اعترافات آبي أحمد.. جرائم حرب لا تسقط بالتقادم

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

أخيرا اعترف آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي للمرة الأولى بالمجازر والفظائع التي ارتكبت ضد قومية التيغراي على أيدي الجيش الإثيوبي والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجيش إريتريا وقوات وميليشيا بإقليم أمهرة المجاور.

صحيح أن الحكومة الإثيوبية لطالما رفضت اتهامات بممارستها التطهير العرقي في الإقليم، إلا أنها دائما كانت تصف تلك الاتهامات بأنها “حكم زائف لا يستند إلى دليل ضد الحكومة الإثيوبية”، وهذا ما ردت به على اتهامات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني الذي اتهمها بالتطهير العرقي.

وفي 4 نوفمبر/تشرين ثان 2020، اندلعت اشتباكات في الإقليم بين الجيش الفيدرالي و”الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، قبل أن تعلن أديس أبابا في 28 من الشهر ذاته، انتهاء عملية “إنفاذ للقانون” بالسيطرة على الإقليم بالكامل، رغم ورود تقارير عن استمرار انتهاكات حقوقية بالمنطقة حتى اليوم.

اعترافات صادمة

آبي أحمد اعترف للمرة الأولى في جلسة مع نواب البرلمان الإثيوبي بوقوع فظائع ضد المدنيين في إقليم تيغراي، بعدما شن حربا شعواء في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ضد عناصر “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”, وقال أحمد: “تشير التقارير إلى ارتكاب فظائع في منطقة تيغراي”، وأضاف أن “الجنود الذين اغتصبوا النساء أو ارتكبوا جرائم حرب أخرى أو نهبوا ممتلكات سيتحملون المسؤولية”.

وتأتي تصريحات آبي أحمد بعدما أوفد الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أيام، النائب الديمقراطي بمجلس النواب الأمريكي كريس كونز إلى إثيوبيا لبحث الوضع في إقليم تيغراي، بعدما وصف بلينكن، ما يجري في الإقليم الإثيوبي بأنه “تطهير عرقي”.

جرائم حرب

فيما نشرت القناة 4 الإخبارية التابعة لـ CNN تقريرًا مروعًا عن العنف الجنسي ضد النساء في تيغراي. وتضمن التقرير مقابلات من منزل آمن – الوحيد الذي يُعتقد أنه يعمل في تيغراي للناجيات من الاغتصاب – حيث تتلقى حوالي 40 امرأة مصابة بصدمات نفسية للعودة إلى عائلاتهن المأوى والدعم، ووفقًا للأطباء، فإن جميع النساء اللاتي يعالجونهن تقريبًا يروين قصصًا مماثلة عن تعرضهن للاغتصاب من قبل جنود إثيوبيين وإريتريين. قالت النساء إن القوات التي كانت في مهمة نصبت نفسها للانتقام، وكانت تعمل في ظل إفلات شبه كامل من العقاب في المنطقة.

تحدث فريق من شبكة CNN في بلدة حمداييت، وهي بلدة سودانية هادئة على الحدود الإثيوبية حيث تجمع آلاف اللاجئين من تيغراي في الأشهر الأخيرة، مع عدة نساء وصفن تعرضهن للاغتصاب أثناء فرارهن من القتال.

وقالت امرأة عن مهاجمها: “لقد دفعني وقال: أنتم التيغراي ليس لديكم أي تاريخ، وليس لديكم ثقافة. أستطيع أن أفعل بك ما أريده ولا أحد يهتم”، أخبرت المرأة CNN أنها حامل الآن.

يقول الكثيرون إنهن تعرضن للاغتصاب من قبل قوات أمهرة التي أخبرتهن أنهم عازمون على التطهير العرقي للتيغراي، كما قال طبيب يعمل في مخيم اللاجئين المترامي الأطراف في حمدايت لشبكة CNN.

مصرع 70 ألف شخص

بدوره كشف دبلوماسي إثيوبي سابق أن ما يصل إلى 70 ألف شخص لقوا مصرعهم إثر الصراع في إقليم تيغراي، جاء ذلك في تصريحات لبرهان كيدان، النائب السابق لرئيس البعثة الدبلوماسية بالسفارة الإثيوبية لدى واشنطن، مستندا على معلومات من مصادر داخلية في إثيوبيا.

واستقال الدبلوماسي الإثيوبي من منصبه في أوائل مارس/ آذار الجاري، بسبب مخاوف بشأن الفظائع التي ترتكب في تيغراي.

وقال كيدان إن “معظم ضحايا الصراع “مدنيون، ومن الشباب، ويتراوح عددهم ما بين 60 إلى 70 ألف قتيل”، فيما لم تعلن السلطات الإثيوبية بعد عن عدد القتلى في حرب تيغراي، حسب الوكالة الأمريكية، وأضاف أن الحرب المستمرة في تيغراي تقضي على سكان المنطقة البالغ عددهم أكثر من 6 ملايين نسمة، داعيا إلى محادثات سلام بين الحكومة والقادة الهاربين في المنطقة المحاصرة.

وأوضح أنه “بدون تسوية سلمية ومفاوضات، لا يمكن أن يحل السلام، فالحل الوحيد هو محادثات السلام”.

الدور الإريتري

مشاركة جيش إريتريا في المجازر برعاية الجيش الإثيوبي كان شيئا غريبا للوهلة الأولى، خصوصا أن إثيوبيا وإريتريا كانا في حروب دائمة، الجيش الإثيوبي، أعلن أنه في حرب مع جبهة تحرير شعب التيغراي، لمجرد أن قادته طالبوا أن يستقيل رئيس الوزراء الإثيوبي مؤكدين أنه غير شرعي.

زعيم إقليم تيغراي المخلوع اتهم الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا وحلفائها الإريتريين بارتكاب “إبادة جماعية” وجرائم أخرى ضد الإنسانية في الإقليم، داعيًا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تصعيد الضغط على “القوات الغازية”.

الموقف الدولي

وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ما يجري في الإقليم الإثيوبي بأنه “تطهير عرقي”، كما دعا إلى إجراء تحقيق دولي.

وأكد بلينكن أن الولايات المتحدة “اطلعت على تقارير موثوقة عن انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع المستمرة التي ترتكب في تيغراي”.

من جهة أخرى، قال نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام فرحان حق للصحفيين، بمقر المنظمة الدولية في نيويورك: “نحن بحاجة ماسة إلى مزيد من التمويل للتأكد من أنه يمكننا مساعدة الأشخاص المتضررين من النزاع بشكل عاجل”، وأضاف: “الوضع الإنساني خطير للغاية ويتدهور باستمرار، وقد أخبرنا زملاؤنا العاملون في المجال الإنساني أن الصراع المستمر في تيغراي يواصل التسبب في إحداث نزوح جماعي عبر المنطقة”.

واستدرك: “رغم التحديات، يعمل عمال الإغاثة على توسيع نطاق الاستجابة حيث تم تقديم المساعدة لأكثر من مليون شخص بالسلال الغذائية الكاملة، كما تلقي ما يقرب من 140 ألف نازح جديد المأوى في حالات الطوارئ ومواد الإغاثة الحيوية، وحصل أكثر من 630 ألفا على المياه النظيفة”.

وفي سياق متصل، حذر مسؤولون أمميون كبار، في بيان مشترك، من تدهور الوضع الإنساني في إقليم “تيغراي”، وقالوا إن “هناك تقارير بشأن الهجمات العشوائية والموجهة ضد المدنيين، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي المروع”، ودعا المسؤولون الأمميون في بيانهم، إلى “ضرورة وقف تلك الهجمات وإجراء تحقيق مستقل في العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في تيغراي، بمشاركة مكتب المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان”.

ربما يعجبك أيضا