اشتباك مسلح يضع “الوفاق الليبي” في مهب الريح

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

بعد هدوء نسبي ساد العاصمة الليبية، انقلب الوضع في طرابلس منذ أيام حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصائل مسلحة، وضعت اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم برعاية الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، في مهب الريح، لا سيما بعد مقتل وإصابة العشرات.

وقال مصدر طبي لفرانس برس، إن الاشتباكات العنيفة جرت الخميس في منطقة تقع على بعد 50 كيلومترًا جنوب طرابلس، غداة اشتباكات في محيط المطار على بعد 25 كيلومترًا من العاصمة، كما ذكرت وزارة الصحة أن من بين الجرحى نساء وأطفالا.

استنكر الاتحاد الأوروبي خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وهدد بملاحقة من يقوضون العملية السياسية في ليبيا أو يهددون استقرارها، في إشارة إلى العناصر المسلحة، ودعا للعودة فورًا إلى الاتفاق المبرم وحماية المدنيين.

هذا التصعيد الخطير يضع طرابلس مجددًا أمام شبح أعمال العنف التي اندلعت العام الماضي وخلفت مئات القتلى، كما يشكل عقبة جديدة أمام المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة، ويجعل من عملية التسوية السياسية حلمًا بعيد المنال.

بداية النزاع المسلح وصراع القوى الأربع

يتركز النزاع المسلح في طرابلس بين ثلاث قوى من خارجها، مقابل واحدة تهيمن على داخل المدينة، وتتصف القوى الأربع التي تتصارع، من وقت إلى آخر، للهيمنة على العاصمة، بأنها ذات طابع جهوي في معظمها، وبالنسبة للقوى الثلاث المحسوبة على خارج طرابلس، فهي قوات منطقة ترهونة من جنوب العاصمة والمعروفة بـ”اللواء السابع”، وقوات مصراتة من شرقها، وقوات الزنتان من غربها، وهذه القوى الثلاث بينها ثارات قديمة.

وتعرف القوى المحسوبة على داخل العاصمة، باسم “القوات الطرابلسية”، بسبب انتماء معظم قادتها وعناصرها إلى المدينة نفسها، وهي ليست على وفاق دائم بين بعضها البعض، لكن اعتماد المجلس الرئاسي عليها في تأمين المدينة، جعلها أقرب إلى الجسم الموحد، وتكمن مشكلتها الرئيسية في عدم وجود تنسيق واضح لها مع كل من وزارتي الدفاع والداخلية.

لعبة الدومينو

بدأت قوات ترهونة تتحرك من الجنوب خلال الأيام الماضية، للسيطرة على المزيد من المواقع والأراضي في العاصمة، ما أدى إلى حالة من الترقب والاستعداد من جانب قوات كل من مصراتة والزنتان، بالإضافة إلى تحركات من جانب القوات الطرابلسية، وتريد الأخيرة الدفاع عن مناطق نفوذها في طرابلس.

صحيفة “العرب” شبهت الأمر هنا بلعبة “الدومينو”، حيث تعود القصة إلى عام 2014، حيث كانت كل هذه القوى تتعايش مع بعضها داخل العاصمة، لكن انتخابات البرلمان وخسارة تيار الإسلام السياسي للأغلبية في مجلس النواب، جعلت الحرب تشتعل بين المسلحين في طرابلس.

نتج عن الحرب المعروفة باسم حرب “فجر ليبيا”، طرد قوات الزنتان من العاصمة، وتعايشت قوات مصراتة  وقوات طرابلس مع بعضها بعضا، وكان من ضمنهما العناصر التي شكلت في ما بعد “اللواء السابع”.

مع مطلع عام 2016، هيمنت “القوات الطرابلسية” على العاصمة بسبب وقوفها مع السراج حين وصل عبر البحر ليتولى إدارة البلاد عبر المجلس الرئاسي الذي تشكل بموجب اتفاق الصخيرات، وتمثل ولاء قوات مصراتة للسراج، في تلك السنة، في تشكيل ما عرف وقتها باسم قوات “عملية البنيان المرصوص” لمحاربة داعش في مدينة سرت القريبة من مصراتة.

انتهت “عملية البنيان المرصوص” بطرد داعش، لكن سقط من أبناء مصراتة المئات من القتلى والألوف من الجرحى، لم يتمكن ذوو هؤلاء من الحصول على المكاسب المنتظرة، من بينها على الأقل، صرف رواتب المقاتلين وصرف الأموال للجرحى والتعويضات للقتلى، وتصدعت العلاقة بين قوات مصراتة والسراج منذ ذلك الوقت.

وأصبحت الهدنة وترتيبات حفظ الأمن عرضة للانهيار، فتحرك ترهونة يقابله تحرك من مصراتة والزنتان لافتراس القوات الطرابلسية، رغم أن القوى الثلاث التي تريد أن تفعل ذلك، ليست على وفاق.

مع بداية عام 2017، كانت هناك مجموعات مصراتية ما زالت تتمركز في العاصمة، وأراد بعض عناصر قوات “البنيان المرصوص” المنتصرة في سرت، والمنهكة أيضا، الانضمام إليها، والتخلص من السراج ومجلسه الرئاسي وحكومته، والقوى الطرابلسية التي يعتمد عليها، كما تحالفت معهم قوى مختلفة يجمعها العداء للقوات الطرابلسية.

تعرضت القوات المصراتية، والمتحالفون معها، للهزيمة في حرب مايو، وأدى ذلك إلى تراجعها إلى مدينتها التي تقع على بعد نحو مئتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، شعرت قوات الزنتان بالارتياح لابتعاد خصمها اللدود، من القوات المصراتية، بعيدا عن العاصمة، وفرضت القوات الطرابلسية هيمنتها على طرابلس.

بعد ذلك خرج من بين أنقاض هذه الفوضى، ما أصبح يعرف بـ”اللواء السابع- مشاة”، قرر أن يكون مواليا للسراج، لكن قوته وتحالفاته بدأت تثير مخاوف المجلس الرئاسي، فقرر السراج في أبريل الماضي حل “اللواء” وتسريحه، لكنه لجأ إلى ترهونة وأصبح مصدر تهديد لطرابلس.

تطور الأوضاع

القوى الثلاث “ترهونة، ومصراتة، والزنتان” تكرس مدافعها على حواف العاصمة منذ شهور، وكادت أن تقتحمها في سبتمبر الماضي، لولا تدخل غسان سلامة رئيس البعثة الأممية لليبيا، وقتها جرى عقد هدنة، بحيث تلتزم القوى التي من خارج العاصمة، بعدم الدخول إليها، بينما تتعهد القوى التي من داخل طرابلس بعدم استغلال وجودها في المدينة للهيمنة على مؤسسات الدولة، كما وضع السراج وسلامة ترتيبات لحفظ الأمن في طرابلس.

قبل أيام، وصلت معلومات إلى المجلس الرئاسي، عن وجود تحركات جديدة لقوات “اللواء السابع”، قادمة من مقره في جنوب العاصمة، هذا يعني أن الهدنة وترتيبات حفظ الأمن أصبحتا عرضة للانهيار، فتحرك ترهونة يقابله تحرك من مصراتة والزنتان، لافتراس القوات الطرابلسية، رغم أن القوى الثلاث التي تريد أن تفعل ذلك ليست على وفاق، وهو ما يجعل مستقبل الأمن، بل مستقبل الحكم، في العاصمة عرضة لكل الاحتمالات.

يوم الثلاثاء الماضي، أبدت أطراف في المجلس الأعلى للدولة اعتراضها على قرار رئيس المجلس الرئاسي، رئيس حكومة الوفاق، تحريك قوات عسكرية في طرابلس، دون عرض الأمر على المجلس.

ومع تجهيز السراج لقواته التي تظهر كقوات لا تعمل بتنسيق واضح مع قوات وزارة الداخلية، بدأت “قوة إدارة الدعم المركزي” في التحرك في اتجاه مطار طرابلس الدولي، ومعروف أن موقع المطار يعد بوابة الدخول لقوات “اللواء السابع” وقوات بادي إلى شوارع العاصمة، والمقار الأمنية التي تتواجد فيها القوات الطرابلسية.

في مساء اليوم نفسه، بدأت أول مواجهة بين السراج ووزير داخليته، بشأن التضارب في المواقف في ما بينهما على جبهة المطار، في لهجة غاضبة وصف السراج القوات التي تسعى لمهاجمة العاصمة بأنها “ضد الحكومة الشرعية”، وهي خطوة تعكس خطورة الموقف بين الرجلين، في ظل تمسك باشاغا بموقفه، وقد يؤدي الوضع في العاصمة بهذه الطريقة إلى تداعيات لا تحمد عقباها.

في إصرار على التمسك بخطط التصدي لأي هجوم على العاصمة، تلقت التشكيلات العسكرية المولية للسراج بيانا منسوبا إلى “قوة حماية طرابلس”، يقول “إن قوة حماية طرابلس كانت طيلة الفترات الماضية تعمل على تغليب مصلحة الوطن والمواطن وقوفا عند مطلب الشعب الليبي بالعيش الكريم في دولة مستقرة تحت حكم واحد في ظل سيادة القانون، ولكن أبت بعض الفئات من الخوارج والمندسين الذين فضوا يد الطاعة عن ولي الأمر، ويحتمون بغطاء قبيلة ترهونة المجاهدة، وهي براء منهم، إلا أن يشعلوا فتيل الحرب بفتنتهم التي يستمدون وقودها من ممولي وتجار حرب فجر ليبيا في السابق”.

في مواجهة بيان الموالين للسراج، أصدرت وزارة الداخلية بيانا عبرت فيه عن بالغ القلق من الخروقات الأمنية التي تشهدها منطقة جنوب طرابلس.

وحذرت من أي محاولة لفرض ما أسمته بـ”سياسة الأمر الواقع” على محيط مطار طرابلس، واعتبرته أمرًا مرفوضًا، مؤكدة أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية لفرض السيطرة على المطار ومرافقه ومحيطه.

وبدأت سير المعارك تترى، حيث شوهدت قوات تابعة للزنتان تتقدم في ناحية سوق الخميس، في اليوم التالي فصلت هذه القوات سوق الخميس عن قصر بن غشير، وهو ما يعرقل تحرك القوات الغازية من الجنوب إلى باقي منطقة صلاح الدين الاستراتيجية في العاصمة، كما سمع صوت إطلاق النار من الأسلحة الخفية ومن المدفعية، وانتشر الذعر وسط الأحياء السكنية.

ويبدو أن العاصمة الليبية تشهد تغيرات سياسية كثيرة ولا أحد يعرف ما يجرى في الخفاء.

ربما يعجبك أيضا