استراتيجية جديدة.. لماذا تريد ألمانيا الانفصال اقتصاديًّا عن الصين؟

أحمد ليثي
استراتيجية جديدة

انتقد المستشار الألماني شركات بلاده، لتجاهلها التام لمخاطر الاعتماد الشديد على السوق الصينية، لكنه لم يمنع عنها الدعم السياسي.


بينما يعترض سياسيون ألمان على تقليل الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة، يبدو أن ألمانيا ترغب في تقليل اعتمادها على الصين أيضًا.

ففي مقال نشره المستشار الألماني، أولاف شولتز، بافتتاحية صحيفة “بوليتيكو“، يوم 3 نوفمبر 2022، في إطار دعوته لوضع استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية لبلاده، قال إن الطريقة التي تتعامل بها بلاده مع الصين يجب أن تتغير.

صعوبة التغيير

قال الرئيس الاتحادي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، فرانك فالتر شتاينماير، عند حصوله على “جائزة كيسنجر”، في نوفمبر 2022، إن بلاده يجب أن تتخلص من طرق التفكير القديمة، مشيرًا إلى عدم جدوى الفكرة القائلة إن التبادل الاقتصادي، يؤدي إلى تقارب سياسي، ونصح بلاده أن تقلل اعتمادها على روسيا والصين.

وحسب تقرير نشرته، الصحفية الأمريكية، ليانا فيكس، في مجلة “فورين أفيرز“، يوم الخميس 15 ديسمبر 2022، تردد المستشار الألماني في وضع هيكل جديد لسياسته الخارجية مع بكين، لحرص الشركات الألمانية التي تعتمد على السوق الصينية اعتمادًا كبيرًا، على توسيع عملياتها.

استراتيجية جديدة في التعامل مع الصين

استراتيجية جديدة في التعامل مع الصين

علاقة عميقة

أشار تقرير “فورين أفيرز” إلى أن العلاقة الاقتصادية بين الصين وألمانيا أكثر تعقيدًا من علاقتها مع روسيا، لذلك يجب على برلين أن تتحرك بقوة لتقليل الاعتماد على بكين، لأن خطر نشوب حرب مع تايوان يترك ألمانيا معرضة للأزمات والصدمات الاقتصادية.

وأعلنت الحكومة الألمانية أنها ستنشر أول استراتيجية للأمن القومي على الإطلاق، في فبراير المقبل، ومن المتوقع أن تضع ألمانيا خطة لتقليل الاعتماد على الصين، خلال تنويع العلاقات التجارية والاستثمارية، والفصل الانتقائي عن بكين بشأن التقنيات الحيوية.

ألمانيا في خطر

ناشدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في خطاب ألقته، سبتمبر الماضي، قادة الشركات الامتناع عن اتباع شعار العمل بمفردهم، من دون مراعاة المخاطر طويلة الأجل والآثار، التي قد تنتج عن ذلك، مشيرة إلى أن أوجه الشبه بين وضع الصين وروسيا شبه متطابقة.

وأشار التقرير إلى أن الرئيس الصيني، شي جين بينج، نصب نفسه زعيمًا مدى الحياة، وإذا قرر تحقيق حلمه في وضع تايوان تحت السيطرة الصينية، ستواجه ألمانيا موجات من الصدمات تفوق تلك، التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية.

استثمارات ألمانية واسعة في الصين

تعتمد ألمانيا على الصين في مجموعة واسعة من المنتجات والمواد، التي تعتبر بالغة الأهمية لتحول ألمانيا إلى الصفر الكربوني. وتعد الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا، على عكس روسيا التي تعتبر سوقًا حيوية، ووصلت الاستثمارات الألمانية في الصين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في 2022.

وقال الرئيس التنفيذي السابق لشركة “فولكس فاجن” الألمانية لصناعة السيارات، هربرت ديس، إنه يتوقع مزيدًا من الانفتاح من الحزب الشيوعي الصيني، مشيرًا إلى أن أكثر من 40% من عائدات شركته تأتي من الصين، وأن شركة الكيماويات الألمانية العملاقة “باسف”  تستثمر 10 مليارات يورو، في مجمع إنتاج جديد في الصين.

تجاهل تام

انتقد المستشار الألماني تجاهل شركات بلاده لمخاطر الاعتماد على السوق الصينية، ومع ذلك اصطحب الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات الألمانية مثل “باسف” و”فولكس فاجن” في رحلته الأخيرة إلى الصين، بل وسمح لشركة الشحن “كوسكو” المملوكة للصين بامتلاك حصة في محطة بميناء هامبورج الرئيس.

واستبعدت ألمانيا شركة “هواوي” الصينية من تأسيس شبكات الاتصالات اللاسلكية في البلاد، لكن 60% من المواد التي تعتمد عليها ألمانيا في شبكتها تزودها بها شركة “هواوي”، وفقًا لشركة “ستراند” للاستشارات العالمية في مجال الاتصالات.

شركاء متشابهون

حسب التقرير، سيكون لتقليل اعتماد ألمانيا على الصين كلفة اقتصادية كبيرة، لكن هذا أمر ضروري، لأن حرب بين الصين وتايوان يمكن أن تكلف الاقتصاد الألماني كلفة كبيرة، لذا تحتاج برلين إلى العمل مع شركاء متشابهين في التفكير، لردع بكين عن استخدام القوة وتغيير الوضع الراهن.

ويلتزم شولتز بتنويع الأسواق وتقليل الاعتماد على المنتجات والمواد الأساسية اللازمة للتصنيع، ويمكنه الاعتماد على شركائه في التحالف، مثل حزب الخضر والديمقراطيين الأحرار، الذين يريدون التحرك على نحو أكثر حسمًا، لثني الشركات الألمانية الكبيرة على تعميق اعتمادها على السوق الصينية.

تعاون مع الولايات المتحدة

يمكن للولايات المتحدة أن تساعد ألمانيا بتقديم التعاون في سلاسل التوريد المرنة للتقنيات الأساسية، مثل أشباه الموصلات، للحد من الضغوط المتعددة على الاقتصادات الأوروبية، وفق التقرير، وعلى الولايات المتحدة أن تطمئن أوروبا سريعًا بشأن قانون خفض التضخم الأمريكي، الذي يفرض جمارك على السلع الأوروبية.

وقد حذّر شولتز من العودة إلى نموذج الحرب الباردة، بحجة أن العالم دخل حقبة متعددة الأقطاب مختلفة عن تلك الفترة، وقال إن على ألمانيا استخدام نهج “السلام من خلال القوة”، من أجل التعامل مع روسيا والصين.

ربما يعجبك أيضا