إرهاب وبطش.. التاريخ الأسود للجماعة الإسلامية في مصر (تسلسل زمني)

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

دخلت الجماعة الإسلامية، في صدام حاد مع النظام السياسي والمجتمع المصري، خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث منحت نفسها حق تغيير المنكر، فقامت بالاعتداء على محلات بيع الخمور، ومحلات أشرطة الفيديو، والسائحات، والعروض المسرحية والنشاط الفني، والمسرح الغنائي في الجامعات.

ويقول الباحث في شؤون الإرهاب والجماعات، عمرو فاروق: بدأت القاعدة الأولى للجماعة الإسلامية، في نطاق محافظات صعيد مصر، لاتخاذ عدد كبير من عناصر تنظيمات الجهاد المصري، أمثال فؤاد محمود حنفي، وعصام الدين دربالة، وعاصم عبدالماجد، وكرم محمد زهدي، وعلى عبدالفتاح إبراهيم، أحد مساجد محافظة المنيا مقرًا لهم، فانتشروا في محافظات كل من أسيوط وسوهاج والفيوم وبني سويف، وانشأوا فروعًا لهم في مناطق بولاق الدكرور وعين شمس والمطرية بالجيزة والقاهرة.

عبدالرحمن والسادات

كان الشيخ عمر عبدالرحمن قد اتجه إلى الفيوم، في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ليعمل إمامًا وخطيبًا بأحد مساجد الأوقاف بمركز “سنورس”، لتكون الفيوم أولى محطاته، حيث ظهرت ميوله المعارضة لنظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وحصل خلال تلك الفترة على درجتي الماجستير والدكتوراه، وعمل مدرسًا بكلية أصول الدين بفرع جامعة الأزهر في أسيوط.

وأضاف عمرو فاروق في تدوينة له بموقع التوصل الاجتماعي “فيس بوك”، اليوم الأربعاء: ارتبط عمر عبدالرحمن بعلاقات قوية مع قيادات الجماعة الإسلامية بمحافظات الصعيد، عقب تكوينها مباشرة، وتم اختياره أميرًا للجماعة، وكان يخطب الجمعة بعدد من المساجد بمدينة الفيوم، ومنها مسجد “التقوى” بالنويري، ومسجد الشهداء بتقسيم مصطفى حسن، ويتنقل بين أكثر من مسجد بالمحافظة لإلقاء خطبه المثيرة، وبعد رحيل الرئيس عبدالناصر، وتولي الرئيس محمد أنور السادات مقاليد الحكم أفتى عمر عبدالرحمن بتكفيره، وهي الذريعة التي استند إليها قتلة السادات أثناء حضوره احتفالات انتصارات أكتوبر عام 1981.

أوراق التكفير

أصدر عمر عبدالرحمن، كتابًا يحمل عنوان “كلمة حق”، اعتمد فيه أفكار التكفير والعنف المسلح، وتضمن الكتاب مرافعته في قضية “تنظيم الجهاد”، رقم 84 لسنة 1982 أمن دولة عليا، ومن ضمن أفكاره تكفير الحاكم والمجتمع وضرورة المواجهة المسلحة.

كما عملت الجماعة الإسلامية، على مخطط استقطاب العناصر الجديدة، خلال مرحلة الثمانينيات، وفي نهاية هذه الحقبة، وتحديدًا في 1986، تم تشكيل مجموعات خاصة أطلق عليها مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ومارسوا نشاطهم في مدن وقرى مصر.

إرهاب وبطش

وفي أغسطس 1986، قطعت الجماعة الإسلامية طريق القاهرة أسوان، واستوقفوا سيارة نقل محملة بزجاجات “البيرة”، ثم اشتبكت مع قوات الأمن، جراء ذلك، وألقي القبض على عدد كبير منهم، وتم احتجاز بعضهم لخطورتهم على الأمن العام.

خلال هذه المرحلة وسّعت مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” نشاطها بمختلف المحافظات، وأرهبوا الناس في الطرقات، واستمرت الاشتباكات بين الجماعة الإسلامية وقوات الأمن.

وفي القاهرة، قادت مجموعة من عناصر الجماعة الإسلامية بالاشتراك مع عناصر من تنظيمات الجهاد المصري – كانت متمركزة بمسجد “منشية التحرير”، بمنطقة عين شمس – أول صدام عنيف مع قوات الأمن، واشتبكوا مع الأهالي، ومنهم: حازم الحسيني، وأكرم هريدي، وبركات هريدي، ومحمد عبدالرؤوف نوفل، وإسماعيل رفاعي، وذلك في يوم 12 أغسطس1988، حيث أحرقوا إطارات السيارات، وألقوا كرات اللهب، والحجارة على قوات الأمن، عقب خطبة وصف فيها عمر عبدالرحمن قوات الأمن بأنهم “جنود فرعون”، وتم القبض على بعضهم وهرب الآخرون.

في مارس 1989، قررت نقابة المهن الزراعية، بمحافظة الفيوم، عرض مسرحية “أصل وخمسة”، التي استفزت مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، الموالية للجماعة الإسلامية، وحاولوا منع العرض بقوة السلاح، وألقوا قنابل المولوتوف، على سرادق العرض، وأصابوا ضابطًا برتبة مقدم، وعدد من المواطنين.

وعقبها دارات الاشتباكات أخرى بين مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وقوات الأمن المصري، ما دفع قيادات الجماعة الإسلامية، للقيام بمظاهرة قادها الشيخ عمر عبدالرحمن حاملين الأسلحة النارية، وألقي القبض على بعضهم، وقُدموا للمحاكمة، في قضية “أحداث شغب الفيوم”، لكنهم حصلوا على حكم قضائي بالبراءة.

وعقب ذلك، قام إرهابي بإلقاء زجاجتين حارقتين من قطار الفيوم، على رواد سينما عبدالحميد بميدان السواقي، ما تسبب في إصابة عدد من الرواد أثناء وقوفهم أمام شباك التذاكر، وألقي بعدها عبوة ناسفة على حفل للمرضى بمستشفى الفيوم العام، ما تسبب في إصابة عدد منهم، وكان هذا الإرهابي أحد المتهمين فيما بعد بقضية اغتيال رئيس مجلس الشعب، الدكتور رفعت المحجوب، وقد لقي مصرعه وآخرون من شركائه في مواجهة مع الشرطة بالقرب من أسوار جامعة القاهرة.

تصاعدت أعمال العنف في محافظة الفيوم، بين مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، الموالية للجماعة الإسلامية، واشتبكوا مع قوات الأمن المصري، تحديدًا في يناير 1990، بعدما انتشر فكر عمر عبدالرحمن، في كافة أرجاء المحافظة على يد طلابه، إذ أطلق عدد من أنصار عبدالرحمن، النيران على قوات الشرطة، من أمام مسجد “الشهداء” بمصطفى حسن بالفيوم، ما أسفر عن إصابة مأمور قسم شرطة الفيوم، وقيام مجموعة أخرى بإشعال النيران في 3 صيدليات وعدة منازل ودراجة بخارية للمسيحيين، وإلقاء عبوة ناسفة وإطلاق نيران على قوة تأمين “كنيسة العذراء”، بقرية سنهور القبلية التابعة لمركز سنورس عقب انطلاق مدفع الإفطار في شهر رمضان، ما أسفر عن استشهاد مساعد شرطة وإصابة اثنين من قوة الحراسة.

أول ثورة إسلامية

ومع تصاعد حدة المواجهات بين مجموعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، الموالية للجماعة الإسلامية، تم ضبط عمر عبدالرحمن، و15 من أتباعه، وبحوزتهم كمية كبيرة من الأسلحة النارية، وقررت النيابة حبسهم بتهمة مقاومة السلطات واستغلال الدين في ترويج العنف وحيازة أسلحة نارية والشروع في قتل مأمور قسم شرطة الفيوم آنذاك.

دفع القبض على الشيخ عمر عبدالرحمن، عناصر الجماعة الإسلامية للتخطيط للقيام بأول ثورة إسلامية في مصر، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فخططوا لمحاصرة عدد من المحافظات والسيطرة على المساجد الكبرى بها، فاشتبكوا مع قوات الأمن داخل نطاق محافظة القاهرة، وعدد من محافظات الصعيد، تزامنًا مع إقالة وزير الداخلية اللواء زكي بدر، وتعيين اللواء محمد عبدالحليم موسى.

وفي يوم عيد الشرطة 25 يناير1990، قامت الجماعة بمظاهرات لاستعراض القوة في عدة محافظات وقاموا بالاستيلاء على ثلاثة مساجد كبرى في الفيوم وأسيوط والقاهرة، وأطلق بعض أعضائها النار في كل إتجاه، وكسروا واجهات المحلات وأصابوا مواطنين، ثم عرضوا مطالبهم السياسية، أثناء إلقاء الرئيس الأسبق مبارك الخطاب السياسي في عيد الشرطة، وركزت مطالب الجماعة على الإفراج عن عمر عبدالرحمن وباقي أعضاء الجماعة الإسلامية المقبوض عليهم في المظاهرات بحيازة الأسلحة النارية، وتقديم اللواء زكي بدر وزير الداخلية الأسبق للمحاكمة.

معركة ومطالب

كان الشيخ عمر عبدالرحمن، قد أجرى حوارًا من داخل السجن مع صحيفة “الشعب”، الناطقة باسم التيارات الإسلامية في هذه المرحلة، قائلًا: “إن الوزير الجديد ما هو إلا امتداد للقديم؛ لأنهما ينفذان سياسة واحدة، وليس هناك مجال للتفاهم، أو الحوار مع الوزير إلا إذا عاد ورجاله إلى الحق.

كانت هذه التصريحات من أمير الجماعة الإسلامية، إيذانًا باستمرار المعركة بين الدولة وجماعات الإرهاب.

استجاب النظام المصري، لمطالب الجماعة الإسلامية بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن، وخلال تلك المرحلة، توسطت قيادات إخوانية، لدى وزير الداخلية آنذاك، اللواء عبدالحليم موسى للقاء عمر عبدالرحمن، أمير الجماعة الإسلامية، وعقد “موسى” مع “عبد الرحمن” صفقة بموجبها يغادر الأخير البلاد، قبل الحكم عليه غيابيًا في قضية “أحداث شغب الفيوم”، بعدما تقرر إعادة محاكمته، و48 آخرين في تلك القضية، بعد رفض الحاكم العسكري التصديق على حكم البراءة.

وتقدم عبدالرحمن إلى السلطات المصرية، بطلب للسفر إلى المملكة العربية السعودية، لأداء مناسك العمرة، وأثناء استعداده لركوب الطائرة، أعلنت السلطات السعودية غلق مجالها الجوي أمام القادمين لأداء العمرة لانتهاء الموسم، وكان ذلك في 29 رمضان، غير أن السلطات المصرية رفضت عودته من المطار، وطلب منه ضباط مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية المصرية مغادرة البلاد، ليتجه من مطار القاهرة إلى السودان، واستقبلته السلطات السودانية التي رحبت به آنذاك، ومن خلالها وقبل نهاية 1991 سافر من الخرطوم إلى الولايات المتحده الأمريكية، وتحديدًا ولاية “نيويورك”، التي عمل فيها إمامًا لمسجد “الفاروق” في ضاحية “بروكلين” التابعة للولاية.

ربما يعجبك أيضا