أمريكا في مواجهة كورونا.. أموال التحفيز تحرج البنوك الكبرى

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تكثف الإدارة الأمريكية جهودها لاحتواء تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي حصد حتى اللحظة أرواح أكثر من 58365 أمريكيا في حصيلة تفوق حصيلة القتلى في حرب فيتنام، ويرغب الرئيس دونالد ترامب في إعادة فتح الاقتصاد قبيل الصيف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن بدأ شبح الركود يطل برأسه، على الرغم من تمرير الكونجرس لسلسلة من حزم التحفيز الاقتصادي تقدر بنحو 3 تريليونات دولار، خُصصت لدعم المتضررين من الجائحة سواء كانوا أشخاص أو شركات ولدعم القطاع الصحي.

خلال الربع الأول من العام  انخفض الناتج المحلي الأمريكي بنحو 2.4%، وسط توقعات بتراجع الناتج المحلي بأكثر من 3% وارتفاع معدل البطالة بأكثر من 15% بنهاية هذا العام، وتسجيل خسائر قد تصل إلى 1.7 تريليون دولار، والدخول في دائرة الركود بشكل أسوأ مما كانت عليه عام 2008، كل ذلك بفعل جائحة كورونا.

مواجهة مع أكبر صدمة
قبل يومين قال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفين هاسيت إن توقف النشاط الاقتصادي بسبب كورونا صدمة خطيرة، من المرجح أن ترفع نسبة البطالة في البلاد إلى 16 بالمئة أو أعلى في الشهر الجاري ويتطلب ذلك المزيد من التحفيز لضمان تعافِ قوي.

وأضاف هذه أكبر صدمة سلبية شهدها اقتصادنا على الإطلاق، نحن نتوقع انخفاضا في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني برقم كبير.

منذ منتصف مارس الماضي تقدم نحو 26.5 مليون أمريكي بطلبات للحصول على إعانات البطالة، بينما كان معدل البطالة قبل الجائحة عند أقل مستوياته منذ 50 عاما، وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأمريكي سيفقد هذا العام نحو 5 ملايين وظيفة، لذا تتحرك إدارة ترامب بخطى متسارعة لدعم القطاعات المتضررة وإنقاذ ملايين من العاطلين عن العمل -22 مليون شخص منذ بداية الجائحة- بعد أن توقفت عجلة الإنتاج ودخلت الولايات في سبات عميق بفعل تدابير مواجهة كورونا.

الأسبوع الماضي أقر الكونجرس الأمريكي أحدث حزمة إنقاذ بقيمة 484 مليار دولار، والتي سبقها حزمة تحفيز ضخمة غير مسبوقة بقيمة 2.2 تريليون دولار، وحزمة عاجلة بأكثر من 8 مليارات دولار، أقرت عندما ضرب “كورونا” الولايات المتحدة في مطلع مارس الماضي.

في 16 أبريل نفذت الدفعة الأولى من القروض الخاصة بالشركات الصغيرة المتضررة من كورونا، والمقدرة بـ349 مليار دولار، والتي تندرج تحت أحد بنود إنفاق حزمة التحفيز الضخمة الـ “2.2 تريليون دولار”، ما دفع الإدارة الأمريكية لضخ تمويل إضافي بـ310 مليارات دولار، في وقت أكدت فيه البنوك أنها تواجه ضغطا من الشركات للحصول على المزيد من القروض، لدفع رواتب العمال وضمان استمراريتها في السوق.  

تمرير حزم التحفيز الاقتصادي بالكونجرس لم يكن سهلا، وسط اتهامات متبادلة بين الديمقراطيين والجمهوريين، فالفريق الأول كان لديه تحفظات تتعلق ببنود إنفاق هذه الحزم وكيفية مراقبة تنفيذها على أرض الواقع بما يضمن وصول الأموال إلى الجهات المستحقة، بينما يرى الفريق الثاني أن الديمقراطيين يستغلون الأمر للتصويب على الرئيس ترامب والنيل من أسهمه في معركة مبكرة تتعلق بانتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر المقبل.

الأسبوع الماضي وافق مجلس النواب على تشكيل لجنة تختض بمراقبة ومتابعة إنفاق حزم الإنقاذ، واستجابة الحكومة الاتحادية لجائحة كورونا، وذلك بمقترح تقدمت به رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، ومن المقرر أن يجتمع مجلس الشيوخ في 4 مايو المقبل للعمل على مشروع القانون الخامس الخاص بمواجهة التداعيات الاقتصادية لـ”كورونا”.

البنوك والشركات الكبرى في مأزق
في الوقت الذي أظهر فيه مسح للاتحاد الوطني لاقتصادات الأعمال، أن حوالي ثلاثة أرباع الشركات الأمريكية تستطيع مواصلة نشاطها لمدة 6 أشهر دون الحاجة إلى مساعدة حكومية، حتى وإن تكبدت خسائر فهي لن تصل إلى حد الإفلاس، خرجت تقارير صحفية عدة تؤكد أن بعض البنوك استغلت الأزمة ودفعت جانب كبير من أموال حزم الإنقاذ لعملائها الكبار.

“نيويورك تايمز” قالت في تقرير نشرته الأربعاء الماضي: إن “جي بي مورجان”، و”سيتي بنك” و”يو إس بنك” أعطوا الأولوية في الحصول على قروض مخصصة للشركات الصغيرة – التي يعمل بها أقل من 500 موظف- للعملاء الأثرياء، ونقلت عن موظفين بهذه البنوك تأكيدات أن القروض ذهبت للشركات التي تعاني من أوضاع وصفت بأنها أكثر تعقيدا وأن هذه الشركات حصلت على المساعدات بنسبة تفوق بكثير الشركات الصغيرة.

وقالت “التايمز”: إن حزمة القروض المقدرة بـ349 مليار دولار والخاصة بالشركات الصغيرة، بعض البنوك قالت للعملاء إنها ستوافق على منحهم القروض بأسبقية تقديم الطلبات، وإن ما حدث أنها سهلت وصول كبار العملاء لهذه القروض، وتركت نحو 94% من الشركات الصغيرة تعاني من أوضاع سيئة بلا تمويل.

باتريشيا ويكسلر، المتحدثة باسم “جي بي مورجان” قالت لـ “بيزنس إنسايدر”: تقارير “نيويورك تايمز” عارية عن الصحة، ليس صحيحا أن البنك منح الأغنياء أي أولوية للحصول على قروض الإنقاذ، مؤكدة أن البنك بدأ في توزيع القروض على الشركات الصغرى التي لا يزيد دخلها السنوي عن 20 مليون دولار.

تقرير الصحيفة الأمريكية نقل عن بعض موظفي “يو إس بنك” القول: إن البنك استقبل عشرات الآلاف من طلبات القروض الخاصة بالأعمال التجارية الصغيرة، وإن الإدارة شكلت فريقا خاصا بمعالجة طلبات العملاء الكبار الأكثر ثراء، وهذا الفريق أنجز مهمته بشكل سريع مما أعطى هولاء العملاء ميزة الوصول إلى القروض قبل الشركات الصغيرة التي أخذت معالجة طلباتها وقتا أطول.

ديفيد بالومبي  المتحدث باسم “يو إس بنك”، نفى هذا الكلام، وقال: كانت عملية تقديم القروض عملية رقمية ركزت على الشركات الصغيرة “شركات المالك الواحد” في البداية، وفي وقت لاحق بدأ البنك في قبول الطلبات “يدويا” من الشركات الأكثر تعقيدًا والتي لا يمكن معالجة طالباتها رقميا، وكان هدفنا هو الوصول إلى جميع العملاء، وليس تقديم أي نوع من المعاملة الخاصة.

ولعلها المرة الأولى التي يتفق فيها ترامب مع تقارير صحفية تنتقد الشركات أو البنوك الكبرى، الأسبوع الماضي انتقد الرائيس الأمريكي مؤسسة تابعة لجامعة هارفارد لاقتراضها أكثر من ثمانية ملايين دولار من حزمة الإنقاذ الخاصة بالشركات الصغيرة، وطالبها برد المبالغ التي حصلت عليها، مؤكدا أنه سيطلب من الشركات الكبرى رد أموال التحفيز التي حصلت عليها.

تشير بيانات صادرة عن وكالة إدارة الأعمال الصغيرة  الحكومية”SBA” إلى أن الجولة الأولى من حزمة الإنقاذ تم توزيعها بطريقة كانت تعطي أفضلية للشركات الكبرى، مقارنة بالشركات الصغرى التي كان من المفترض أن تكون المستفيد الأول، وفي الوقت الذي كان من المفترض أن تكون القروض التي تتجاوز المليون دولار تشكل 4% فقط من إجمالي المبالغ المخصصة لإنقاذ الشركات، شكلت 45% من الأموال التي تم توزيعها بالفعل.

ويطالب أصحاب الشركات الصغيرة بمزيد من الرقابة على الأموال الخاصة بإنقاذ أعمالهم المتعثرة، في وقت تعهدت فيه البنوك بمزيد من الحرص على مساعدة هذه الفئة مع إطلاق دفعة جديدة من أموال الإنقاذ.
 

ربما يعجبك أيضا