استراتيجية الأمن القومي الياباني.. تحول تاريخي في العقيدة العسكرية

محمد النحاس

أثار الحديث حول إعادة تسليح اليابان جدلاً داخليًّا واسع النطاق، فما تداعيات ذلك مع تصاعد التنافس الإقليمي بالمنطقة؟ وكيف ردّ خصوم اليابان؟


نشرت اليابان استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، مع تزايد المخاطر بالمنطقة، في خطوةٍ عدّها متابعون “تحولًا استراتيجيًّا” في سياسة طوكيو.

وتاريخيًّا، كانت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية “دولةً سلميةً”، ينص دستورها على عدم قانونية خوضها الحروب وشن “أعمال عدائية”، ومنع “عسكرة الدولة”، فهل تمثل الاستراتيجية الجديدة انحرافًا عن هذا النهج؟

تحوُّل تاريخي

وصفت صحيفة “وول ستريت جورنال” استراتيجية اليابان العسكرية الجديدة بـ”التحول التاريخي”، مشيدةً بموقف رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، الذي تحمل مخاطر سياسية للتوعية بتهديدات كوريا الشمالية والصين، وبموجب الاستراتيجية الجديدة ستزيد اليابان إنفاقها العسكري والدفاعي، ليصل إلى 2% من إجمالي الاقتصاد.

وستخصص 320 مليار دولار على مدار 5 سنوات، لتقوية قدراتها العسكرية، أي ضعف الإنفاق الحالي، وفقًا للتقرير، الذي نشر أول من أمس الجمعة 16 ديسمبر 2022.

وفي السياق نفسه، شدد مستشار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق لأمن آسيا والمحيط الهادي، برايان هاردينج، على أن العقيدة العسكرية الجديدة لليابان تعني تغييرًا واضحًا ومؤثرًا في سياساتها للدفاع الإقليمي، في ظل تزايد المخاطر بالمنطقة.

استعدادًا للسيناريو الأسوأ

وفق الوثائق الأمنية الاستراتيجية، المصاحبة للإعلان الياباني، جاء هذا التحول في “بيئة أمنية هي الأكثر تعقيدًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية” وأبدت الصحيفة الأمريكية اتفاقها مع الوصف الياباني، ويعد هذا الإعلان تعديلًا على الاستراتيجية الأولى للأمن القومي عام 2013.

وقالت طوكيو، إن هذا النهج يأتي استعدادًا للسيناريو الأسوأ، ويعد هذا المنحى تحولًا في سياسة الدولة السلمية، التي اضطرت إلى “التراجع عن العسكرة”، بعد الحرب العالمية الثانية، وتخلت عن “حق خوض الحروب للدفاع عن نفسها”، غير أن رئيس الوزراء الياباني، الراحل، شينزو آبي، بدأ مسيرة التحول التدريجي عن النهج السلمي.

RTX2Q1OU EC 0ما أبرز الأسلحة التي تركز عليها الوثيقة؟

ذكرت الاستراتيجية، عزم اليابان على الحصول على صواريخ “بعيدة المدى يمكنها استهداف مواقع العدو” بما في ذلك شراء 500 صاروخ كروز أمريكي الصنع، معقبةً بأن “هذه القدرات تُجبر الدول المهاجمة على التفكير كثيرًا قبل الاعتداء على دولة ذات سيادة”.

وبالإضافة إلى هذا، سوف تسعى اليابان لشراء المزيد من السفن البحرية والطائرات المقاتلة، والاستثمار في البنية التحتية للإنترنت، ومن شأن هذه الخطوات أن تُكمّل الجهود الأمريكية لمواجهة التحديات بالمنطقة، وفق الصحيفة الأمريكية.

مواجهة التهديد الصيني

اللافت للنظر في الاستراتيجية الجديدة، ذِكْرُها التحدي الصيني صراحةً، وخطر كوريا الشمالية، التي تطلق الصواريخ دوريًّا، وتنامي تهديد بكين، وقد سقطت 5 صواريخ صينية بالقرب من المياه اليابانية، في أغسطس الماضي، حسب وثيقة الأمن القومي الياباني.

وعبّرت طوكيو عن دعمها جزيرة تايوان في “الدفاع عن نفسها”، وعن مخاوفها من تكثيف الصين أنشطتها بالمنطقة، وميل ميزان التسلح بين تايبيه وبكين، تجاه الأخيرة، ورأت المصير التايواني ذا أهمية بالغة في الأمن القومي الياباني.

وتطرقت الوثيقة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت فجر الخميس 24 فبرابر الماضي 2022، وشددت على أن “الحرب الروسية ضد أوكرانيا تمثل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، وإخلالًا بأسس النظام العالمي”.

تجاوز الدستور السلمي

قال سفير الولايات المتحدة الأمريكية في اليابان، رام إيمانول، إن تحولًا بهذا الحجم قد يستغرق عقدًا، إلا أنه لفت إلى تغير المزاج العام داخل اليابان، مع تصاعد “التهديد الصيني”، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ليكون أكثر قبولًا لهذا التحول.

وقالت “وول ستريت جورنال” إن: “الاستراتيجية الجديدة تتجاوز الدستور السلمي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ورأت أن خطوة طوكيو ترقى لتكون “ثورةً في سياسة اليابان”، وعلى مدار سنوات أثار الحديث حول إعادة تسليح اليابان جدلًا داخليًّا واسع النطاق، إلا أن العودة إلى التسلح باتت أكثر قبولًا، خاصةً مع دعم واشنطن هذا النهج.

أبرز ردود الفعل

أشاد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستين بـ”قرار اليابان تعزيز الردع الإقليمي واكتساب قدرات دفاعية جديدة” مبديًا التزام أمريكا بالعمل مع اليابان لدعم الأهداف الاستراتيجية للبلدين، ووصف هاردينج، الخطوة بـ”الجريئة والجوهرية للدفاع عن منطقة الباسفيك”، خاصةً مع تطوير بكين برنامجها النووي.

thumbs b c 1afd13fd1b06adc87399828807d3b6ebورأت وزارة الخارجية الصينية أن طوكيو تتجاهل الحقائق الواقعية، وتخل بالتفاهمات المشتركة، وبالعلاقات الثنائية بين البلدين، في حين اعترضت كوريا الجنوبية على ادعاء اليابان سيادتها على الجزر المتنازع عليها بين الجانبين، مطالبةً بحذف البنود “التي تقوّض شراكة الجانبين”.

ربما يعجبك أيضا