الحدود مع أوكرانيا واضاف انه يجب أن يسري القانون والقواعد لا القوة العسكرية.

ويرى كريستوف هويزغن، السفير والمستشار الأمني للمستشارة السابقة، أنغيلا ميركل والرئيس القادم لمؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، أن خطر غزو روسيا لأوكرانيا قائم واضاف ، ما نريده هذه المرة، هو رد فعل قوي جدا. 

وفي هذا السياق طالب 70 خبيرا في شؤون شرق أوروبا والأمن، بإنهاء “المسار الألماني الخاص” تجاه روسيا.  داعين إلى عدم وقوف ألمانيا مكتوفة الأيدي تجاه أعمال روسيا العدوانية. حيث يرى هؤلاء أن ألمانيا دولة محورية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ولها مسؤولية خاصة فيما يتعلق بالقيم الغربية. 

وعلى عكس هؤلاء الخبراء، نشر عدد من الدبلوماسيين والعسكريين السابقين ممن لديهم خبرة في الشأن الروسي، نداء تحت عنوان “الخروج من دوامة التصعيد” مقدمين أربعة اقتراحات محددة لنزع فتيل الأزمة. مطالبين بنتيجة رابح – رابح لتجاوز الاستعصاء الراهن، ومما يتصل بذلك هو “الاعتراف بالمصالح الأمنية للطرفين.” وفقا لتقرير لدوتش فيللة الألمانية.

الباحثة جنى بوغلييرين اعتبرت أنه منذ تسلّم شولتس للحكم “ساد الارتباك بشأن تحديد من يوجّه سياسة برلين تجاه روسيا، هل المستشارية التي يقودها الاشتراكيون أو الخارجية التي يقودها الخضر وأضافت: “كانت النتيجة مواقف متضاربة أوحت أن برلين تفتقر إلى القيادة”.

ويبدو الانقسام واضحًا بين الاشتراكيين الديموقراطيين في مسألة خط نقل الغاز المثير للجدل “نوردستريم 2”. ففي منتصف يناير2022، اعتبرت وزيرة الدفاع الاشتراكية الديموقراطية أن قرار تشغيل خط الأنابيب هذا الذي يربط بين روسيا وألمانيا يجب أن يبقى خارج الملف الأوكراني. وأثار أولاف شولتس بنفسه الغموض عندما وصف مشروع “نوردستريم 2” عدة مرّات بأنه “مشروع خاص”. 

كتبت صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية أنه بالنسبة للعديد من مسؤولي الحزب الاشتراكي الديموقراطي، فإن “كلمة روسيا تحيي شيئا من الحنين” لمبدأ “الأوستبوليتيك” أي سياسة التقارب مع موسكو التي بدأها المستشار فيلي برانت في السبعينيات، والتي لا يزال يُنظر إليها على أنها احتمال لتحقيق التقدم الديموقراطي من خلال الحوار.

الاستنتاج

ـ رغم كل الضغوطات، من قبل الحلفاء الغربيين داخل الناتو و الاتحاد الأوروبي الى جانب واشنطن، فأن ألمانيا، تبدو ما زالت تحتفظ بسياستها “الرصينة ـ المتوازنة” بعدم الاندفاع كثيرا في مواقفها ضد موسكو، وهذه يمكن اعتباراها واحدة من قواعد السياسة الألمانية.

ـ تبدو السياسة الألمانية في عهد الاشتراكيين، بزعامة المستشار شولتز، أكثر “رصانة” من عهد ميركل، وهذا يعود إلى وجود “ميول” للاشتراكيين أكثر من الحزب المسيحي الديمقراطي وعكس حزب الخضر، بزعامة وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك. هنا يجد الإشارة إلى أن المستشار الألماني شولتس بدد مخاوف انزلاق السياسة الخارجية، أي بشكل أوضح أنه ضبط الخلافات مع الخضر، لتكون خطوات السياسة الخارجية الألماني بإدارة بأشراف شولتز الشتراكي 

ـ بات متوقعا أن ألمانيا حريصة على وحدة الاتحاد الأوروبي أولا، وربما هي من أكثر الدول الأوروبي يقضة من اندفاع الولايات المتحدة وتصعيد موقفها ضد موسكو، وهذا يعني أن ألمانيا وربما بعض الدول الأوروبية، لا تريد الحرب، في الوقت نفسه هي لا تريد أن تذهب أوكرانيا إلى روسيا، باعتبار ذلك من وحهة نظر ألمانيا انتهاك للقواعد الدولية أكثر من أن يمثل تهديدا للأمن الألماني. إن السلوك الألماني ممكن أن يجر بعض الطراف الأروبية الى مواقف غير “مندفعة”  ضد موسكو من أجل تجنب أي تبعات الانزلاق نحو الحرب، وبدون شك حينها ستدفع ألمانيا وأوروبا الثمن أكثر من الولايات المتحدة.

ـ بات متوقعا، أن يستمر التصعيد العسكري والتحشيد ما بين موسكو والولايات المتحدة، ضمن مبدأ “الردع والردع المضاد”والتلويح باستخدام القوة، ولكن هذا لا يعني غياب الخيار الدبلوماسي، رغم أن المشهد يمكن وصفه في الأزمة الوكرانية بأنه “حافة حرب”. ويبقى اتفاق “نورماندي” هو المخرج المرجح للأزمة الأوكرانية.

ربما يعجبك أيضا