استنفار بالفيدرالي الأمريكي.. أعراض كورونا تنعكس على الاقتصاد

حسام عيد – محلل اقتصادي

في أوقات الأزمات الاقتصادية يعول المستثمر على البنوك المركزية للتدخل وتصحيح الأخطاء وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها، ولكن الأزمة الاقتصادية التي قد تعصف بالعالم بسبب فيروس كورونا هي أزمة مختلفة، حيث إنها لا تمثل أي من الأزمات السابقة التي كانت البنوك المركزية قد تعاملت معها.

الجميع يراقب الفيدرالي الأمريكي “البنك المركزي” وما الذي بإمكانه أن يفعله في مواجهة الأثار الاقتصادية المحتملة لفيروس كورونا على الاقتصاد الأمريكي.

ولكن هل بالفعل لدى الفيدرالي الأمريكي الأدوات للتعامل مع هذا النوع من الأزمات الاقتصادية؟! هذا ما سنتعرض له بالتحليل في التقرير التالي.

فيروس كورونا يصل الولايات المتحدة

بداية، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرى أنه لا داعٍ القلق في تصريحات له، لكن في اليوم التالي أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أول إصابة بفيروس كورونا من مصدر مجهول.

وهذا بطبيعة الحال أثار قلق المستثمرين والأسواق إلى حد كبير، ما يعني أن الولايات المتحدة لم تعد في مأمن أو بالمناعة التي كان المستثمر يعول عليها في مواجهة فيروس كورونا.

على النقيض، سرعان ما قلل ترامب من خطورة فيروس كورونا بوصفه إنه ما يزال منخفضًا جدًا، لكنه لم ينجح في طمأنة الأسواق وإعطائها الدعم الكافي.

وتراجع مؤشر “داو جونز”، الخميس الموافق 27 فبراير 2020، إلى أدنى مستوياته منذ أكتوبر 2019، مدفوعاً بتخوفات المستثمرين من تبعات أشد قسوة على الاقتصاد العالمي، نتيجة توسع دائرة تفشي فيروس كورونا.

خفض الفائدة.. خيار مطروح

الجميع يراقب ربما الفيدرالي الأمريكي، ويعولون بأنه إذا ما قلص معدلات الفائدة، فهو يستطيع أن يوازن لهذه المخاطر المتعلقة بفيروس كورونا.

وهذا ما شهدناه يتم تسعيره في الوقت الراهن، حيث أن المستثمر يسعر لقرابة 41% بأن يكون هناك عملية خفض لمعدلات الفائدة بـ 25 نقطة أساس لاجتماع مارس، وقرابة الـ 90% بأن يكون هناك عملية خفض لمعدلات الفائدة في شهر يونيو.

وكمجموع كلي، فمن المتوقع حدوث تسعير ثلاث عمليات لخفض معدلات الفائدة قبل مارس 2021، ولكن يبقى التساؤل مطروحًا، هل لدى الفيدرالي والسياسة النقدية والبنوك المركزية حول العالم بشكل عام، أدوات، تستطيع من خلالها التعامل مع هذا النوع من الأزمات؟.

قدرة الاقتصاد الأمريكي على المواجهة

الحقيقة هي لا، فالسياسة النقدية تنجح فقط في التحكم بعوامل الطلب على البضائع والخدمات، ولكنها لا تستطيع التحكم في ما يعرف بـ”الصدمات تجاه المعروض”.

والمشكلة أن الأزمات الصحية، الكوارث الطبيعية، والحروب، تقوم بعمل ما يعرف بالخلخلة في سلاسل التوريد، وبالتالي تؤثر على عوامل العرض وليس الطلب.

وهذا ما يجعل السياسة النقدية غير فعالة تمامًا في موازنة المخاطر المتعلقة بهذا النوع من الأزمات الاقتصادية.

وبالتالي حتى لو قامت البنوك المركزية بعمل خفض لمعدلات الفائدة إن كان الفيدرالي الأمريكي، المركزي الأوروبي، أو غيرها، فإن فعالياتها ستكون محدودة جدًا لإنها لا تستطيع التأثير على عوامل العرض.

خاصة، مع الانكشاف الكبير للشركات الأمريكية على السوق الصيني والأسواق الآسيوية، كشركة أبل، ماكدونالدز، وستار بكس، ما يعني أن سلاسل التوريد العالمية منفتحة بشكل كبير على مصادر خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالتالي السياسة النقدية لا تستطيع تفعيل سلاسل التوريد، ما يعني انعدام فعاليتها.

تحديات قائمة

من جهة أخرى، بمتابعة أهد التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، نجد أن قوة الدولار كانت من ضمنها، وذلك قبل أن يبدأ الدولار بتسعير عمليات خفض لمعدلات الفائدة.

ولا يمكن تجاهل أن العالم تعامل مع الدولار الأمريكي كعملة ملاذ آمن، باعتبار أن الاقتصاد الأمريكي يعتبر أقوى نسبيًا بالمقارنة مع بقية الاقتصادات العالمية، وأيضًا لأن أمريكا لم تشهد انتشار الفيروس داخلها بنفس السرعة المماثلة في دول أخرى بمختلف أنحاء العالم.

ولكن بمجرد السماع عن بعض الإصابات في أمريكا، وبدء الحديث عن تسعير عمليات خفض لمعدلات الفائدة، تولد الضغط إلى حد ما على أداء الدولار الأمريكي، الذي تعتبر قوته أمرًا سيئًا بالنسبة للمصدرين الأمريكيين.

بالإضافة أيضا إلى تراجع أعداد السياح الصينيين وإنفاقهم في أمريكا، ناهيك عن تراجع إنفاق المستهلك الأمريكي الذي كان داعمًا رئيسيًا للاقتصاد الأمريكي خلال الفترة الماضية وحصنه ضد التباطؤ في الاقتصاد العالمي.

وختامًا يمكن القول بأنه إذا ما بدأ فيروس كورونا بالتأثير على المستهلك الأمريكي، قد لا يكون اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المناعة عن أي تباطؤ خارجي قد يشهده الاقتصاد العالمي.

ربما يعجبك أيضا